مجلة البعث الأسبوعية

الألعاب ووسائل التسلية التي كان أهالي حلب يمارسونها في القرن الثامن عشر

فيصل خرتش

معظم الألعاب وصنوف اللهو التي كان أهالي حلب يمارسونها، كانت تقع داخل البيوت، وهي من النوع المدني، ويلعب الرجال والنساء لعبة الشطرنج، ونوع من لعبة الطاولة، كما يلعبون الداما، ولعبتين أخريين، هما المنقلة، وهي لعبة عبارة عن خشبة مستطيلة، يحفر فيها أربع عشرة نقرة في صفين متوازيين، يجعل في كلَ نقرة سبع حصيات ثمَ تدار الحصى، وتنقل بطريقة خاصة، ولعبة طاب ودك، وهي عبارة عن لوحة مقسمة إلى 21 بيتاَ على أربعة أسطر ولها أحجار سود وبيض، يصف كلَ لاعب أحجاره، في أول صف، ثمَ ينقلها حسب ما يأتي الرشق، والرشق يكون بأربع فلقات من القصب ظهرها ملون بخلاف بطنها، تدلَ برشقها على قنينة على عدد الظهور والبواطن، وعل أساسها يسيرون أحجارهم، طاب ودك اختراع حلبي مستمد من لعبة الطاولة، ويلعب في الأولى شخصان، يعتمد الفوز فيها على الذاكرة والسرعة في الحساب، أما اللعبة الثانية فهي لعبة مختلطة، تعتمد فيها حركة الدبابيس على اللوحة، بإلقاء أربع عصي مسطحة صغيرة بيضاء على جانب، وسوداء على الجانب الآخر، وفي أمسيات الشتاء الطويلة، يقضون أوقات تسليتهم بألعاب أخرى، كلعبة الخاتم التي تمارس بهذه الطريقة: يقلب عدد من فناجين القهوة على عقبها، وتوضع على صينية كبيرة، ويخبأ خاتم تحت واحد منها، ويقسم اللاعبون المشاركون إلى قسمين، وتنحصر اللعبة في التكهن بمكان وجود الخاتم، ويحقَ للفريق الفائز أن يطلي وجوه الخاسرين بلون أسود، وأن يطلب منهم ارتداء قبعات المهرجين ليُضحك الحاضرين عليهم والاستهزاء بهم بترديد أغاني تعبر عن انتصارهم، ولا يُسخر في هذه المناسبات إلا من الخدم أولئك الذين لديهم القدرة على التهريج.

يلعب أهالي حلب لمجرَد التسلية، وفي بعض الأحيان يجازفون ويلعبون مقابل فنجان من القهوة او نفقة دخول حمام، إلا أنهم لا يلعبون مقابل النقود، ولا يعرفون أبداَ ورق اللعب، فاللعب على شيء يحرَمه القرآن، وفي بعض الأحيان يحسمون النزاعات برهان صغير إلا أنهم لا يضعون مبلغاَ كبيراَ باعتباره نوعاَ من المقامرة.

يتقيد أفراد كلَ ملَة بساعات منتظمة في حياتهم اليومية، إذ ينهضون مع بزوغ الشمس، ويأوون إلى فراشهم بين التاسعة والعاشرة ليلاَ، ومعظمهم يستلقي لمدَة ساعة بعد الأكل، وتعقد الصفقات التجارية بين الفطور والساعة الخامسة مساء، ويتناول التجار طعامهم عادة في محلاتهم في الخانات، ويرسل الطعام إلى بعضهم من بيوتهم، وهم يتناولون الوجبة الرئيسية “العشاء” في بيوتهم، ويذهب بعدها كثير من عامة الناس إلى المقهى، يمضون أوقاتهم حتى صلاة العشاء ثمَ يعودون، وفي بعض الأحيان يتبادل الناس الزيارات إلا أنهم نادراَ ما يشاهدون خارج البيت بعد الساعة العاشرة.

تجد بعد أمتار قليلة من أي مسجد مقهى، لكنَ هذان المكانان كانا متباعدين جدَاَ في جوهما وفي الإطار الثقافي لهما، في المقاهي كان الرجال يدردشون ويلعبون الطاولة ويرشفون القهوة الساخنة ويدخنون الأركيلة حتى ساعات متأخرة من الليل، كانت توجد فرقة موسيقية شعبية تقوم بتسلية الجموع، في لحظة معينة كان الراوي (الحكواتي) يعتلي المنصة ويأسر الحضور بقصص تروي قصص الزير سالم وعنترة العبسي وغيرها، وفي أوقات أخرى يتمَ تسلية الحضور وإضحاكهم عبر تقديم عرض هجائي للدمى المتحرَكة.

