ثقافةصحيفة البعث

فائق عرقسوسي.. رحيل بعد معاناة

أمينة عباس

رحل الفنان فائق عرقسوسي بعد معاناة مع مرض السرطان، وبرحيله يفقد الوسط الفني أحد رموزه وهو الذي درس المسرح والفن أكاديمياً في المعهد العالي للفنون المسرحية في القاهرة في سبعينيات القرن المنصرم، وكان قد شارك هناك في بعض الأعمال الدرامية، فوقف أمام الفنانين سناء جميل وعزت العلايلي، وحين طالبه المعنيون هناك ببقائه في مصر رفض مفضّلاً العودة إلى سورية التي فيها انطلقت تجربته الفنية كمعظم أبناء هذا الجيل من خلال فن المسرح الذي راهن عليه.

وعندما كان عرقسوسي يدرس في القاهرة تنبأ له الكثيرون أن يعمل في الإخراج، في حين أنه كان عاشقاً للتمثيل، أما الإخراج فكان وسيلته التي يلجأ إليها بهدف تقديم رؤى فنية معينة لأفكار أراد أن يعبّر عنها، وفي دمشق أخرج عدة أعمال مسرحية مثل “الليلة الثانية في الألفية الثانية” ومونودراما “ومضة” التي قدمها بعيداً عن الأساليب النمطية التي تُقَدَّم عادة في المونودراما، محاولاً البحث عن عوالم تخص الشخصية دون أي تماس مع جمهور المسرح كما كان سائداً، فكانت تجربة خاصة ومتفردة. كما شارك كممثل في عدة أعمال مسرحية مثل “حلم ليلة صيف” للمخرج سمير صروي والتي قُدّمت على مسرح معرض دمشق الدولي، وفي مسرحية “صمت الكلام” لنادي المسرح القومي. وفي المسرح القومي شارك في مسرحية “توباز” إخراج يوسف حنا ومسرحية “معطف غوغول” إخراج سلمان صيموعة، وغيرهما، في حين كانت مسرحية “الثرثرة الأخيرة للماغوط” آخر عمل له كمخرج، وقُدّمت عام 2013 في مدينة اللاذقية، وقال حينها أن العمل “يقدّم إضاءة على فكر الكاتب محمد الماغوط وفلسفته التي يمكن القول إنها انعكاس شفاف للوضع الراهن، فالعرض مبنيّ على فرضية حضور الماغوط في هذا الزمن ليصير أحد شخوص العالم الراهن بروحه ورؤيته الخاصة، إذ ينظر ويحاكم ويفضح ويكشف ويتألم ويحزن، مقدماً عبر هذا كله آراءه وفكره الخاص بما يشابه فلسفته المعروفة عبر كتاباته الإبداعية”. وقد استثمر فائق عرقسوسي كمخرج العناصر الإخراجية بما ينسجم والمستوى النفسي للماغوط في ذكرياته وأفكاره وأحلامه والشخوص التي عبرت في حياته، خاصة زوجة الماغوط الأديبة سنية صالح.

 المسرح حالة تصوف

كان المسرح بالنسبة لفائق عرقسوسي لعبة عشاق كما قال في حوار له مع “البعث” عام 2019، والإبحار فيه يحتاج إلى حالة أمن إنساني عالٍ، آسفاً لأن حياتنا القائمة على التقلبات وصغر العالم والخيارات غير الواضحة غيّرت وضع المسرح، موضحاً أنه ميّال للصورة في المسرح بعناصرها المتعددة لأن الكلمة خداعة، قد تقال وتُفهم بشكل من الأشكال.. من هنا كان يرى أن الاهتمام بالصورة والسينوغرافيا في المسرح يخلق انطباعاً يترسخ أكثر، مبيناً أنه عاشق للمسرح، وأنّ متعته كانت في العمل فيه. وكان يؤمن أن المسرح هو ارتقاء وثقافة وليس حالة غواية أو عشق مؤقت، بل حالة تصوّف: “يكفيني أن أبحر ويلتحق في ركب الرحلة بعض الناس الذين لم يعتادوا السباحة لأقول إنني فعلت شيئاً”.

