دراساتصحيفة البعث

هل تبقى ألمانيا ملتزمة باستراتيجية الولايات المتحدة؟

عائدة أسعد

بعد دعوة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى الاستقلال الاستراتيجي الأوروبي خلال زيارته للصين، كان هناك اهتمام متزايد بزيارة وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بربوك للبلاد في أعقابه.

لقد اشتهرت بربوك بموقفها المتشدد تجاه الصين، وكان من المتوقع أن تسعى وزيرة الخارجية الألمانية إلى عرض وحدة وقوة التحالف عبر الأطلسي خلال رحلتها الافتتاحية إلى الصين التي اختتمت لتوها.

ولكن ما فعلته هو أنها نقلت الرسالة بصوت عال وواضح ومفادها أن تغيير وضع تايوان سيكون غير مقبول، وأن التصعيد العسكري في مضيق تايوان سيكون سيناريو مروع للعالم بأسره وله تداعيات على أوروبا.

ولكن كان لابد من تذكيرها خلال زيارتها بأن الانفصاليين في الجزيرة والدعم الذي يتلقونه من بعض القوى الخارجية هو السبب الجذري لكل من التغييرات في الوضع الراهن عبر المضيق، وتصاعد التوترات وفي كثير من الحالات هذه القوى الخارجية هي التي تضخم بشكل غير مبرر المخاوف حول سيناريوهات الرعب بشأن مسألة تايوان.

كان على المسؤولة الألمانية أن تكرر إلى حد كبير ما كان متوقعاً في الإستراتيجية الألمانية الجديدة بشأن الصين التي تعدها وزارتها، على الرغم من أنه كان لا بد من مراجعة المسودة الأصلية للوثيقة كما ورد فيها، حيث كان يُنظر إليها على أنها تتخذ موقفاً صارماً للغاية وتزيد من التأكيد على أهمية القيم، وتحالف ألمانيا بشكل وثيق مع الولايات المتحدة.

تجدر الإشارة إلى أنه على الرغم من كل الطموح الواضح لتقليل اعتماد ألمانيا المزعوم على الصين، والذي كان مكوناً رئيسياً في حقيبة سياسات بربوك، لا يمكن للدبلوماسية الألمانية الكبيرة أن تتجاهل أهمية الصين كشريك اقتصادي طويل الأمد.

وإلى جانب القسوة التي أبدتها في موضوعات مثل تايوان، أعربت بربوك عن اهتمام ألمانيا المستمر بالتعاون مع الصين، وقالت لمضيفيها الصينيين أن حكومتها ستظل ملتزمة بسياسة صين واحدة ، ولن تسعى إلى فك الاقتران الاقتصادي مع الصين.

وكما حذرت وثيقة حديثة صادرة عن أكثر من 90 عضواً محافظاً في البرلمان الألماني كان على بربوك أن تدرك أنه سيكون من الهزيمة الذاتية إذا أصبحت سياسة ألمانيا الجديدة تجاه الصين إستراتيجية مناهضة، لأنها ستكون كارثة اقتصادية أن تقطع ألمانيا جميع العلاقات الاقتصادية مع الصين في الوقت نفسه الذي تعد فيه الصين شريكاً لا غنى عنه في مواجهة التحديات العالمية مثل تغير المناخ والانتشار النووي والأزمات الجيوسياسية.

لو كان لدى الألمان وغيرهم من الغربيين نظرة أكثر موضوعية للحساسيات الصينية المحيطة بإعادة التوحيد الوطني، لكانوا ينظرون إلى مسألة تايوان بشكل مختلف. فقد قال وانغ يي، مدير مكتب لجنة الشؤون الخارجية للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني، في اجتماعه مع بربوك أن عودة تايوان إلى الصين جزء مهم من النظام الدولي لما بعد الحرب العالمية الثانية. وفي معرض تذكير ضيفته بأن الصين دعمت ذات مرة إعادة توحيد ألمانيا، أعرب وانغ عن أمله وإيمانه أن بلادها ستدعم إعادة التوحيد السلمي للصين, فهل تعود بربوك إلى وطنها بعقل أكثر انفتاحاً على إمكانية الاستقلال الذاتي الاستراتيجي الأوروبي؟.