ماذا ستفعل البلديات بأكواد الزلازل؟
علي عبود
تراهن الكثير من البلديات على عامل الزمن للتحلل من تقيدها بالاشتراطات الهندسية عند منح تراخيص البناء، أو ما يعرف بأكواد الزلازل!
نعم، ليس سهلا على غالبية دوائر الخدمات التي يسميها المواطن البلديات، أن تلتزم بأنظمة البناء النافذة، فهي على مرّ العقود الماضية المسؤول المباشر عن انتشار مناطق المخالفات في طول البلاد وعرضها، ولم تستثن حتى الريف من زرع المخالفات كلما استطاعت إلى ذلك سبيلا، وخاصة في القرى والبلدات القريبة من مراكز المدن كريف دمشق!!
والكل سأل بعد زلزال 6/ 2/ 2023 باستثناء البلديات: ماذا بعد الكارثة؟
والسؤال في منتهى الأهمية لأنه يلقي على عدد من الوزارات والجهات الحكومية بالإضافة إلى نقابات المهندسين والمقاولين وشركات التطوير العقاري مسؤولية تشييد أبنية مقاومة للزلازل وفق الاشتراطات الهندسية بعد تطويرها وتحديثها.
باستثناء المنكوبين الذين لن يتخلصوا في الأمد المنظور من كوابيس ومشاهد الرعب، وهم يرون الأرض تزلزل زلزالها، وتدمر منازلهم في طرفة عين، وتشردهم في مراكز إيواء لا يعرفون إلى متى سيبقون فيها، فإن آلاف الطامحين إلى تشييد أبنية جديدة سواء للسكن أم للتجارة، وخاصة في المحافظات التي لم تتعرض للكارثة، لن يتوقفوا عن تشييد منازل بكلف رخيصة، أو بالحصول على رخص لإنجاز طوابق إضافية أو فعلها بقوة النفوذ والأمر الواقع، وكل هذا لن يحصل إلا بتشجيع غير معلن من البلديات.
نعم، السؤال المهم جدا هو: ماذا ستفعل البلديات بالاشتراطات الهندسية أو أكواد الزلازل؟
في حال تركت الحكومة، من خلال وزارة الأشغال، الأمر للبلديات دون مراقبة صارمة عبر آليات فعالة ومحاسبة فورية، فإن انتشار المخالفات في أعمال تشييد الأبنية بما فيها استخدام النحاتة بديلا عن الإسمنت لن يتوقف. وقطعا رهان البلديات والمقاولين غير المصنَّفين وتجار البناء سيكون على أن الكارثة مرّت ولن تتكرر قبل قرن من الزمن، وبالتالي لا داعي للتقيد الإلزامي بأكواد الزلازل!!!
من المهم أن تعتمد الشركة العامة للدراسات الهندسية الاشتراطات الهندسية الواردة في الكود العربي السوري، وخاصة الملحق الخاص بتحقيق الاشتراطات الزلزالية، باستخدام أحدث طرق البرمجيات التي تمكّن من إدخال تأثير القوى الأفقية الناجمة عن الهزات الزلزالية، والتي تؤثر في البناء المدروس، كي يتم تشييد بناء مقاوم للزلازل.. ولكن من سيلتزم بهذا النوع من الدراسات؟
باستثناء الشركات العامة الإنشائية، وبعض شركات البناء الخاصة، فإن ما من جهة تعمل في البناء ستلتزم بأكواد الزلازل التي تمنع حالات الانهيارات الكاملة للأبنية، وخاصة أن لديها خبرة طويلة بانتزاع رخص من البلديات، وتنفيذها تحت إشراف أو رقابة شكلية، بدليل انهيار الكثير من الأبنية في السنوات الماضية دون زلازل!!
وقد تبيّن للفرق الهندسية أن الأبنية المنهارة تتوزع على عدة أنواع:
الأول أبنية قديمة لم يتم إنشاؤها وفق متطلبات كود الزلازل الذي تم اعتماده بعد إنشاء هذه الأبنية إضافة لعمرها الذي أدى لضعف مواد الإنشاء، مع الأخذ بالحسبان تأثير الظروف المناخية ورطوبة المنطقة الساحلية بشكل خاص.
الثاني أبنية حديثة منهارة بالكامل وهذا الأمر يستدعي البحث في أسباب هذا الانهيار.
الثالث أبنية حديثة انهار فيها بعض العناصر الإنشائية وبقي البناء على درجة من السلامة تسمح بإخلائه.
ونرى أن هذه الرصد الهندسي الميداني في مناطق الكارثة سيبقى بلا نتائج فعالة، إن لم يتم تحديد الجهات التي استهانت وتهاونت، بل وشجعت، على تشييد مناطق سكنية مخالفة للحد الأدنى من الاشتراطات الهندسية الموضوعة منذ عام 1996.
أكثر من ذلك، إن العمل بشعار (عفى الله عما مضى)، دون محاسبة، يعني الاستهانة بضحايا الزلزال الذين خسروا كل شيء من جهة، وتشجيع لكل المشاركين مباشرة بتشييد أبنية لا تتوفر فيها الاشتراطات الهندسية على تكراراها وفعلها مجددا في القادم من الأشهر والسنوات من جهة أخرى، وهذا الأمر لا يجوز أن يستمر مهما كانت التكاليف المادية.
الخلاصة: لقد آن الآوان لتنسيق مباشر بين وزارتي الأشغال والإدارة المحلية ونقابة المهندسين لتنفيذ آليات فعالة تتيح إلزام البلديات ومجالس المحافظات التقيد الحرفي بأكواد الزلازل، بل وتحميل المحافظين مسؤولية أي تقصير بتنفيذها أو بتشييد أي أبنية غير مقاومة للزلازل.