شركات النفط العملاقة شريكة في تغيير المناخ
سمر سامي السمارة
تشير السجلات التي تمّ كشف النقاب عنها مؤخراً، إلى أن شركة “شل” بدأت جمع المعلومات حول تغير المناخ منذ ستينات القرن الماضي.
يُظهر التقرير المتعلق بمجموعة كبيرة من الوثائق التي عُثر عليها حديثاً، ويعود تاريخها إلى ثمانينيات القرن الماضي، أن شركة النفط “شل” وغيرها من الشركات الكبرى، كانت على دراية بالآثار المترتبة على استخدام الوقود الأحفوري منذ وقت سابق، وأنها قامت بطمس حقائق حول المناخ والبيئة بعد أن تبيّن لها تأثير ما توصلت إليه أبحاث حول الغازات الدفيئة على منتجاتها، الأمر الذي يعزز الجهود القانونية لمحاسبة شركات النفط الكبرى حول التحديات المناخية الناشئة.
يستند تقرير مؤسسة “ديسموغ” الذي يُعنى بمسألة الاحتباس الحراري والتحقيقات البيئية المتعلقة بتغيّر المناخ، بالإضافة إلى تقرير منظمة “فولو ذا موني”، إلى مشروع “ديرتي بيرلز” الذي فضح الإرث الخفي والتبعات المترتبة على تغير المناخ لشركة “شل” منذ عام 1970-1990، وهو مشروع جمع الباحث فاتان هوزير من أجله 201 كتاب ومراسلات ووثائق ومنح دراسية ومواد أخرى.
وللإشارة، فإن هوزير الذي قام بجمع الوثائق من موظفي “شل” السابقين وأشخاص مرتبطين ارتباطاً وثيقاً بالشركة ومن المحفوظات الخاصة والعامة من كانون الثاني 2017 وتشرين الأول 2022، هو ناشط بيئي ومرشح لنيل شهادة الدكتوراه من جامعة إيراسموس روتردام هولندا، كما أنه المؤسّس والمدير لمركز الأبحاث الهولندي “تشينجرزم”.
وبعد التسريبات الخطيرة للمعلومات التي تكتمت عليها شركتا “أكسون موبيل” و”شل” والتي تتعلق بتقييمات لثاني أكسيد الكربون المنبعث من الوقود الأحفوري، الذي يعتبر المساهم الأكبر في الاحتباس الحراري العالمي والتنبؤ بعواقب مناخية سيئة لهذه الانبعاثات، كشفت التحقيقات التي أجريت في عامي 2017 و2018 أن خبراء شركة “شل” حذروا بشكل سري من تأثير منتجاتها منذ ثمانينيات القرن الماضي.
ومع ذلك، بحسب ما ورد بالتفصيل على موقع “فولو ذا موني”، تظهر السجلات التي تم كشف النقاب عنها مؤخراً، أن شركة “شل” بدأت بالفعل في جمع المعلومات حول تغير المناخ في ستينيات القرن الماضي، بالإضافة إلى أن الشركة لم تكن على اطلاع دائم بعلوم المناخ فحسب، بل قامت أيضاً بتمويل الأبحاث، ما يؤكد أن الشركة منذ سبعينيات القرن الماضي كانت على دراية بأن حرق الوقود الأحفوري يمكن أن يؤدي إلى تغير مناخي مثير للقلق.
وفي مواجهة أزمة النفط العالمية، بدلاً من تقديم معلوماتها المناخية لدقّ ناقوس الخطر والتحول إلى أشكال نظيفة لتوليد الطاقة، ركزت الشركة بدلاً من ذلك على نموذج ربح غير مستدام، وأسست شركة “شل” للفحم الدولية في عام 1974.
في العام التالي، حذرت دراسة شاركت فيها شركة “شل” من أن زيادة ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي يمكن أن تؤدي إلى ما يُسمّى بتأثير الاحتباس الحراري والذي سيكون كافياً لإحداث تغييرات مناخية كبيرة. وبعد ثلاث سنوات، حذر تقرير آخر من أن استمرار حرق الوقود الأحفوري سيؤدي إلى إحداث زيادة مضاعفة في تركيز ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي.
