قراءة اقتصادية في العقود الإيجارية
عبد اللطيف عباس شعبان
من المجمع عليه عرفا وقانونا أن العقد شريعة المتعاقدين، ولكن هذه الشريعة محكومة بالتشريعات الرسمية التي تنظمها لما فيه مصلحة الأطراف المتعاقدة، وبما يتفق مع الشأنين الاجتماعي والاقتصادي، وألا يتعارض ذلك مع التشريعات القانونية الأخرى ذات العلاقة.
أما بخصوص عقود الإيجارات على اختلاف تعددها وأشكالها، فلعقود مضت حدث كثير من الغبن بحق الجهة المؤجِّرة، أيا كان نوع الإيجار، فكثير من الإيجارات القديمة كانت تتم رضائيا دون عقد، وفي أغلب العقود لم يخطر ببال المؤجر تحديد مدة العقد، ولا حق رفع قيمة الإيجار أكان شهريا أو سنويا لسبب أو لآخر، ولا ما يضمن له حق إخلاء المستأجر متى شاء ذلك، ولا شروط أخرى، ما تسبب أن خوَّل القانون حق تمسَّك الكثير من المستأجرين بالمأجور بنفس قيمة الأجر السابق ولمدة مفتوحة، رغم تتابع ارتفاع عام كبير في جميع الأسعار، ما تسبب بغبن كبير حلّ بالكثير من المؤجرين، خاصة شريحة من سبق أن أجرَّوا لحاجتهم الماسة لقيمة الإيجار، واحتاجوا مأجورهم لاحقا ولم يستطيعوا استرداده، بل ولم يستطيعوا رفع الإيجار بما يتناسب والواقع الجديد لأسعار السوق، والحق الذي أعطى المؤجر إعادة تخمين المأجور لصالح رفع الإيجارعمَّا هو عليه، لم ينصفه إلا جزئيا، في حي كان أكثر إنصافا للمستأجر ألذي طلب حق إعادة تخمين المأجور حال كون الإيجار مرتفعا، ويندر أن أعطى القانون الحق للمؤجر بإخلاء المستأجر، حتى ولو احتاج المأجور لنفسه أو لورثته، لا بل أن القانون منح المستأجر القديم حق الحصول على مبلغ ما – وفي حالات أخرى مبلغ محددة نسبته من قيمة المأجور – من المؤجِّر لقاء إخلاء المأجور، وبعض المستأجرين الذين أخلوا المأجور حصلوا على مبلغ يزيد عن مجمل الأجور التي دفعوها للمؤجر طيلة مدة الإيجار.
هذا الغبن استدعى صدور قانون الإيجار السياحي للمساكن والإيجار الاستثماري للمنشآت أواخر الفرن الماضي، والذي قضى بتنظيم العقد بين الطرفين /المؤجر والمستأجر/ لفترة قصيرة، وتوثيق العقد لدى الجهات الرسمية، ومنح المؤجر حق الحصول على عقاره مع انتهاء فترة العقد أو تنظيم عقد جديد بشروط جديدة حال رغب الطرفان ذلك، ولاحقا صدر قانون الإيجار الأخير المقضي بتوثيقه رسميا، والذي ضمن التزام طرفي العقد بمضمونه، وضمان العدالة القضائية لتنفيذه دون حق احتجاج أي طرفيه.
لكن محاذير المؤجرين من العقود القديمة، والتقلبات الكبيرة والمتسارعة في الأسعار، تسببت في لجوء جميع المؤجرين لتنظيم عقود قصيرة المدة، لضمان أحقية إخلاء المستأجر عند حاجتهم لمأجورهم، أوتأجيره – له أو لغيره بعقد جديد /مدة وأجرا/ يتناسب مع مستجدات ارتفاع الأسعار، ونتيجة لذلك سيتكبد المستأجر- حال لم يتم الاتفاق على تنظيم عقد له لنفس المأجور – تبعات البحث عن مأجور جديد وتحمُّل التبعات المادية الكبيرة لنقل أثاثه المنزلي، والطامة الكبرى ستحل بالمستأجر حال كان المأجور المخلي مستثمر اقتصاديا – منشأة حرفية أو صناعية أو تجارية – لأن صاحبها سيخسر لفترة زمنية الشهرة التي حققها في المأجور السابق وسيحتاج وقت جديد لشهرة جديدة.
وحيث أن الظروف الاقتصادية السكنية والعملية تفرض استمرار حالات الإيجار، فأغلب المؤجرين يحتاجون للتأجير لعدة سنوات، وليس من مصلحتهم تعطيل المأجور مدة عقب انتهاء كل مدة عقدية، وأغلب المستأجرين يحتاجون لذلك، وليس من مصلحتهم تكبُّد نفقات الانتقال إلى مأجور جديد وخسارة ما حققوه من ميزات في المأجور الحالي، فإن هذه الوقائع تحتاج معالجتها بما يضمن حقوق طرفي العقد، وأرى إمكانية تحقيق ذلك وفق التالي: تنظيم العقد الإيجاري الأول وتحديد مدة وقيمة الإيجار وبقية الشروط بما يتناسب ومصلحة الطرفين، على أن بحق للمستأجر – حال كان ملتزما بشروط العقد السابق – عقب انتهاء المدة العقدية السابقة، الاستمرار في المأجور/ بالتراضي مع المؤجر/ بعقد جديد لمدة جديدة، وأجر جديد تزيد قيمته عن أجر العقد السابق، بما يغطي التزايد الذي حصل في الأسعار، على أن يبقى حق المؤجِّر في الإخلاء قائما عند انتهاء كل مدة عقدية، ويفضَّل أن تحدِّد السلطات الرسمية نسبة تزايد الأجرفي العقد الجديد عن العقد السابق، بالاستفادة من الأرقام القياسية للأسعار التي يصدرها المكتب المركزي للإحصاء بشكل متلاحق كل عام، والتي تُظهِر- بشكل قريب إلى الدقة – مدى الارتفاع الذي حصل في الأسعار عن العام السابق، فالمصلحة الاقتصادية والاجتماعية للوطن وللمواطنين تتطلب ذلك.
عضو جمعية العلوم الاقتصادية السورية