توفر 90% من مياه وغذاء التربة.. خطوات خجولة لوزارة الزراعة في دعم الزراعة المائية
شهدت الزراعة السورية، ومثلها الكثير من الزراعات السائدة في معظم دول العالم، تحولاً تدريجياً على شكل مشاريع فردية لجهة الزراعة المائية في ظلّ شح المياه وتقلص المساحات القابلة للزراعة في مناطق عدة حول العالم، إذ ينبئ المشهد العام بتقلص المساحات الصالحة للزراعة وانخفاض الإنتاج الزراعي وسط الظروف والتقلبات المناخية، وما تبعها ورافقها من جفاف وإفراط في استخدام الموارد الطبيعية وسط غياب الإجراءات القانونية لنصل –بحسب الخبراء المعنيين- إلى تدهور في التربة وفي الأراضي الزراعية التي تشكل البنية التحتية الأساسية لاقتصادنا الزراعي، الأمر الذي أدرك مخاطره الفلاحون ليتجهوا إلى البدائل أسوة ببلدان العالم عبر تجارب ومشاريع فردية خاصّة للزراعات المائية، والتي أثبتت نجاحها عند جميع القائمين عليها، في حين لا زالت خُطا الوزارة خجولة في طريق هذه الزراعة!.
مبادرات فردية
وزارة الزراعة والتي لا زالت في مرحلة التأسيس في هذه الزراعة، وجّهتنا في بحثنا عن أهمية هذه الزراعة والجدوى الاقتصادية لها إلى الهيئة العامة للبحوث الزراعية والتي اكتفى فيها الدكتور أيمن حجازي “إدارة بحوث الموارد الطبيعية في الهيئة العامة للبحوث الزراعية” بالحديث عن عدم وجود تجارب زراعة مائية بل مبادرات فردية حتى اليوم، في حين هناك مشروعان في الهيئة وهما في طور خطة عمل تم الموافقة على تمويلهما، وفي حال اكتمال البحث والدراسة ستتبنى الوزارة النتائج التطبيقية، لنتوجّه إلى حسام الكيال أحد أصحاب المبادرات الفردية في هذه الزراعة في محافظة دمشق، والذي تحدث عن أهمية هذه الزراعة للأشخاص الذين لا يملكون أراضي زراعية، فهي برأيه بمثابة ابتداع لطريقة جديدة للالتفاف والاحتيال على مساوئ الزراعة في التربة، ولاسيّما في الوقت الراهن وما نعانيه من جفاف وشح في المنظومة المائية، ناهيك عن وجود الكثير من الأراضي المهدورة وغير المستثمرة في الزراعة أو البناء كون تربتها كلسية أو مالحة مثلاً، وبالتالي يمكن استثمار هذه المساحات كون هذه الزراعة تقوم على الاستغناء عن الأرض بشكل جزئي أو كليّ أو استخدام تربة محايدة أو عدم استخدام تربة بشكل كليّ. ولفت الكيال إلى توجّه الكثير من المزارعين أو حتى المواطنين العاديين في المدن إلى استغلال الأسطح أو المساحات الضيّقة واستثمارها على شكل طوابق بهذه الزراعة.
خوف من التغيير
المهندس الزراعي أحمد خالوصي يرى أهمية وضرورة إسراع وزارة الزراعة لتبني المشاريع الفردية والتوسع بهذه الزراعة، ووضع مشاريع وخطط داعمة لها كون تكلفتها ستكون أكبر ومختلفة عن المشاريع الفردية في حال تمّ إقامة مشاريع كبيرة، ولفت خالوصي إلى أن هذه الزراعة تشكل حلاً محتملاً يتصدّى لتحديات الأمن الغذائي والمائي، وداعماً أساسياً للاقتصاديات المحلية، فالزراعة المائية منهج حديث يقوم على الاستغناء عن الطرق التقليدية والتوجّه إلى الطرق الحديثة التي أثبتت نفسها كبديل حيوي باتجاه تغيير استراتيجي في عالم الزراعة. واستنكر خالوصي سبات الجهات المعنية وحالة الركود التي تعاني منها تجاه التغيير والخوف من الخطو باتجاه التغيير وتحديث الأساليب والمنهج المعتمد في الزراعة أو في الصناعة، والاكتفاء بمراقبة التجارب الفردية، وفي حال نجاح هذه التجارب توضع الخطط والندوات وغيرها من المعوقات طويلة الأمد، لنبدأ بتبني وتعميم هذه التجارب، فعلى الرغم من أن التجارب والمشاريع الفردية أثبتت نجاحها حتى في المدن وبرهنت أن الزراعة المائية مساعدة لنمو النبات بشكل مثالي بحيث يتمّ الاستغناء عن التربة والأسمدة المكلفة والحصول على منتج مميز بتكاليف أقلّ من الزراعة التقليدية ستنعكس حتماً على سعر المنتج النهائي، إلّا أننا لا زلنا في طور انتظار تبني هذه الزراعة أسوة بالكثير من الدول.
