مجلة البعث الأسبوعية

طريق حرير العراق.. برعاية صينية ميناء الفاو الكبير والقناة الجافة

البعث الأسبوعية- سمر سامي السمارة

قدم مؤتمر ” الذي عُقد في كانون الأول عام ٢٠٢٢ في البصرة رؤى مستقبلية وفرص استثمارية، وقال مدير عام شركة الموانئ العراقية فرحان الفرطوسي، أن الميناء والقناة جزءان من “طريق الحرير” العراقي، واصفاً إياهما بأهم المشاريع الاقتصادية والإستراتيجية في المنطقة. وأكد الفرطوسي أن المشروعان سيغيران خريطة الاقتصاد العالمي ويختصران وقت عبور السفن القادمة من الممرات المائية لغرب آسيا والبحر الأحمر عبر قناة السويس إلى أوروبا بمقدار ٢٠ إلى ٢٥ يوماً، ويقلل من تكاليف الشحن بعشرات الملايين من الدولارات.

 يعتبر مشروعا الممر التجاري في العراق فرصة حقيقية لبغداد المحاصرة التي تسعى لتعزيز وضعها الجيوسياسي وتحقيق استقلالها الاقتصادي، خاصةً أن النقل البحري يمثل العمود الفقري للتجارة الدولية والاقتصاد العالمي. وبحسب مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية “أونكتاد”، فإن أكثر من ٨٠ في المائة من حجم التجارة الدولية في السلع يتم نقلها عن طريق البحر.

تتمتع الدول الساحلية بدرجات متفاوتة من الأهمية الاقتصادية بحسب موقعها الجغرافي، وتعتبر منطقة غرب آسيا- من البحر الأبيض المتوسط إلى الخليج العربي – ذات أهمية إستراتيجية رئيسية، إذ تشكل البوابة بين آسيا واقتصاديات أوروبا، كما يحث موقعها الجغرافي الفريد على الاستثمار في البنية التحتية لجذب الاقتصادات الكبرى للاعتماد على ممراتها، وترسيخ دور المنطقة في نقل البضائع بين القارتين.

ميناء الفاو الكبير

في هذا السياق، أطلق العراق مشروعين رئيسيين يهدفان إلى جعله حلقة وصل حيوية بين آسيا وأوروبا، فضلاً عن تعزيز أهميته الجيوسياسية، حيث يعد مشروع ميناء الفاو الكبير، الذي انطلق عام ٢٠١٠، أحد الأمثلة على هذه الجهود.

يقع الميناء على ساحل الفاو في محافظة البصرة جنوب العراق التي تقع في شمال الخليج العربي، ويسعى الميناء إلى تقديم بديل لطرق العبور التقليدية، بما في ذلك قناة السويس.

لكن الصعوبات المالية وغيرها من القضايا تسببت بتعرض المشروع لفترات تأخير طويلة. ومع ذلك، وقعت بغداد عام 2022 عقداً مع شركة الإنشاءات الكورية الجنوبية “دايو” بقيمة 2625 مليار دولار، وذلك ببناء المرحلة الأولى من الميناء في غضون أربع سنوات.

ومنذ ذلك الحين، تعمل وزارة النقل العراقية بالتعاون مع القطاع الخاص لتسريع إنجاز المشروع، إدراكاً منها لأهميته الإستراتيجية والاقتصادية بالنسبة للعراق. ومن المتوقع أن يبدأ الميناء في العمل عام 2024 ويكتمل بحلول عام2025 بحسب الوزارة.

جدير بالذكر أن ميناء الفاو الكبير مصمم ليضم ما يلي:

  • ٥٠ رصيفاً بطول ١٧ كم، و٢٥ مليون حاوية في السنة.
  • ٢٠ رصيفاً غير مصممة للحاويات بطول ٥ كم، و٥٠ مليون طن في السنة.
  • ٢٠ رصيفاً للبضائع العامة بطول 5 كم.
  • 6 أرصفة لتصدير النفط (230.000 برميل يومياً) وخزانات لواردات المنتجات النفطية (300.000 متر مكعب.

وبوجود 96 رصيفاً، سيكون ميناء الفاو الكبير أكبر ميناء في غرب آسيا، متجاوزاً ميناء جبل علي في الإمارات العربية المتحدة، الذي يضم ٦٧ رصيفاً فقط للحاويات.

مشروع القناة الجافة

في موازاة ذلك، يعمل العراق على مشروع القناة الجافة، والذي سيتألف من السكك الحديدية، والطرق السريعة، وخطوط أنابيب النفط والغاز لربط ميناء الفاو الكبير العراقي بأوروبا، إما مباشرة عبر تركيا أو عبر سورية. ومن المحتمل أن يحول هذا المشروع العراق إلى مركز رئيسي لنقل كميات هائلة من البضائع بين آسيا وأوروبا، وبين الشرق والغرب.

