امتحان ” الاثنين الأسود “
د. مهدي دخل الله
كان الفتى الدمشقي الذي لا يتجاوز عمره أربعة عشر عاماً منهمكاً مع أقرانه في ترتيب مواد الاغاثة . كان يسهم في العمل التطوعي مع إحدى المجموعات المدنية والأهلية التابعة للأمانة السورية للتنمية . سألته مذيعة التلفزيون عن أثر الكارثة في نفسه ، أجاب تلقائياً : ” عززت لدي شعور الانتماء ” ..
أربع كلمات اختصرت الظاهرة كلها . لو كان الفتى محللاً لأتحفنا بالديباجات الطويلة المملة عن مشاعره .. إنه الإيجاز المعبر . وهل ننسى مقولات الرئيس الأسد الوجيزة في وصف الشعب السوري؟.. من بعض مقولاته : ( السوريون قادرون على تحويل المحنة إلى منحة – وعلى تحويل الأزمات إلى فرصة – وهم قادرون على استيلاد الأمل من رحم الألم ) .. وغيرها .
هي مقولات شهيرة .. والمقولة كما يقول أبن رشد ، وقبله أرسطو : ” معنى الجوهر ” ، هذا النفاد إلى الجوهر حرفة سهلة – صعبة . كان امتحان الشعب السوري قاسياً ، لكن من المعروف أنه على قدر أهل العزم تأتي العزائم . لقد عززت محنة الاثنين السوري الأسود شعور الانتماء لدى السوريين ، وأظهرت آثارها معدنه بكل ما في الكلمة من معنى . لعلنا كنا فعلاً بحاجة إلى امتحان مشاعر الانتماء لدينا وتأكيدها .
والاثنين الأسود تعبير شهير في الاقتصاد العالمي يشير إلى الانهيار المفاجئ والحاد لأكثر من 23 من أسواق الأسهم العالمية ، يوم 19/ 10/ 1987 . أما اثنين سورية الأسود فكان امتحان لقدرة هذا الشعب العظيم على التماسك والتعاضد .
نجح الشعب بامتياز في امتحان الانتماء و ” الفزعة ” و الشعور الوطني و الانساني . والنجاح مدهش بكل المعايير . لكن – دائماً هناك لكن – بعد الكارثة أمامنا امتحانات أخرى .
كيف يسقط بناء كالكرتون والبناء الذي بجانبه يبقى صامداً ؟..
هل تم استدعاء مقاولين ومهندسين للتحقيق ؟ ..
هل علينا بعد الكارثة أن نُحدِّث شبكة المعايير التي تخضع لها الأبنية ؟ ..
هل علينا أن نفكر جدياً بمسألة البناء العشوائي المتكاثر خاصة في فترة الحرب ؟
mahdidakhlala@gmail.com