مؤتمر ميونيخ يختزل قضايا الأمن العالمي بأوكرانيا
ريا خوري
كان لانعقاد مؤتمر الأمن القومي في مدينة ميونخ الألمانية أهمية خاصة هذا العام، خلافاً لما جرت عليه العادة المتبعة في مثل هذه المؤتمرات، فقد اختزل المؤتمر قضايا الأمن العالمي والأزمات والصراعات الدولية واستحقاقاتها، وبؤر الصراع المتفجرة، والعلاقات بين الشرق والغرب، ببحث تداعيات النزاعات في أوكرانيا، وسبل تقديم كل وسائل الدعم العسكرية والسياسية والمادية واللوجستية لأوكرانيا، باعتبارها البوابة الرئيسية للدفاع عن أوروبا وحماية مصالح الغرب، حسب رأي المؤتمرين.
هذا المؤتمر الدولي الذي غابت عنه روسيا، لعدم توجيه الدعوة إليها، عرض الشروط الضرورية الواجب تحقيقها من أجل ما أسماه “النصر” على روسيا عبر المزيد من الطلبات، واستعجال إرسال التعهدات الموعودة من أسلحة حديثة من طائرات وصواريخ ودبابات وغيرها، مايجعل هذا من المؤتمر مؤتمراً غربياً بامتياز لأنه يسير خاج السياق المرسوم له، أكثر من كونه مؤتمراً عالمياً لبحث كل القضايا والأزمات والصراعات الدولية.
الجدير بالذكر أنّ التزام الغرب الأوروبي _ الأمريكي بمواصلة دعم أوكرانيا عسكرياً وسياسياً ولوجستياً ليس جديداً، وربما لا يحتاج إلى مؤتمر على هذا المستوى ومن هذا النوع، ما دام أن هناك سباقاً بين الدول الغربية على إمداد أوكرانيا بالسلاح وكل ما تحتاجه، مع الحرص الشديد على عدم تزويدها بأسلحة من شأنها توسيع نطاق الحرب وامتدادها كي لا تصل إلى وسط أوروبا، أو التسبّب باستفزاز نووي يؤدي إلى كارثة خطيرة على الجميع.
ربما يكون الجديد في الأمر، هو ما قاله زيلينسكي للمؤتمر، وقبل أيام قليلة من مرور عام على العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، من أنّ أي إبطاء في إرسال الأسلحة سيكون “طوق نجاة” لبوتين، وكأن الجيش الأوكراني يحاصر العاصمة الروسية موسكو، ويطالب الرئيس الروسي بـ “الاستسلام”، وهو يعلم علم اليقين أن الغرب الأوروبي _ الأمريكي لا يصدقه حتى وهو يصفق له، فالجيش الروسي القوي الذي يتقدم ميدانياً دون عوائق في جنوب وشرق أوكرانيا، يستعد لهجوم شامل في فصل الربيع القادم، قد يقلب كل الموازين والمعادلات القائمة حالياً، بعد أن غيّر معظم تكتيكاته وخططه العسكرية، وفق ما تقوله مصادر الغرب نفسها، بينما يريد الرئيس الأوكراني زيلينسكي استعجال وصول الأسلحة الغربية إلى بلاده للقيام بهجوم استباقي، يمكنه من استعادة المناطق التي خسرها في الحرب.
لكن ما يتبادر إلى الذهن هو أنه طالما أن الرئيس الأوكراني بات يعتمد اعتماداً كلياً على أسلحة الغرب ودعمه اللوجستي لمواصلة الحرب، أين أصبحت ترسانة الأسلحة الضخمة التي كان يمتلكها الجيش الأوكراني قبل بدء الحرب بعد أن ورثها من الاتحاد السوفييتي السابق، وعزّزها على مدى عشرين؟.
بعيداً عن ظروف الميدان والعمل العسكري واستطالاته التي ستتضح في الأسابيع أو الأشهر القادمة، فمن غير المشكوك فيه أن حسابات الغرب الأوروبي _ الأمريكي تختلف عن حسابات الرئيس الأوكراني، الذي يحظى بالوقوف والتصفيق في معظم المحافل الغربية، ذلك أن الغرب الأوروبي _ الأمريكي ما يزال يصّر على حصر النزاع العسكري والسياسي داخل حدود أوكرانيا، وهو مستعد لتلبية طلبات الرئيس الأوكراني زيلينسكي بالقدر الذي لا يسمح بتوسيع دائرة الحرب أو الصدام العسكري المباشر مع روسيا.
لكن مشكلة الغرب الذي يصّر على مقاتلة روسيا بالأوكرانيين، حتى آخر رجل أوكراني تكمن في أنه ما زال يراهن على ما أطلق عليه اسم “نصر” وهمي عبر الرئيس زيلينسكي، متجاهلاً، ليس فقط كون روسيا قوة عظمى لديها من الإمكانات والقدرات ما يحبط طموحات الغرب وما يخططون له، وإنما لا يطرح أي مبادرة جادّة وعملية لتسوية الأزمة الساخنة في أوكرانيا، عبر إعادة صياغة الأمن الاستراتيجي الأوروبي باعتباره جزءاً لا يتجزأ من منظومة الأمن الاستراتيجي العالمي، يحفظ بشكل عادل مصالح جميع الأطراف المشاركة، وهذا هو الهدف الأساس الذي تجاهله مؤتمر الأمن في مدينة ميونيخ الألمانية.