أزلام تجارة.. لا رجال مال حقيقيين!!
علي بلال قاسم
لطالما تعرض نصف التجار – هذا إن لم يكن أكثر – لتهم مباشرة مفادها الاحتكار والغش والتدليس والربح الفاحش، ليوصفوا بالجشعين الذين لا يعنيهم ما يحدث في البلد إلا ما يتفق مع مصالحهم.
وإذا كانت وزارة التجارة وحماية المستهلك دائماً في موقف المتفرج الصامت، أو المتوعد من موقع الحزم والحسم بالمحاسبة القانونية الشديدة، فإن المشهد المكرور يذكرنا بوزير سابق لم يكن يتوانى عن التهديد والوعيد، في وقت يعتبر الجميع أن المشكلة عند المسؤولين والتجار أخلاقية بحتة تقوم على حب المال وتكديس الثروة والكسب السريع بأي طريق.
واليوم، مع قرب شهر رمضان، تجد “الأسرة التموينية” – كما يحبذ البعض تسميتها رغم إلغاء هذا التوصيف – نفسها في موضع المتهم عند المستهلك وكذلك التاجر. ولهذا يرى الكثيرون أن الأولى هو إرضاء الطرفين بحيث “لا يموت الذئب ولا يموت.. “، في إشارة إلى أن المستهلكين الذين تجرهم قلة الحيلة الشرائية إلى الوراء، في ميدان تسيطر عليه على الأقل فئة ذئاب التجار المتمردين، فهل تستطيع الحكومة أن تمسك العصا من المنتصف لكسب شارع المواطن الطويل ووزن التاجر الثقيل؟
هو سؤال لا يمكن أن يغفل حاجة الحكومة للتجار في زمن كالذي نحن فيه، حيث لا تستوعب عقلية التاجر من التجارة سوى الاستيراد الذي يتسابق رجال الأعمال لإنجاز أرقام متعاظمة وكبيرة منه، في كل القطاعات والمواد، لدرجة إغراق السوق بما هب ودب، وأكثر ما تتجلى هذه المفارقة في التوجهات التي يطفو عليها الطابع السياسي، فما إن تتحرك المكنة الدبلوماسية نحو قطب أو تكتل سياسي اقتصادي عالمي حتى تتسارع الرساميل لعقد صفقات استيراد دون أن نلمس من يتحرك عكس التيار في سياق التصدير المتوازن لا العشوائي الذي يضرب سلعة السوق الداخلي، كما يحصل بحكم العادة.
وفي عز التأزم الاقتصادي وشح القدرة الشرائية عند مواطن يتخبط بدخله المحدود ورأسه الحائر، تخرج التحذيرات من خطورة ما يشهده الواقع من ارتدادات تسجلها حركية الأموال وتدفقها بأيدي جديدة، في ضوء سيطرة التضخم وارتفاع الأسعار على المشهد الاقتصادي، والذي لم يقضم جزءا كبيرا من القدرة الشرائية للنقود وحسب، بل أدى إلى إعادة توزيع الدخل والثروة لصالح أصحاب الأصول الثابتة والعقارات والأغنياء والأقوياء والمضاربين والمحتكرين وتجار وأمراء الأزمات، عدا عن حدوث اختلالات مترابطة التأثير اقتصادية حقيقية ومالية عامة، وفي عروض النقد وتشويه استخدام النقود من خلال انخفاض سعر الفائدة الحقيقية في وقت تتعرض الحصيلة الضريبية للهشاشة.
بالنهاية، تظهر تطورات الواقع إفرازات كارثية استفحلت في جوانب وكانت عادية في جوانب أخرى، إلا أن الكل متفق على خطورة ما يحصل من ثروات تتجمع وتتكدس في وقت ينتظر آخرون، على جوع، الراتب الضعيف جداً، أو تسريبات ووعود بزيادات على الراتب قد لا تغني ولا تسمن في زمن استفحال الغلاء على يدي أزلام التجارة، لا رجال المال الحقيقيين.. وهؤلاء باتوا من الماضي لا أكثر؟