تخطيط اعتباطي..!!
غسان فطوم
يشعر السوريون اليوم بالثمن الباهظ لتكلفة الحرب المدمّرة، فبعد 12 عاماً نتج الكثير من الأضرار والدمار، ما تجلّى بأزمة اقتصادية خانقة جعلت المستوى المعيشي في أسوأ أحواله، والأمر المؤسف أنها أدت بتداعياتها المختلفة وطول أمدها إلى بروز الفساد بشقيه المالي والإداري.
وما زاد الطين بلة أن تشخيص الجهات المعنية للأزمات كان وما زال ضعيفاً، نظراً لافتقار هذه الجهات للأدوات المناسبة للمواجهة بدءاً من تحديد الأسباب وطرق العلاج والاستفادة من الأخطاء، بمعنى لم تستطع الجهات التنفيذية إبداع الحلول الناجعة، بل بقي التفكير التقليدي هو الراسخ في العقل الحكومي، والمعالجة النمطية هي السائدة، وسط كومة من الخطط المكتوبة على الورق كان مصيرها على الأغلب في سلة المهملات!
بحديث الأرقام، تشير التقديرات الأولية إلى أن كلفة الأضرار التي لحقت بمؤسسات الدولة تجاوزت الـ 45 ألف مليار ليرة، حيث تعرّض أكثر من 28 ألف مبنى حكومي للضرر ونحو 188 معملاً وشركة صناعية حكومية للتدمير الكلي أو الجزئي، كما تعرّضت 15 محطة توليد كهربائية للتدمير الكلي و10 محطات للتدمير الجزئي من بين 39 محطة كانت موجودة قبل بدء الأزمة، وتضرّر أكثر من ألف موقع وبناء نفطي منذ بداية الأزمة، عدا عن تعرض القطاع الزراعي الذي حقق على مدار العقود السابقة اكتفاء ذاتياً لتخريب مساحات كبيرة مزروعة وحرقها وتهريب إنتاجها إلى الخارج، وليس حال الثروة الحيوانية وقطاع الدواجن بأفضل حال من ذلك، فهو غارق أيضاً ببحر الخسارات!.
أمام هذه الأرقام، ونحن على أبواب مرحلة التعافي، ثمة أسئلة يمكن طرحها أهمها: إلى متى يغيب التخطيط الإستراتيجي والآليات الواقعية والعقلانية في معالجة المشكلات؟
إن واقع الحال يشير إلى وجود ضبابية في الحلّ وتشويش في الرؤى، فما يجري ويُتخذ من إجراءات أقرب للاجتهادات من الخطط المدروسة، وهذا ما أدّى إلى تشتّت كبير في الوقت والجهد وهدر في الموارد المالية والبشرية وعدم استثمارها بالشكل الصحيح، في الوقت الذي نحتاج فيه للكثير من التأني في توظيف الموارد المُتاحة مع دراسة المعطيات وتوخي الحذر عند اتخاذ أي قرار، فالمرحلة لا تحتمل التجريب واستيراد الحلول الفضفاضة غير المناسبة، بمعنى أن المستقبل المزهر الذي نريده لا يمكن التنبؤ به، بتخطيط اعتباطي عرضة للانحراف والتحول إلى خسارة في أية لحظة.
بالمختصر، لا نريد أن نبقى رهينة سياسات تنموية غير مطمئنة، بل نريد أن ننظر للمستقبل بثقة، بعيداً عن حلول “ضربة الحظ” والوعود الوهمية البعيدة عن إمكانية التحقيق، نريد تخطيطاً مسبقاً مبنياً على أسس علمية ومعطيات دقيقة وبالاعتماد على كفاءات أبناء البلد، أم أن ذلك مُحرّم؟!!.