مجلة البعث الأسبوعية

اتفاق إيران – السعودية التاريخي .. انتصار للحوار وللسلام

البعث الأسبوعية- هيفاء علي

بفضل وساطة الصين، تم التوصل إلى اتفاق تاريخي في بكين في 10 آذار الجاري بين إيران والسعودية، وافق بموجبه البلدان على استئناف العلاقات الدبلوماسية، وإعادة فتح السفارات والبعثات في غضون شهرين، بعد سنوات من التوتر.

وجاء توقيع الاتفاق التاريخي في وقت شديد الحساسية، حيث يسود التوتر والفوضى والصراعات في منطقة الشرق الأوسط، والمناطق الأخرى في العالم، وبالتالي هو تقدم مذهل تم إحرازه بفضل وساطة الصين بعد سنوات من التوترات الشديدة بين الخصمين الإقليميين، كما يعد دفعة لجهود بكين للتنافس مع الولايات المتحدة كوسيط على المسرح الدولي.

وبحسب البيان المشترك الصادر عن طهران والرياض وبكين، فإن المحادثات جرت بسبب “رغبة مشتركة في حل الخلافات بينهما من خلال الحوار والدبلوماسية، وفي ضوء العلاقات الأخوية التي تجمع بين البلدين”. وجاء في البيان أن الاتفاق يأتي بعد مفاوضات مكثفة بين علي شمخاني مستشار المرشد الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي، ووزير الدولة السعودي مسعد بن محمد العيبان.

وفي سياق هذا الاتفاق، مثّل نجاح الصين بتقديم نفسها كضامن دولي لهذا الاتفاق، نقلةً نوعيةً في تعاطيها مع أزمات الشرق الأوسط، بل ويمكن أن يشكل نجاحها في رعاية الاتفاق السعودي الإيراني، مقدمةً لانغماس صيني أكبر في شؤون المنطقة، خصوصاً أن هناك العديد من الأزمات التي يمكن للصين أن تمارس دوراً حاسماً فيها.

أما الولايات المتحدة، فعلى الرغم من ترحيبها بالاتفاق، فإنها تنظر بخشية كبيرة للدور الذي تلعبه الصين في سياق العلاقات السعودية الإيرانية، بل وإمكانية أن يشكل هذا الدور عنصر جذب لدول أخرى للتعويل على الدور الصيني في حل أزماتها.

ولعل النقطة الأبرز في الاتفاق الذي تم التوصل إليه بين طهران والرياض هي أنه حدد فترة زمنية أمدها شهرين قبل استئناف العلاقات الدبلوماسية، ومن ثم فإن هذا يؤشر إلى أن هذا الاتفاق لم يكن نهائياً، بل يمكن وصفه بأنه اتفاق إعلان نوايا قبل تفعيل هذه العلاقات، فالرياض من جانبها بحاجة لاختبار السلوك الإيراني في هذه الفترة، وتحديداً على مستوى أدوارها في المنطقة، كما أن طهران بحاجة لتلمس نوايا سعودية حقيقية بعدم الانخراط بأي جهد إقليمي ودولي ضدها، ولعل هذا ما كان واضحاً في إصرار إيران على تفعيل مذكرة التفاهم الأمني الموقعة مع السعودية عام 2001، على هامش الاتفاق الأخير في بكين.

الرابحون والخاسرون

الفائزون هم إيران، التي ستكون الآن أكثر قدرة على التغلب على جدار العقوبات الذي أقامته الولايات المتحدة حولها، والسعودية، والتي من المحتمل أن تكون قادرة على إنهاء حربها الكارثية والمكلفة في اليمن، وأيضاً الصين التي تفوقت على وزارة الخارجية الأمريكية في تحقيق هذه النتيجة، ومن ثم هناك العراق وسورية واليمن، والتي سيعمهم السلام أخيراً بعد تعرضها لحروب شرسة دمرت الحجر والبشر.

أما الخاسرون فهم، “إسرائيل”، لأن فرص محاولاتها لجر الولايات المتحدة إلى الحرب مع إيران قد تضاءلت الآن، والتحالف الذي كانت تأمل إقامته مع السعوديين لن يرى النور. ثم هناك الولايات المتحدة، لأنه تم التفوق عليها فيما تعتبره “أرضها” التقليدية في الشرق الأوسط، وهناك أيضاً الصقور المعادون لإيران أينما كانوا.

بكل الأحوال فإن قبول إيران والسعودية لوساطة الصين هو اعتراف بمكانة بكين الجديدة في السياسة العالمية، وهذا السبب وحده كافٍ لكي يكره البيت الأبيض الصفقة.