ووسائل التسلية تدور حول الصحبة، والقليل منهم كانوا قادرين على العزف على آلات موسيقية، وعادة كانت القراءة محصورة على جزء صغير جدَاَ من السكان، لم توجد أية مجلات أو جرائد أو كتب ذات نفع عام، والمؤانسة التي ميزت أوقات التسلية والترفيه كانت ظاهرة من خلال البيوت، وكذلك من خلال التجمعات داخل البساتين والحمامات والمقاهي.

زيارة الأقارب والأصدقاء كانت من بين أكثر الطرق شيوعاَ لتمضية الوقت، غالباَ ما يقوم الأشخاص بدعوة الضيوف إلى بيوتهم ويقضون ساعات في الدردشة معهم، ويتخلل ذلك الطعام والتدخين وشرب القهوة، ويلعبون بالشطرنج والطاولة وغير ذلك من الألعاب الشعبية التي كانت تساعد على تمضية الوقت، وبعضهم كان يسلَي نفسه بطرح أحجيات حسابية، كان الأشخاص غالباَ ما يمضون الليل في بيوت أصدقائهم وقد يبقون عدَة أيام أحياناَ، كان من الشائع إرسال الأطفال للمبيت في بيوت أقربائهم، وكان الأشخاص المحترمون يعرضون عن ذلك، خوفاَ من أن يؤدي ذلك إلى نشوء علاقات غير شرعية بين الجنسين.

في مناسبات الزفاف، كانت العائلات تقيم حفلات صاخبة وتفتح بيوتها أمام العديد من الضيوف، وكان الموسيقيون يؤدون الأغاني الشعبية، وكانت الراقصات المحترفات يؤدين رقصاتهن ببراعة، وكانت النساء يحتفلن في مقرات أخرى، وكانت تتمَ تسليتهن بواسطة أناس، وكان مرحهن أكثر صخباَ من الرجال.

من ألعاب النساء الشائعة لعبة المنقلة وطاب ودك والداما، وفي بعض الأحيان الشطرنج، وهنَ يلعبن للتسلية فقط، وفي أمسيات الشتاء، عندما يمضي الرجال جلَ أوقاتهم خارج المنزل، فإنَ النسوة تمضين غالب أوقاتهن في الاستمتاع إلى قصص ألف ليلة وليلة، إذ تقوم إحداهنَ ذات صوت متميز بقراءتها، ومن حين لآخر، تلقى الأبيات التي تتخلل القصة غناء، وكانت أمي تقص علينا حكايات من ألف ليلة وليلة، تحكي لنا قصص الملوك الأمراء والعبيد والجواري، وتقصَ علينا قصص المغامرات وما تفعله الساحرة في الرجال، وكانت امرأة أمية.

والنساء مغرمات بالزهور والنباتات ذات الروائح العطرة، وعندما تبعث النسوة برسائل تهنئة، أو دعوة لحفلة، يرفقنها عادة بباقة زهور تلف بمنديل مطرَز، وتكون الرسائل شفوية، وتأخذ المرأة التي تتلقى الرسالة بيدها، وتطوي المنديل بعناية، وتعيده بواسطة الرسول، وهنَ يحتفظن بالأزهار التي تتساقط أوراقها في الصيف، بلفها بمنديل من الموسلين ورشها بالماء، ثمَ تصف في حوض معدني وتوضع في قبو بارد، ويمكن بهذه الطريقة حفظ أزهار البرتقال والياسمين العربي وورود المسك نضرة لساعات عديدة.

تمضي الفتيات تسليتهن في ربط باقات الزهور بخيوط من الحرير بألوان مختلفة، وهي تقدَم بإيحات مختلفة، ورغم أنَ النساء يفهمن هذه الإيحاءات جيداَ، إلا أنَ هذه الحيلة لا تلائم غرض المراسلات السرية، والدليل على ذلك أنَ الرجال الذين يتلقون باقات زهور، لا يلقون بالاَ إلى ألوانها في معظم الأحيان يتبادلون زهرة واحدة أو أكثر، وفي بعض الأحيان تغير النساء شكل ربطةالباقة قبل تقديمها، كما لو أنَ الخيوط التي نزعنها غير ملائمة.

كانت الألعاب ووسائل التسلية بسيطة تعبَر عن مجتمع بسيط، فالناس همَها الطعام والشراب وإنجاب الأولاد، يسهرون عند بعضهم، ثمَ يأتون إلى منازلهم وينامون، وفي الصباح ينهضون إلى أعمالهم.