تقليل الهدر
لا شك أن ارتفاع أسعار الخضار والفواكه في السنوات الأخيرة لأسباب زراعية واقتصادية جعل التفكير السائد اليوم هو الخروج من دائرة ما تقدّمه وزارة الزراعة برفقة الجهات المعنية من حلول زراعية وخطط إسعافية آنية لم تغنِ ولم تسمن من جوع، ليكون التوجّه في السنوات الأخيرة كبيراً إلى الزراعات المنزلية والعضوية والمائية، إذ يرى الدكتور سليم الداوود “دكتور في الزراعة”” تزايد أهمية الزراعة المنزلية والزراعة المائية خلال الأعوام الأخيرة مع سعار الأسعار الذي لحق بالخضار والفواكه المحلية، ليكون البدء من المواطن نفسه بأبسط الإمكانيات، وقدّم الداوود تعريفاً بالزراعة المائية بأنها أحد طرق زراعة النباتات دون تربة بحيث تعتمد على وضع المجموع الجذري في محلول مغذٍّ يحوي عناصر معدنية ضرورية لنمو النباتات، وبالتالي الحصول على إنتاج وفير من خلال حصول النبات على الغذاء الضروري من هذا المحلول. وحول تخوّف المواطنين من عدم توفير الفائدة الغذائية من هذه الزراعة كونها لا تعتمد على التربة، لفت الداوود إلى عدم صحة هذه الأقاويل والتي تندرج ضمن إطار الشائعات هدفها التخويف والتشكيك بكلّ نظرية علمية جديدة، ولاسيّما أن القيمة الغذائية للنبات المزروعة ضمن نظام الزراعة المائية أفضل بكثير كون النبات حصل على الغذاء بكميات كبيرة على عكس الزراعة التقليدية، ناهيك عن تأكيد الأبحاث والدراسات أن هذه الزراعة توفر من 80-90% من المياه مقارنة بالزراعة التقليدية، أي أنها تقلّل من نسبة الهدر الحاصلة في الزراعة التقليدية سواء في المياه أو في غذاء التربة الذي لا يذهب بشكل كليّ إلى النبات.
جدوى اقتصادية
وتحدث الدكتور الزراعي عن الجدوى الاقتصادية لهذه الزراعة كونها تشكل مصدراً للاكتفاء الذاتي في الريف والمدينة، مشيراً إلى أنه في حال تمّ التوسّع بشكل حقيقي في هذه الزراعة سنصل إلى تحقيق كميات إنتاج أكبر من الزراعة التقليدية، ولاسيّما أنه يمكن التحكم بالمدة الزمنية لنضوج المحصول ضمن ظروف محكمة صحيحة، لافتاً إلى أن أهمية هذه الزراعة تكمن في زيادة الإنتاج في وحدة المساحة في مناطق تعاني تربتها من وجود آفات زراعية أو ملوحة أو كون التربة رملية مثلاً، وبالتالي الاستعاضة عن التربة بشكل نهائي، وحول تكلفة هذه الزراعة المادية قسّم الداوود التكلفة إلى استثمارية “تكلفة المعدات والمواد اللازمة” وتختلف حسب نوع الأنابيب المستخدمة وصلاحية هذه الأنابيب، وتكلفة جارية وهي المستخدمة لنمو النبات بشكل يومي، لكن في حال تمّ تعميم هذه الزراعة ستبقى تكلفتها أقل من جهة الاستغناء عن المبيدات والأسمدة وتخفيف الهدر، وزيادة رقعة المساحة المزروعة وعدم حصر الزراعة بالأراضي الصالحة فقط، لنصل إلى إنتاج وفير بتكلفة مقبولة سترضي المنتج والمستهلك في آن معاً.
ميس بركات