موجات اللجوء المتوقعة
تشير دراسة سرية أُجريت عام 1989 إلى أن ارتفاع درجة الحرارة العالمية بأكثر من 1.5 درجة مئوية -وهو هدف اتفاقية باريس للمناخ التي عُقدت بعد عقود من هذه الدراسة- بأن “مشكلة اللاجئين المحتملة، يمكن أن تكون غير مسبوقة، حيث سيندفع الأفارقة إلى أوروبا، والصينيين إلى الاتحاد السوفييتي، واللاتينيين إلى الولايات المتحدة، والإندونيسيين إلى أستراليا. وبذلك تكون الحدود غير ذات أهمية وتفوق طاقتها الأرقام، كما ستكثر الصراعات، حتى أن الحضارات ستفقد قيمتها وأهميتها.
أعلن دنكان ميزل، المدير التنفيذي لحملة كلين كرييتفز، التي تستهدف شركات الإعلان وشركات العلاقات العامة التي تعمل لمصلحة شركات كبرى في مجال النفط والوقود الأحفوري مؤخراً، أن ما تظهره هذه الوثائق التي تم العثور عليها حديثاً ويعود تاريخها إلى ثمانينيات القرن الماضي، مقلق للغاية.
وخلص الإعلان إلى أن خبراء “شل” منذ ثمانينيات القرن الماضي وضعوا مسارين لكوكب الأرض، يتمثل أحدهما بشروع شركات الطاقة في الانتقال السلس إلى الطاقة النظيفة، والآخر باستمرار الطلب على الوقود الأحفوري، الأمر الذي يتسبب بحدوث مزيد من العواصف، والمزيد من الجفاف، وزيادة في جريان الفيضانات المدمرة، مضيفاً أنه منذ نشر تلك التوقعات، دفعت شركة “شل” في كل منعطف لخلق المزيد من الطلب على الوقود الأحفوري، ما يخلق بالضبط النتائج المدمرة التي توقعوها.
وبدوره، قال مركز السلامة المناخية إن السجلات توفر للعالم المزيد من الأدلة الدامغة على أن الشركة قامت بطمس الحقائق حول المناخ والبيئة بعد أن تبيّن أن نموذج أعمالها كان له آثار كارثية على العالم بأسره، وعلى حدّ تعبير فريق العمل: “كانوا يعرفون ومع ذلك كانوا يكذبون، عليهم أن يدفعوا الثمن”.
وإلى جانب التقريرين الإعلاميين الأوليين، تم نشر بعض محفوظات شركة “شل” بواسطة قاعدة بيانات ملفات المناخ.
وفي بيان لـ فاتان هوزير قال: “على الرغم من أن أول هذين التقريرين، يشير إلى 38 وثيقة فقط من الوثائق العديدة التي تمّ جمعها من أجل مشروع ديرتي بيرلز، إلا أن هذين التقريرين يخبران الكثير عن انخراط شركة شل فيما أسميه عدم اليقين بشأن تغير المناخ، وإهمال تغير المناخ، ويشير الأول إلى حرص شركة شل الشديد على التأكيد على عدم اليقين العلمي بشأن إمكانية الاحترار العالمي في تقاريرها العامة، على الرغم من أن الإجماع العلمي حول الواقع المستقبلي لعالم أكثر احتراراً كان يتشكل بالفعل في ذلك الوقت”.
وأضاف: “يشير التقرير الأخير إلى إهمال شركة شل للحقائق والمعلومات التي قدمها خبراؤها حول الاحترار العالمي في التقارير العامة، مضيفاً أن عدم اليقين، وإهمال تغير المناخ كانا مسيّسين، بمعنى أنهما خدما في الضغط من أجل الوقود الأحفوري وخاصة الفحم، على حساب مصادر الطاقة المتجددة، كمصادر الطاقة المفضلة في المستقبل المنظور. هذا على الرغم من إدراك شل للتغير المناخي الخطير المحتمل المرتبط باحتراق الوقود الأحفوري. كان كلا العلاجين استراتيجيين لأنهما، بالتبعية، يحميان نموذج أعمال شل القائم على الهيدروكربونات”.