وبقدر ما كان الإعلان عن استعادة العلاقات الدبلوماسية بين السعودية وإيران مفاجئاً، بقدر ما توقف الكثير من المحللين عند نقطة معينة، ألا وهي رعاية الصين لهذا الاتفاق التاريخي الذي أنهى سبعة أعوام من القطيعة في خطوة قد تنطوي على تغييرات إقليمية دبلوماسية كبرى. وقد أفردت الكثير من الصحف الأمريكية مساحات لهذه الجزئية وما تحمله من دلالات، في مقدمتها تعاظم الدور الصيني اقتصادياً وسياسياً في الشرق الأوسط، على حساب ضعف النفوذ الأمريكي في تلك المنطقة، حسبما رأت صحيفة “نيويورك تايمز”. ففي بيان الإعلان عن هذا الاتفاق، أبرزت السعودية الدور الكبير الذي اضطلعت به الصين، وبمبادرة من الرئيس شي جين بينغ “لتطوير علاقات حسن الجوار”، واستضافة بلاده مباحثات بين الطرفين خلال الفترة من (6 -10 آذار) برئاسة مساعد بن محمد العيبان مستشار الأمن الوطني في المملكة، وعلى شمخاني أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني.

كما ركزت صحيفة “واشنطن بوست” على دور الوساطة الذي قامت به  بكين بالنسبة للاتفاق الذي تضمن الموافقة على استئناف العلاقات الدبلوماسية بين الرياض وطهران، وإعادة فتح سفارتيهما وممثلياتهما خلال مدة أقصاها شهران، وكذلك التأكيد على احترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، فضلاً عن الاتفاق على عقد لقاء بين وزيري خارجية البلدين قريباً لتفعيل ذلك وترتيب تبادل السفراء ومناقشة سبل تعزيز العلاقات بينهما، كما نص الاتفاق على تفعيل اتفاقية التعاون الأمني الموقعة بينهما عام 2001، وكذلك اتفاقية اقتصادية موقعة عام 1998 .

ووصفت الصحيفة هذا التطور بأنه اختراق كبير لتنافس مرير لطالما قسم الشرق الأوسط، ولفتت إلى فشل محاولات إدارة الرئيس باراك أوباما إصلاح العلاقات بين السعودية وإيران، الذي كان يرى أن الصراع بينهما يمثل “مصدراً للتوتر في منطقة الشرق الأوسط”.

ورأت الصحيفة أن التركيز على الدور الذي قامت به الصين في هذا الاتفاق ربما يستهدف توجيه رسالة للقوى العظمى، ومن بينها الولايات المتحدة، مفادها أن محور الشرق الأوسط يتغير، حسبما ذكرت ماريا لويزا فانتابي، المستشارة الخاصة لشؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مركز الحوار الإنساني بجنيف. واستشهدت الصحيفة بوصف إدارة الرئيس جو بايدن لتعاظم دور الصين بأنه “أكبر تحد جيوسياسي للقرن الـ 21”. فيما اعتبرت كاميل لونس، الباحثة في مكتب الشرق الأوسط بالمعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية، أن دور الصين “مفاجئ جداً حتى للمحللين الصينيين”.

وأضافت أنه لطالما تفادت بكين التدخل سياسياً في الشرق الأوسط، مع التركيز بدلاً من ذلك على العلاقات الاقتصادية، مشيرةً إلى أن الاتفاق يبعث برسالة رمزية “قوية جداً” نظراً لتوقيعها قبل أيام فقط من الذكرى العشرين للغزو الأمريكي للعراق. ومن جانبها، قالت كريستين سميث ديوان من معهد دول الخليج العربية بواشطن إن الصين حلت حقاً كـ “لاعب استراتيجي في الخليج”.

وفي سياق متصل، ركزت صحيفة “نيويورك تايمز” على ما أعلنه كبير الدبلوماسيين الصينيين وانغ يي في بيان على موقع وزارة الخارجية الصينية تعقيباً على الاتفاق، وتأكيده أن بكين قامت بدور رئيسي في استئناف العلاقات بين الرياض وطهران. ووصف الدبلوماسي الصيني البارز هذا التطور بأنه “انتصار للحوار، انتصار للسلام، وخبر إيجابي كبير للعالم المضطرب بشدة حالياً، ويرسل إشارة واضحة”

وبعيداً عن حسابات الصين والولايات المتحدة ومصالحهما، يرى مراقبون أن الاتفاق السعودي الإيراني ربما يضع نهاية لسنوات من الخلافات بين قوتين لهما ثقلهما في المنطقة، الأمر الذي قد يخمد نار صراعات لم تعد دول الإقليم تتحمل تبعاتها في ظل أزمة اقتصادية غير مسبوقة، وذلك ما لم يكن لقوى عظمى أخرى رأي مغاير للمنطقة.