 ملعب مهم للممثل

بعد عودة فائق عرقسوسي من مصر، شارك في فيلم “وقائع العام المقبل” للمخرج سمير ذكرى، وبعدها بسنوات شارك في فيلم “الكفرون” مع دريد لحام، ومن يومها غاب عن السينما لأسباب عديدة ومختلفة، وحين كان يتوقف عند بعض الأعمال السينمائية التي شاهدها كان يرى أنه ومنذ أن شاهد فيلم “صديقي الأخير” للمخرج جود سعيد شعر بنوع من الاطمئنان على الحركة السينمائية السورية، كون سعيد من الجيل الجديد الذي استطاع تكوين شخصية خاصة به. وكان الفيلم، برأي عرقسوسي، جميلاً وشفافاً، وكذلك فيلم “ردّ القضاء” للمخرج نجدت إسماعيل أنزور الذي رصد فيه مرحلة مهمة من المراحل التي مرت بها سورية، وكان الراحل يشير دائماً إلى أن انشغالاته جعلته يبتعد عن السينما التي يعشقها لأنها ملعب مهم للممثل، وهي بمثابة كتاب يُقرأ وقادر على تكوين ثقافة كبيرة، بعكس التلفزيون الذي يميل لما هو سائد ومطلوب ومستهلَك، وكان يأسف لأن دُور السينما في سورية تتناقص أعدادها بدلاً من زيادتها.

نزار قبّاني

جسّد الراحل في مسلسل “نزار قبّاني” شخصية حسني الزعيم، وكل من تابع المسلسل لم ينسَها رغم محدودية تواجدها في المسلسل، لذلك كان عرقسوسي يرى أن أهمية الدور الذي يلعبه الممثل لا تكمن بالمساحة الكبيرة التي يحتلها وإنما بمقدار الأثر الذي تتركه في الأحداث وعلى المشاهدين، منوهاً إلى أهمية أن يتمتع الممثل بالثقافة إلى جانب الدراسة الأكاديمية لأنّ الثقافة العامة والخبرة والاحتكاك مع الناس تمنح الفنان أشكالاً حيّة للأداء وطرقاً جديدة للاكتشاف، وكان يؤمنأن أي عمل فني بغضّ النظر عن نوعيته وطبيعته سيُكتب له النجاح إن توفر له كادرٌ تمثيلي مميز وفريق متكامل في الإنتاج والإخراج والكتابة، وعوامل أخرى.

 الترويج ليس من أولوياتنا

عمل فائق عرقسوسي في الدراما المدبلجة لمرّة واحدة (مسلسل وادي الذئاب)، لكنه لم يكرر التجربة لأنه وجد أنه ليس فيها روح الإبداع، حيث يقوم الممثل بتقمص روح الشخص الذي يلعب شخصيته وطريقة انفعالاته في العمل، وكان الراحل يردد دائماً أننا لا نعرف كيف نروّج لأعمالنا، والترويج ليس من أولوياتنا، مع أنه وسيلة غاية في الأهمية لتحريض الجمهور على المتابعة، كما أن فنوننا تفتقد للخط والرؤى والأهداف الواضحة حسب فوله.

وعن قلة عدد أعماله نسبياً، كان يبين أنه يبحث عن شخصيات لم يسبق أن قدمها في الدراما، شخصيات تنقله إلى عوالم لم يسبق له العمل فيها، وتبدو الخيارات أمامه قليلة في هذا الاتّجاه.

ولِد الفنان الراحل في حي الشاغور بدمشق عام 1954، وشدَّه الفن وهو في عمر الـ 11 من خلال الأنشطة المسرحية المدرسية.