هل يطمح ماكرون لاسترضاء نتنياهو؟
هيفاء علي
جدّدت حكومة بنيامين نتنياهو رفضها إقامة دولة فلسطينية، وكثّفت سياسة الاستيطان التي يعتبرها القانون الدولي جريمة حرب، كما اتخذت إجراءات لإذلال الأسرى الفلسطينيين كالحد من وقت الاستحمام، والحق في الطهي، إلخ. كذلك، غيّرت هذه الحكومة الوضع الراهن النسبي، الذي ساد في الضفة الغربية منذ عام 1967، من خلال نقل السلطة من إدارة عسكرية إلى إدارة مدنية. ونظراً لعدم وجود أي نية لمنح ملايين الفلسطينيين الذين يعيشون في الضفة الغربية حقوقاً مدنية، فالنتيجة هي إضفاء الطابع الرسمي على نظام فصل عنصري حقيقي.
في ليلة السادس والعشرين من شباط الماضي، أضرم عشرات المستوطنين النار في قرية حوارة قرب نابلس، وقاموا بعدة اعتداءات، وأصابوا عشرات السكان، وقد توفّي أحدهم، اذ يتحكّم جيش الاحتلال والأجهزة الأمنية في كل شبر من الضفة الغربية، وفي أي تحرّك – إن كان على الأقدام أو بالدراجة أو بالسيارة – من خلال تقنيات تكنولوجية متطورة، وقام الجيش الإسرائيلي بحماية المستوطنين الهجوم، وفي نهاية المطاف، بإجلاء الفلسطينيين، لكن ميليشيات المستوطنين استمرّت في دورياتها بحرية مطلقة خلال الأيام التالية، في هذه القرية التي حرض أحد المسؤولين على هدمها.
إن هذه الأحداث التي يمكن وصفها بأنه هجوم أو مذبحة موجّهة ضد مجموعة عرقية أو دينية، تنبئ بإمكانية حدوث مذابح جديدة، مثل مجزرة صبرا وشاتيلا في أيلول 1982، عندما استشهد مئات الفلسطينيين بنيران ورعاية جيش الاحتلال الإسرائيلي.
وبحسب الصحفي الفرنسي آلان غريش، الذي تساءل عما يتطلّبه الأمر حتى تردّ الحكومة الفرنسية وتعيد النظر في مراعاتها أو بالأحرى في تواطئها مع ” إسرائيل”؟ الأمر أكبر بكثير من مجرّد بيان توقعه فرنسا وبعض الدول الأوروبية، فسياسة رئيس الدولة الحالي ليست سوى تواصل لسياسة سلفه فرانسوا هولاند، والذي كان يأسف – في حضرة نتنياهو – لعدم قدرته على الإشادة بكلّ “حبه لإسرائيل وقادتها”.
وبحسب غريش، فإن ماكرون هو الرئيس الغربي الوحيد الذي استقبل نتنياهو بعد انتخابه، ووفق البيان الذي صدر، فقد عبّر الرجلان على “رغبتهما في تعميق الشراكة الاستراتيجية، وتعزيز العلاقات الثنائية في جميع المجالات. وجدّد ماكرون التزام فرنسا الراسخ بأمن إسرائيل”. فهل يطمح ماكرون لاسترضاء نتنياهو؟ الأرجح أن الرئيس الفرنسي لا يسعى أبداً إلى التأثير لا على نتنياهو، ولا على السياسة الإسرائيلية، فهذا يتطلّب تبنّي عقوبات من أجل تطبيق القانون الدولي، وهو ما تفعله فرنسا من أجل وضع حدّ للعملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، لكنها ترفض القيام به من أجل إيقاف الاحتلال الذي يتواصل في فلسطين منذ أكثر من نصف قرن، بل يصل اصطفاف الحكومة الفرنسية ودناءتها، وهي التي لا تتردد في كل مناسبة في الإشادة بـ “القيم المشتركة” التي تربطها بإسرائيل، إلى حد ملاحقة المحامي الفلسطيني الفرنسي اللاجئ في فرنسا صلاح حموري، محاولة منعه من التعبير.
ليس هذا فحسب، بل يمضي ماكرون أبعد من سلفه في تبنّي الخطاب الإسرائيلي، ومحاولات تكميم الأفواه المدافعة عن فلسطين، فقد كان الرئيس الفرنسي الأول الذي جعل من معاداة الصهيونية مرادفاً لمعاداة السامية، كما أيّد تعريف معاداة السامية الذي قدّمه التحالف الدولي لإحياء ما يسمى “ذكرى الهولوكوست”، والذي يهدف في الواقع إلى حماية “إسرائيل” من أي نقد، وقد تم الطعن فيه من قبل كل من نقابة المحامين الأمريكية، وجمعية “نداء القدس”.
كذلك، واصل ماكرون تجريم حركة مقاطعة “إسرائيل”، وسحب الاستثمارات منها، وفرض العقوبات عليها، وأعطى تعليماته لوزير العدل بإصدار منشور للتحايل على قرار المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان الذي أكّد شرعية حركة المقاطعة، فأين هي دولة القانون؟ أخيراً وليس آخراً، ندّد الرئيس الفرنسي بتقرير منظمة العفو الدولية حول الفصل العنصري في فلسطين المحتلة، وهكذا جعل من كفاح معاداة السامية سلاح حرب، ليس للدفاع عن اليهود، بل لتجريم التضامن مع فلسطين.
في هذا السياق، ما الذي يمكن لفرنسا فعله؟ في حزيران 1967، وبالرغم من حملة صحفية ضخمة لصالح “إسرائيل”، ندّد الرئيس شارل ديغول بالاعتداء الإسرائيلي، وقد لخّص خلال ندوة صحفية شهيرة في السابع والعشرين من تشرين الثاني 1967 جوهر الصراع قائلاً: “لقد باتت إسرائيل تنظّم على الأراضي التي سيطرت عليها احتلالاً سيكون حتماً مصحوباً بالاضطهاد والقمع والتهجير. وباتت هناك مقاومة تصنفّها إسرائيل بدورها على أنها إرهابية”. لقد حدّد ديغول توجّهاً ألزم كلّ خلفائه. طبعاً، تغيّر الزمن، ولكن للأسوأ، فالقمع يتصاعد، وكذلك المقاومة التي يواصل البعض وصفها بـ “الإرهاب”، فماذا يتطلّب الأمر بعد لدفع إيمانويل ماكرون إلى التحرّك؟