كيف رسمت فنانات “إبداعات حلبية” التاءات؟
حلب – غالية خوجة
تلوّنت صالة الأسد للفنون الجميلة بالألوان الحارة والباردة وتدرجاتها لتعبر الحكايات من بوابة الأسود والأبيض والرمادي، وكأن النفق الخارجي مشرف على الانتهاء بعد المعاناة، لكنه ما زال ماكثاً في الأعماق ويحلم بالرومانسية والهدوء والمحبة والطمأنينة التي انعكست من أعمال الفنانات المشاركات في معرض “إبداعات حلبية” بموسمه الثاني الذي أقامه اتحاد التشكيليين فرع حلب والمستمر لأسبوع.
فكيف عبّر هذا المعرض عن ملامح المؤنث؟
تحركت ظلال بعض الأعمال من موسمه الأول في موسمه الثاني، واتخذ اتجاهه نحو التعبيرية والرومانسية والانطباعية والكولاجية والواقعية والتجريدية الانطباعية، وحضرت المرأة في الأعمال بشخوصها المختلفة، وحالاتها المتنوعة، كحكايات ملونة بالحزن والفرح والتأمل والأمل والورد والقلب والملامح والحنين وغيرها من المعاني المتوزعة بين الطبيعة ومكوناتها الحالمة، ومنطوق الأجساد بين رفض وقبول، ومنطوق النفوس بين الهرب إلى خرافة حورية البحر والهروب إلى الموت من ألسنة النار الرامزة للمجتمع، والوقوف على شاطئ البحر غيابياً لنسمع انكسار أشعة الغروب على صوت الموج.
الحب والجمال
قال التشكيلي يوسف مولوي رئيس فرع حلب للاتحاد: هذا المعرض تجربة رائدة في حلب، تشارك فيه 28 فنانة بـ 48 لوحة، وأهم ما يميّزه الحب والجمال وحضور المرأة كرمز للعطاء والوطن، وتعاملت الفنانة مع الذات المؤنثة من خلال التجارب الأنثوية الفنية التي تقارب بين الأجيال فأصغر فنانة بعمر 18 سنة، وأكبرهن التشكيلية المعروفة شكران بلال.
دافع التنافس الإيجابي
التشكيلي إبراهيم داود أمين سر الاتحاد رأى أن هناك تجارب جديدة واعدة في معرض هو عبارة عن فكرة خاصة للفنانات كأعضاء وهواة، وليس للمحترفات فقط، وتابع: لاحظت وجود دافع قويّ وحالة تنافسية إيجابية يميزها المزاج الأنثوي، وظهور الجانب الخاص لكل فنانة على عملها كفكرة ولون وحياة، فهناك الميل إلى السوريالية وفلسفة الوجوه في لوحة د. إيمان سليمان، وتشكيلات القلب والحلم والأمومة والولادة والفينيق في لوحة نجلاء دالاتي، وكذلك هناك بروز لهذا الجانب في عمل تمارا شهابي وشهد استانبولي وابتسام مجيد وجميع أعمال الفنانات المشاركات.
جمال الزمن الصعب
أمّا التشكيلي محمد صفوت فقال: حالة جميلة أن نرى الأيام الصعبة في مواهب مستعدة لتأكيد وجودها رغم كلّ المصائب والحرمان والظروف، وهي متفتّحة على الإبداع والمستقبل.
الفوضى الداخلية
عن مشاركتها، قالت إليان فتال: أردت أن أتحدث عن المرأة ومرورها بمرحلة الأنوثة بين البلوغ والنضج الجسدي والنفسي والفيزيولوجي، ودرامية هذا الصراع في هذه المرحلة الحرجة من التحوّل، والانعطاف من الطفولة إلى المراهقة إلى المسؤولية المفاجئة بعد الزواج، ولاسيما زواج القاصر كمشكلة مركّبة نفسية واجتماعية، وكل ذلك من خلال التمازج بين التجريدية والانطباعية والتكعيبية والأشكال الهندسية ولاسيما رمزية المثلث، إنها محاولة للتأمل في الفوضى الداخلية.
نفسي ترسم أحلامي
وأخبرتنا كامي حمصي كأصغر فنانة مشاركة ومن ذوات الاحتياجات الخاصة بأنها تحب الرسم، وبدأت منذ عامها التاسع بالفحم، بعدما اكتشف أهلها موهبتها، وتدرس حالياً الفنون، وتعرض لوحتين: الأولى عن الطبيعة، والثانية عن ذاتها، واعتمدت تدرجات اللون الأحمر والبرتقالي والأصفر لأنها تمثل تدرجات الشمس والفرح والسعادة والأمل.
مشاعر فلكلورية
بدورها، قالت تالين دراقجيان: أشارك بخمس لوحات، ثلاث عن الفلكلور بصيغته الحلبية والأرمنية والعربية، لأظهر جمال الموروث وجمال المؤنث، وتمثل اللوحة الرابعة حالة رومانسية من الحب والانطواء على الأمل، بينما أعكس معاناة الأم في اللوحة الخامسة وهي تحمي ابنتها الميتة من رمزية النار وألسنة المجتمع.
تداخلات إيجابية وسلبية
هيفاء فليك: أشارك بلوحتين، رسمت في أولاهما الطاقة الإيجابية للحب بحالة انطباعية، وعبّرتُ في ثانيتهما عن فترة الحرب الصعبة وتداخلاتنا النفسية بألوان مختلفة من عصبية الأصفر وأحزان الأسود ودم الحرب الأحمر وأمل الأخضر، وما يجول في الجمجمة بتقنية الجريدة.
ولكن.. لماذا اعتمدت على الكولاج بجريدة بلغة أجنبية ولم توظفي جريدة وطنية تتحدث عن شهداء القلعة أو الحرب مثلاً؟
أجابتني: ربما العالمية هي السبب.
فأقنعتها بأن المحلية قاعدة للعالمية، وأن الجريدة بلغتنا العربية ومعاناتنا هي الأساس الذي يصل للعالم الأجنبي الذي لا يوظف جرائدنا العربية في أعماله، فوعدتني أنها ستنجز ذلك في أعمال لاحقة لتكون توثيقية أيضاً.
الرقص ألماً
وعن لوحاتها الثلاث، قالت د. بريفان سيدو: أرسم فسيفسائي الحديثة بكافة الألوان، لترقص الأولى الباليه، والثانية اللاتيني، والثالثة حلب الراقصة من الألم، وأعبّر عن نفسي فقط بكلّ جرأة وعفوية وبساطة.