محاولات إصلاح القطاع العام الصناعي لم تُفلح أمام الأبواب المغلقة للجهات المعنية..؟
دمشق- بشير فرزان
انتقد التقرير الاقتصادي للاتحاد العام لنقابات العمال الإجراءات التي تمّت في مسار إصلاح القطاع العام الصناعي، حيث لفت إلى أن الأزمة الحالية أضافت إلى المشكلات المتراكمة المزمنة التي يعاني منها هذا القطاع مشكلات أخرى، وهو الذي عانى وما زال يعاني من إهمال غير مبرّر خلال العقد الأخير نتيجة عدم الجدية في إصلاحه، وعدم قناعة الحكومات المتعاقبة بضرورة وجدوى هذا الإصلاح، ولا حتى محاولات طرح بعض شركاته للاستثمار الخاص (وكنا وما زلنا نتحفظ عليها)، لذلك لم تُفلح محاولات الإصلاح أمام الأبواب المغلقة للجهات المعنية ورفضها لسياسات التجديد والإبدال، ما أدخل الشركات التابعة لوزارة الصناعة (على وجه الخصوص) في نفق التعثر والخسارة!.
وأوضح التقرير أنه إذا كان للجهات المعنية سابقاً وجهة نظر، ربما تتطلّب المناقشة، إلا أن الواقع اليوم في ظل الأزمة، الذي يُحتّم تفعيل دور الدولة وتدوير عجلة الإنتاج يجعل من الضروري الإسراع في إصلاح القطاع العام الصناعي، ودعمه وتفعيل مؤسساته وشركاته، في ظل القيود التشريعية والقانونية الرقابية التي تقيد عمله الإداري والمالي والإنتاجي والتسويقي والاستثماري، عدا عن تقصير الحكومة بتأمين التمويل اللازم له لتجديد الأصول وإجراء الصيانة وتغطية التكاليف الإنتاجية والتشغيلية.
وفيما يتعلق بما يجري حالياً بخصوص إصلاح القطاع العام، أكد التقرير أنه يبقى في مرحلة الإرادات والنوايا والتصريحات، وما يصدر عن لجنة إصلاح أضرار القطاع العام يتركز على إعادة بناء ما تهدّم من بنية تحتية وأبنية، ولا يتعلق بالإصلاح الذي تعنيه النقابات. واستقرأ التقرير ما حصل خلال المرحلة الماضية (ما قبل الحرب)، فقد تمّ التركيز على تصفية جزء من القطاع العام الصناعي أكثر مما يتمّ التركيز على عملية الإصلاح بحدّ ذاتها، وذلك من خلال الاستثمار والمشاركة مع القطاع الخاص. وقد لا تكمن المشكلة في الهدف أو الفكرة، بل في آلية التنفيذ ونزاهتها وموضوعيتها، أي في كيفية وشروط وآلية هذا الاستثمار وهذه المشاركة، وربما في العقود والشروط الفنية والمالية والقانونية والإدارية، من حيث عدالتها وتوازنها وموضوعيتها، بحيث تضمن حقوق الطرفين المتعاقدين وحقوق العمال، وحق الدولة في الوقت ذاته.
كما ركز التقرير على أهمية شحذ الهمم وتوظيف جميع الطاقات الوطنية، البشرية والمادية، واستنهاضها لمواجهة هذه التحديات بأقلّ قدر ممكن من الخسائر، وبأسرع زمن ممكن. ولفت إلى أن ذلك يتطلّب من جميع الجهات الحكومية والفعاليات الرسمية وغير الرسمية اتخاذ إجراءات وخطوات وقرارات استثنائية وحاسمة على مختلف الصعد والمستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، على المدى القصير والمديين المتوسط والبعيد.
وحدّد التقرير أهم منعكسات الظروف الاستثنائية الحالية والتي تتجسّد بتراجع معدل النمو الاقتصادي إلى حدّ النمو السلبي وانخفاض الطلب، حيث إن ارتفاع معدل البطالة وتقلّص فرص العمل وزيادة نسبة الفقر من جهة، وارتفاع الأسعار التضخمي من جهة أخرى، أدّت على المستوى الفردي والكلي إلى انخفاض مستوى الدخل وضعف القوة الشرائية، وبالتالي إلى تقلص وانحسار الطلب، وحتى على السلع والخدمات الضرورية والغذائية.
وبيّن التقرير انخفاض العرض السلعي بسبب توقف أو تقلّص الكثير من الأنشطة الإنتاجية الصناعية والزراعية والسياحية والحرفية والخدمية والتجارية، وفي قطاع البناء وقطاعي النقل والشحن، ومن أشدّ المتضررين من الأزمة القطاع السياحي وشريحة واسعة من المزارعين والفلاحين.
ولفت التقرير إلى التضخم وارتفاع الأسعار (رغم انخفاض الطلب)، وذلك بسبب ارتفاع تكاليف الاستيراد وتكاليف مستلزمات الإنتاج (المحلية والمستوردة)، نتيجة العديد من العوامل، بما فيها ارتفاع سعر القطع الأجنبي وأسعار الوقود والطاقة وتكاليف الشحن ومستوى الأجور، وهذا يعني تراجعاً في مستوى معيشة السواد الأعظم من المواطنين، مشيراً إلى عدم إمكانية إغفال الأسباب الأخرى (غير المبررة)، ومنها الاحتكار والاستغلال والتلاعب بالأسعار، وخاصة ما يتعلق بأهم السلع الضرورية والغذائية والعلفية ومواد ومستلزمات البناء.
وأكد التقرير أن هذه العوامل أدّت إلى التراجع الشديد بالتجارة الخارجية، نتيجة انخفاض حجم الصادرات وحجم المستوردات، وهذا يعني تقلص حجم الاقتصاد السوري وارتفاع نسبة البطالة، وبالتالي معدل الفقر، بما في ذلك أصحاب الأنشطة الحرفية والمهنية وأنشطة العمال المياومين والعاملين في القطاع غير الرسمي وغيرهم من الشرائح التي تغطي تكاليف معيشتها من دخلها اليومي، وبطء حركة الاستثمار ووتيرة أنشطة البناء المرخّص والمشروعات العقارية والسياحية، مما يعني مزيداً من التعثر المالي لأصحاب المشروعات ومزيداً من البطالة وتراجع العمل والنشاط المصرفي إلى الحدود الدنيا، وبالتالي تعطّل عمليات التسليف والإقراض، وذلك في المصارف العامة والخاصة، مع تحقق خسائر وضعف في التسديد، وهذا ما أضاف مشكلة تمويل جديدة إلى جانب المشكلات الأخرى التي يعاني منها قطاع الأعمال الاقتصادي عموماً، والمنشآت المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر على وجه الخصوص، إلى جانب تراجع الاستثمارات الخارجية والمخزون من القطع الأجنبي وازدياد عجز الموازنة العامة للدولة والمؤشرات الاجتماعية الكلية كزيادة عدد الفقراء وتقلص البنية التحتية للتعليم، بعد تدمير أكثر من (2500 مدرسة)، وزادت عليها كارثة الزلزال التي حلّت بسورية وأضرّت بالبنية التحتية للتعليم، وخاصة في محافظتي حلب واللاذقية، وتقلص المنظومة الصحية.