قرارات متسرعة..!!
علي عبود
أثار قرار محافظة اللاذقية الذي منع إجراء أية أعمال ترميم أو تدعيم لأي بناء متضرّر من الزلزال، دون تقرير خبرة مصدّق من فرع نقابة المهندسين، سؤالاً مشروعاً بدأ بطرحه المتضرّرون من زلزال 6/ 2/ 2023: من سيتحمّل تكلفة تدعيم أبنيتنا؟
وسرعان ما تبعه قرار مماثل من محافظة حلب، وقد تصدر قرارات أخرى متسرّعة في كلّ المحافظات، بما فيها التي لم تتأثر بالزلزال. وتوحي هذه القرارات وكأنّ مسؤولية الجهات الإدارية تنحصرُ بتأمين سلامة البناء الإنشائية فقط، أي حماية المواطنين من التعرّض لمخاطر جسيمة هم أصلاً تعرّضوا لها، البعض قضى نحبه تحت الأنقاض، أو خلال تلقيه العلاج المتأخر، والبعض الآخر خسر كلّ شيء، في حين لا يزال عشرات الآلاف يعانون من حالات رعب وهلع لا يصدّقون ما حدث لهم خلال طرفة عين.. إلخ.
نعم، لم نجد مبرراً لمثل هذه القرارات المتسرّعة، لأنها توحي وكأنّ عمليات تدعيم الأبنية أو ترميمها تقع على عاتق أصحابها، بل هي تمنعهم من أي إصلاحات دون إبراز تقرير خبرة مصدّق أصولاً تحت طائلة المسؤولية الجزائية والمدنية.. فهل هكذا يتمّ التعامل مع المنكوبين والمتضررين؟!!
حسناً، بغضّ النظر عن خلفيات ومبررات القرارات المتسرّعة، لنسأل مجدداً: من سيتحمّل مسؤولية ترميم وتدعيم الأبنية المتصدّعة والمتشقّقة المتضررة من الزلزال ويغطي تكلفتها؟ والسؤال الأكثر أهمية الذي يبرز بشدة، بعد قرار محافظتي اللاذقية وحلب: هل سمحت الحكومة للمواطنين بإصلاح منازلهم المتضررة فرادى دون خطة مقرّة من لجان الإغاثة، كي تقوم أي محافظة بتحذيرهم بأن عدم التقيّد بالإجراءات القانونية لأعمال الترميم والتدعيم (يشكّل جرماً جزائياً يرقى إلى درجة الجناية الخطيرة الذي يعاقب عليها القانون بأشدّ العقوبات)؟!
لو أن الكارثة الزلزالية ضربت منطقة محدودة في محافظة واحدة فقط، لوجدنا مبررات لقرارها حول إجراءات الترميم، لكن الكارثة ضربت مناطق واسعة من سورية، ما دفع بالحكومة إلى إعلانها مناطق منكوبة، وبالتالي فأي إجراءات خاصة بإعادة إعمار وتدعيم ما دمّره وخربه الزلزال يُعدّ شأناً مركزياً، بل إن الحكومة أعلنت وأكدت أن المتضرّرين لن يتحمّلوا أي تكاليف مادية نتيجة ما لحق بمنازلهم من أضرار.
وبما أن الأمانة السورية للتنمية أعلنت أن “لجان كشف السلامة الإنشائية على المباني المتضررة جراء الزلزال مستمرة بالعمل، ويتمّ الإبلاغ يومياً عن الأضرار المتعلقة بالمنازل والمباني وفق الزيارات والكشوفات الميدانية”، فهذا يعني أن عمل اللجنة مستمر، وعندما تنتهي ستدرس الحكومة الإجراءات التالية الخاصة بالمباني المتضرّرة، سواء بإعادة بنائها وفق الصيغ المناسبة، أو بتدعيم المتصدّع والمتشقّق منها، وقد تتخذ الحكومة قراراً جريئاً يقضي بهدم كلّ الأبنية في مناطق الزلزال، وتشييد ضواحٍ جديدة مبانيها مقاومة للزلازل الشديدة، وخاصة بعد دخول المنطقة في دورة الخطر الزلزالي.
ولسنا مع توجيه الأهالي لـ “العودة إلى منازلهم إن كانت سليمة، أو الخروج منها في حال كانت تشكل خطراً على حياتهم”، فالهزات الارتدادية التي لن تتوقف، حسب مراكز الرصد الزلزالي، ستزيد من احتمالية تعرّض المباني لأضرار ليست بالحسبان، وبالتالي فإنه من الأفضل والأجدى والأضمن للمستقبل إعادة بناء المناطق المنكوبة لتكون ضواحي سكنية جديدة، وليس بترميم وتدعيم المتصدّع منها فقط.
الخلاصة: استنفرت الحكومة منذ اللحظات الأولى للزلزال لتنظيم أعمال الإغاثة، وأحدثت غرف عمليات في كلّ محافظة مرتبطة بغرفة عمليات مركزية، إضافة إلى اللجنة العليا للإغاثة لتأمين ما يمكن تأمينه للمتضررين، وبالتالي هي وليست المحافظات من سيتخذ القرار المناسب الخاص بأعمال الترميم والتدعيم للأبنية التي توحي بأنها سليمة، أو هدمها لتشييد ضواحٍ سكنية جديدة مبانيها مقاومة للزلازل، وهو الخيار الأفضل والأسلم والأكثر أماناً لعشرات الآلاف من المنكوبين.