أرصفة الكتاب تجذب الشباب
حلب- غالية خوجة
اشتهرت حلب بمكتبات الأرصفة كما دمشق وشوارعها وساحاتها، مثل المزة، وجسر الرئيس، وجسر فيكتوريا، والمنطقة المحيطة بمقهى الهافانا، وهو ما اشتهرت به بقية المدن العربية ومنها بغداد وشارعها المتنبي.
وتحظى هذه المكتبات بحضور فريد يزيّن الشوارع والساحات لأن الكتب وأينما تكون تضيف للمشهد الحياة، كما تضيف للتوثيق المدوّن العديد من الصحف والمجلات والدوريات والكتب القديمة جداً، ومنها ما غاب لأسباب مادية، أو لأسباب الغزو التكنولوجي الافتراضي، لتكون ثروة لا يعرف قيمتها سوى المهتمين.
وللمستذكرين أن يمضوا إلى شاشات ذاكراتهم ليشاهدوا مكتبات الأرصفة ومنها التي كانت منتشرة في ساحة سعد الله الجابري، ساحة الجامعة، الجميلية، سور الحديقة العامة، شارع بارون، شارع فيصل، ولهم أن يكتشفوا أن بعض المكتبات تعود بعد الحرب والزلزال إلى الأرصفة، لتضيف جمالياتها إلى الأمكنة المزدانة بعرائش الياسمين الأصفر والأبيض والأزهار والورود وبعض الأشجار المثمرة، إضافة إلى حيوية الناس وحركة السيارات وأصوات الأطفال والباعة، والحركة المشهدية العامة في الانهماك بالمتطلبات اليومية والظروف الصعبة للحياة، مما يجعل البعض يظنّ أن غالبية أهل حلب لا تقرأ حالياً، لكن الظنّ يخيب مع المشهد الجمالي للكتب المعروضة على الرصيف والسور.
معرفة ونقد ولغات وحرف تراثية
وللعابر قريباً من مشفى الرازي متجهاً إلى السبيل أن يرى كيف تلمحه الكتب وتناديه بهدوئها الجميل، فيقترب منها متفحصاً عناوينها المتنوعة وفي كافة المجالات، العلمية والأدبية والتأريخية والفلسفية والسيرية، ويقلّب عدداً عن الوراثة من مجلة المعرفة، أو كتاباً نقدياً، أو قصصاً بالإنكليزية والفرنسية، أو كتباً تعلّم اللغات العالمية، أو روايات وقصصاً للأطفال، أو مجلة تُعنى بالموضة والأشغال اليدوية والحرف التراثية، تلك التي كانت بيد السيدة أم ملك وهي تقلّبها وتحدّق في الأعمال بشغف، وهي تقول لي: هوايتي أن أتعلّم الجديد وأضيفه لأشغالي اليدوية من ملابس وإكسسوارات وأثاث، وأبحث عن الكتب والمجلات الخاصة بها، إضافة للقراءة كهواية أيضاً.
المجاهدة بالنفس من أجل القراءة
وبينما أتفحص المزيد من العناوين، وصل فتيان إلى رصيف الكتب مسرعين، وبحثا بعينيهما عن عناوين في عقليهما، ثم، تناول كلّ منهما كتاباً يقلبه، فأثارا فضولي، وبدأت معهما بسؤال عن سرّ هذه اللهفة للقراءة، خاصة وأننا في شهر الصيام؟.
فأجابني: اسمي نور الدين ميري طالب في الصف العاشر، أحب القراءة، وأينما أجد كتباً، أقف فوراً، ولا أعرف سبب جاذبيتها، فأختار عناوين تهمني وأقرأها وأضمها إلى مكتبتنا المنزلية الزاخرة بكتب كثيرة في مختلف المجالات من العلوم والمعارف والقصص والسيرة والفقه والدين، وطبعاً، نقرأ في كلّ الأيام وأيضاً في شهر رمضان المبارك لأن كلمة الوحي الأولى كانت “إقرأ”.
وأجابني الأصغر: أخوه، واسمي معاذ، طالب في الصف السادس، أقرأ كثيراً، وأحب التعلّم والعلم، والآن، نبحث عن كتاب معيّن، لكن، لا بأس إن وجدنا كتاباً آخر مناسباً.
هل تشاركان في تحدي القراءة العربي؟.
أجابا: لا.
سألتهما: لماذا؟!.
فأكدا: ربما في السنة القادمة.
لكن، هل تكتبان؟.
أجاباني: نعم، نكتب، ونؤلف القصص، منها الخيالي، ومنها عن حياتنا وحياة الآخرين، نحبّ الشعر، وأقربهم إلينا أحمد شوقي الملهم.
ماذا تقولان لجيل الشباب أمثالكم؟..
أجاب بدر الدين: أتمنى أن يجاهدوا بأنفسهم من أجل القراءة والكتابة والعلم والمعرفة.
وأجاب معاذ: بالقراءة نبني أنفسنا والوطن.
ثم غادرا بالسرعة ذاتها بعدما ابتاعا عدداً من الكتب لأن أبيهما العامل في التبليط ينتظرهما في السيارة التي غادراها قليلاً من أجل الكتب.
بلا قراءة جسد بلا روح
والملفت أن أحد القراء الذي تجاوز الخمسين عاماً تدخّل أثناء حواري مع الطالبين قائلاً له: تذكّرني بنفسي عندما كنت بعمرك وأنا أركض إلى الكتب، فسألته عن علاقته بالكتاب؟ ليجيب: اسمي عبد الفتاح حلواني، حفار موبيليا شبْه فنان، أهتم بالتاريخ بشكل عام، وبتاريخ حلب بشكل خاص، وأبحث عن كلّ ما يتعلق في هذا المجال، وأقرأ للباحث الحلبي محمد قجة، وأحب الشعر ولاسيما قصائد نزار قباني، وحافظ إبراهيم، والشاعر الحلبي صفوح شغالة، وأسرتي تحب العلم والقراءة، فزوجتي مدرّسة أدب إنكليزي، وأولادي وصلوا بتعليمهم إلى هندسة الحواسيب، وهندسة الزراعة، والأدب الإنكليزي، وأثق بأن الإنسان بلا قراءة كجسد بلا روح.