قدم مؤتمر “ميناء الفاو الكبير والقناة الجافة” الذي عُقد في كانون الأول عام ٢٠٢٢ في البصرة رؤى مستقبلية وفرص استثمارية، وقال مدير عام شركة الموانئ العراقية فرحان الفرطوسي، أن الميناء والقناة جزءان من “طريق الحرير” العراقي، واصفاً إياهما بأهم المشاريع الاقتصادية والإستراتيجية في المنطقة. وأكد الفرطوسي أن المشروعان سيغيران خريطة الاقتصاد العالمي، ويختصران وقت عبور السفن القادمة من الممرات المائية لغرب آسيا والبحر الأحمر عبر قناة السويس إلى أوروبا بمقدار ٢٠ إلى ٢٥ يوماً، ويقلل من تكاليف الشحن بعشرات الملايين من الدولارات.

 استحواذ على اهتمام الصين

بحسب تقديرات مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية “سي إس أي إس”، ومقره واشنطن، يتم نقل حوالي ٢٠ في المائة من التجارة البحرية العالمية، و ٦٠ في المائة من التدفقات التجارية للصين عبر مضيق ملقا وبحر الصين الجنوبي، ما يجعلها الطريق البحري الأكثر أهمية للاقتصاد الصيني.

بسبب موقعه الجغرافي الذي يربط الاقتصادات الآسيوية الرئيسية في الهند والصين وتايوان والفلبين بالاقتصاد العالمي، أصبح مضيق ملقا ساحة للصراعات السياسية وعمليات القرصنة، وقد دفعت هذه العوائق المستمرة بكين إلى البحث عن طرق بديلة للمحيط الهندي لتجنب “معضلة ملقا” أو مضايقة السفن على المضيق.

في عام ٢٠١٣، أعلنت الصين أن مشروع  الممر الاقتصادي بين الصين وباكستان  جزء من مبادرة الحزام والطريق الطموحة التي تبلغ تكلفتها عدة تريليونات من الدولارات في بكين، والتي تربط مقاطعة شينغيانغ شمال غرب الصين بميناء جوادر الباكستاني على المحيط الهندي – على بعد ٤٠٠ كيلومتر فقط من مضيق هرمز – عبر شبكة من الطرق والسكك الحديدية، وخطوط الأنابيب لنقل البضائع والنفط والغاز.

يوفر الممر، المقرر استكماله عام ٢٠٣٠  للصين، طريق أقصر وأقل تكلفة للتجارة مع معظم البلدان في آسيا وأفريقيا، كما أنه يربط الصين مباشرة بالمحيط الهندي وغرب آسيا، ويقلل بشكل كبير من اعتماد بكين على بحر الصين الجنوبي، الذي تحول إلى منطقة صراع بين الصين وعدد من القوى الإقليمية والدولية، مثل اليابان والفلبين، وبشكل رئيسي، الولايات المتحدة.

كيف يرتبط العراق بمبادرة الحزام والطريق

مع وصول البضائع إلى ميناء جوادر المطل على بحر العرب، أصبح العراق ذا أهمية كبيرة للصين، التي تبحث عن طرق سريعة وغير مكلفة، لتوصيل منتجاتها إلى أوروبا. يوفر ميناء الفاو الكبير والقناة الجافة ممراً أساسياً لبكين، لنقل بضائعها إلى القارة القديمة، لذلك يطمح العراق بأن يكون ميناء الفاو الكبير والقناة الجافة جزءاً من مبادرة الحزام والطريق، خاصة وأن القناة الجافة ستقلل من وقت وصول البضائع إلى أوروبا بمقدار 25 يوماً، وتخفض تكاليف الشحن إلى النصف.

يذكر أنه بين عام ٢٠٠٥ ومنتصف عام ٢٠٢٢، بلغت الاستثمارات الصينية في غرب آسيا والدول العربية الأفريقية 2025 تريليون دولار، وهو ما يمثل ١٢.٦ في المائة من إجمالي استثمارات الصين في الخارج. وللإشارة، احتل العراق خلال هذه الفترة، المرتبة الثالثة بين الدول التي جذبت الاستثمارات الصينية في المنطقة.

نظراً لأن الموانئ هي طريق الصين الرئيسي إلى الأسواق العالمية، فقد أعربت بكين عن اهتمامها بإنشاء ميناء الفاو الكبير في البصرة، ففي أيلول 2019، عقد العراق اتفاقاً مع الصين للمساعدة في تأمين التمويل اللازم، والمعروفة باسم النفط من أجل إعادة الإعمار.

ووقع البلدان اتفاقاً يتعلق بإنشاء صندوق يودع العراق فيه عائدات من 100 ألف برميل من النفط يتم بيعها يومياً لشركتين صينيتين، بينما يأتي الباقي من قروض من البنوك الصينية تصل بحد أقصى إلى 10 مليارات دولار.