وشدّد فاتان هوزير على أن الكشف عن عدم اليقين بشأن تغير المناخ وإهمال تغير المناخ في وقت مبكر يعيد وضع ردة فعل شل العدوانية الملحوظة لاحقاً للاحترار العالمي في التسعينيات والعقد الأول من القرن الحادي والعشرين، كمرحلة ثانية في تطوير علاقة شل مع ظاهرة الاحتباس الحراري.
جاء أولاً الإهمال وعدم اليقين بشأن تغير المناخ، وبعد ذلك، مع دخول الاحتباس الحراري إلى الوعي العام وأصبحت شكوك كبيرة حول واقعه غير مهمة في السبعينيات والثمانينيات، ثم جاء إنكار تغير المناخ والشك.
وقال المتحدث باسم شل: “لم يكن لدى فريق عمل شل معرفة فريدة بشأن تغير المناخ، فلطالما كانت قضية تغير المناخ وكيفية معالجته جزءاً من النقاش العام والبحث العلمي الذي تطور على مدى عقود عديدة. لقد تمت مناقشته على نطاق واسع، من وجهة نظر عامة، بين العلماء ووسائل الإعلام والحكومات والشركات والمجتمع ككل، كما تم توثيق موقفنا من هذه القضية بشكل علني لأكثر من 30 عاماً، بما في ذلك في منشورات مثل تقريرنا السنوي وتقرير الاستدامة”.
وفي الوقت نفسه، اقترح الباحثون في مؤسسة “ديسموغ” أن الوثائق يمكن أن تساعد في الدعاوى القضائية المتعلقة بالمناخ ضد شركة شل.
ووفقاً لـ جيفري سوبران، الأستاذ في جامعة ميامي، والمعروف بأبحاثه في شركة إكسون موبايل، فإن هذا التقرير يعيد عقارب الساعة إلى الوراء أكثر على تاريخ شركة شل الطويل في معرفة المناخ والخداع، مضيفاً أنه يكشف بأن شل كانت في الطليعة من حيث فهمها المتزايد، في الأوساط الخاصة والأكاديمية، لخطر تغير المناخ والوقود الأحفوري غير القابل للاحتراق، ولكن أيضاً من حيث رفضها العلني لهذه الحقائق.
خلال الحرب في أوكرانيا، انضمت “شل” إلى شركات نفط كبرى مثل “شيفرون وإكسون موبيل” في تحقيق أرباح ضخمة، وبعد تسجيل أرباح قياسية بلغت 40 مليار دولار في عام 2022، أعلنت شركة “شل” أن رئيسها التنفيذي السابق بن فان بيردين، حصل على 11.7 مليون دولار العام الماضي، بعد أن كانت 7.9 ملايين دولار في العام السابق.
وفي شباط الماضي، أوضحت “بلومبيرغ” أن أرباح الشركة القياسية لن تؤدي إلى تسريع تنفيذ طموحاتها بخفض الكربون بشكل كبير، فبعد تخصيص نحو 3.5 مليارات دولار لمصادر الطاقة المتجددة جنباً إلى جنب مع المشاريع التي يطلق عليها العديد من مجموعات المناخ “حلول زائفة”، والتي تمثل نحو 14 في المائة من إجمالي النفقات الرأسمالية في عام 2022، قررت شركة “شل” الحفاظ على إنفاقها في هذه المجالات كما هو لهذا العام، والذي بحسب فوكس فإن أقل من نصف ما تستثمره الشركة في التنقيب عن النفط والغاز واستخراجهما.
في هذا الصدد، اختارت الشركة عدم تكثيف استثماراتها في الطاقة النظيفة على الرغم من التحذيرات الملحة المتزايدة التي يؤكد عليها علماء المناخ وخبراء الطاقة بأن البشرية يجب أن تحتفظ بالوقود الأحفوري في الأرض، والتحول إلى مصادر الطاقة المتجددة لتجنّب الآثار الأكثر كارثية للاحترار العالمي.