ثقافةصحيفة البعث

أسامة دياب أكثر بوحاً والتصاقاً بالمكان في “إيفا”

ملده شويكاني

“المرأة هي عصب الإنسانية، وعمودها الفقري، فهي الأنثى الملهمة، العاشقة، الحبيبة المفقودة، والأخت المنتظرة والخائفة، والأم المدرسة الحانية المربية المتلهفة والفخورة، هي الأنثى بتفاصيلها ومنحنيات جسدها الفاتن، كالجرار المختزنة، والأواني الفضية المكشوفة، وسنابل الحنطة”.

بهذه المفردات والتشبيهات البليغة عبر الفنان التشكيلي السوري أسامة دياب عن نظرته إلى المرأة، إلا أن لوحاته في معرضه الجديد في صالة عشتار بعنوان “إيفا” -وتعني حواء والحياة – أكثر جمالية رغم أنها ضمن جزء من مساره الفني بتجسيد حالات تعيشها المرأة وترتبط بالرجل والمجتمع والمدينة والأرض، إذ جسدها بأسلوبه التعبيري المباشر القريب من المتلقي بحالة درامية تشبه الومضة أو الأقصوصة تقصها المشهدية البصرية لفضاءات اللوحة، التي كانت المرأة بطلتها بالاستناد إلى عناصر أساسية ومساندة مثل الباب الخشبي والنافذة والمصباح وأكياس القمح والمرآة والكتاب والستارة والمزهرية وإطار الصورة المعلق على الجدار.

يركز دياب على الظل والضوء وكثافة العجينة اللونية في مواضع من الخلفية تكمل حكاية اللوحة، فتقود إلى قراءات للمضمون يستشفها المتلقي، فتبدو المرأة لصيقة المكان تعيش تأملاتها، تبوح لذاتها بأحاسيسها وبخيباتها وتساؤلاتها وانسياقها في حالات إلى حافة الانتظار، التي من الممكن أن توصلها إلى شعاع الفرح أو قتامة اليأس في بيئات وأجواء مختلفة.

ويعتمد دياب على تشخيص حركة جسد الأنثى وانحناءاتها المعبّرة أيضاً عن حالتها، وعلى إدخال القطة إلى الحالة المشهدية وتنويعات الألوان التي تتألق فيها تدرجات الأصفر، ولكن يبقى حضور اللون النيلي الأثير لدى دياب في بعض اللوحات مع تموجات الأبيض، فتركن أنثاه إلى ركن خاص في المنزل، أو تكون أكثر خصوصية حينما تقترب منها موظفاً أدواته التعبيرية الصغيرة في إيحاءات تشي بهواجسها، مثل المزهر الذي يرش العطر وينثره حولها فوق طاولة رخامية أنيقة مسورة بالخشب المحفور، بينما تعبّر خطوط مرسومة على الخلفية زهرية اللون عن تداعيات وذكريات. وفي لوحة أخرى تشغل المزهرية البنية جانباً قرب الباب الخشبي وتنحني الأنثى نحو الأرض تداعب قطتها وينسدل شعرها الأسود كشلال يسرد أمنيات مورقة.

يشير دياب إلى قيمة الكتاب في حياة الأنثى، فيشغلها حيناً وتنشغل عنه في أحايين أخرى، مثل اللوحة الرائعة التي تجلس فيها في وضعية الدراسة على الكرسي وصفحات الكتاب تتتالى فوق المنضدة المتواضعة، وتغمض عينيها لساحات الأحلام الزرقاء المصطدمة بغموض أسود؛ وهو يختزل حكاية الأنثى مع الحياة بتصويرها بثوب الزفاف وتاج العروس بملامحها الهادئة التي تقتل ابتسامتها، لتبقى اللوحة الحمراء المعلقة على الجدار مجرد وهم وسراب، وتزدان اللوحة بموجودات تكمل المرآة المتوسطة الجدار خلفها، وبالمقابل توجد حالة انتظار وترقب من النافذة.

ولا يقتصر مسار أسامة دياب على توصيف حالات تعيشها الأنثى، فاهتمامه بالهمّ الإنساني عامة هو مقصده، وقد تطرق إلى سنوات الحرب القاسية في معرضه “زاوية حادة”، وهو المؤسس لمشروع خطوات لدعم المتدربين والمواهب.