لكن الاتفاق، الذي كان من المفترض أن يستمر لمدة 20 عاماً، تم تأجيله بسبب الاضطرابات في العراق التي اندلعت بعد شهر، والوباء العالمي، وانخفاض أسعار النفط، وتأخر بغداد في الموافقة على ميزانية 2020.

وفي هذا الصدد، اتهمت بعض الفصائل السياسية العراقية رئيس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي، بالانحياز الشديد للولايات المتحدة وحلفائها – على حساب الصين – والانصياع لمطالب واشنطن بعدم الاتفاق مع الصين. ويُذكر أنها كثفت من حملتها بعد أن اختارت حكومة الكاظمي في كانون الأول 2020 شركة “دايو” للهندسة والإنشاءات الكورية الجنوبية لبناء ميناء فاو الكبير.

ممر لعبور الطاقة

بعد اندلاع الحرب بين الناتو وروسيا في أوكرانيا، قررت أوروبا تقليل اعتمادها على مصادر الطاقة الروسية، خاصة الغاز الطبيعي المسال، وأصبحت قطر التي تمتلك ثالث أكبر احتياطيات غاز في العالم، الخيار الأبرز، لكن تكلفته المرتفعة بسبب مصاريف الشحن ظلت تمثل تحدياً. وعلى المدى الطويل، مع الانتهاء من بناء ميناء فاو الكبير والقناة الجافة، يمكن أن يصبح العراق طريق عبور أساسي للغاز إلى أوروبا عبر تركيا. و في حال تم اعتماد ممر العبور العراقي، سيتم تقليل مسافة الشحن بشكل كبير، وسيؤدي ذلك إلى خفض التكاليف بشكل كبير. غير أن ذلك يتطلب اتفاق البلدين على ربط الغاز القطري بخطوط الأنابيب العراقية وإنشاء محطات استقبال للغاز القطري داخل العراق.

 وبالمثل، تعتبر القناة الجافة ممراً مهماً لنقل النفط والغاز العراقي إلى أوروبا، وتشمل خطوط أنابيب من الفاو جنوبي العراق إلى الحدود التركية شمالاً ثم إلى الحدود السورية. وهكذا، تسمح القناة للعراق بإيصال نفطه وغازه إلى أوروبا، إما مباشرة عبر تركيا أو سورية، لكن وفقاً لوقائع مؤتمر ميناء فاو الكبير الذي عقد في البصرة أواخر العام الماضي، تبدو فرصة الاتصال عبر شمال سورية أكثر واقعية. ومع ذلك، لكي تستفيد أوروبا من موارد الطاقة العراقية، يجب أولاً حل المشكلات التي لا تعد ولا تحصى في المنطقة.

يرى المحللون، أن التقارب بين أربيل وبغداد سيمكن العراق من زيادة إنتاجه من الطاقة من خلال الاستثمار في أربيل العراق، وسينعكس ذلك في انخفاض أسعار النفط، لما يمتلكه شمال العراق من احتياطيات غاز مثبتة تزيد عن 25 تريليون قدم مكعب، أي ما يعادل 20 في المائة من إجمالي احتياطيات الغاز المؤكدة في العراق.

في هذه الحالة، يمكن للعراق، الذي يستورد حالياً ما بين 30 و 40 في المائة من احتياجاته من الغاز من إيران، الاستثمار في حقول غاز الشمال، وتصدير الغاز إلى أوروبا عبر القناة الجافة في تركيا.

مكانة بغداد الجيوسياسية

ربما يفسر هذا النشاط الأخير للمنسق الخاص الأمريكي للبنية التحتية العالمية وأمن الطاقة عاموس هوشستين، الذي زار بغداد في منتصف كانون الثاني الماضي للقاء رئيس الوزراء العراقي محمد السوداني، حيث تحدث هوشستين عبر الهاتف مع رئيس وزراء إقليم كردستان مسرور بارزاني، واتفقا خلالها على ضرورة إزالة جميع العقبات التي تعترض تطوير قطاع الطاقة في العراق.

في حين أن القناة الجافة وميناء الفاو الكبير، يوفران فرصاً للعراق لتعزيز موقعه الجغرافي السياسي، فإن التحديات الداخلية مثل سوء الإدارة والانقسام السياسي والتحديات الخارجية مثل المنافسة الاستثمارية بين الصين والولايات المتحدة، تشكل عقبات أمام النجاح.

وفي الوقت الذي تشكل فيه هذه المشاريع تهديداً لبعض الدول الإقليمية، فإنها تقدم فوائد لدول أخرى مثل إيران وتركيا وقطر وسورية. فقد أعربت إيران، على سبيل المثال، عن اهتمامها بربط خطوطها الحديدية بالقناة من أجل الفرص التجارية.

على الرغم من التأثير المحتمل على اقتصاد العراق وعلاقاته مع الدول الأخرى، لن يكون من السهل التغلب على التحديات