“شُرفات الحَنين”.. أشجان الوطن بأسلوب شعري حداثي
عبادة دعدوش
مع الأسف لم تلقَ “شرفات الحنين” المجموعة الشعرية الصادرة عن الهيئة العامة السورية للكتاب، للشاعر قاسم فرحات اهتماماً من قبل النقاد رغم كونها حائزة على المركز الثاني في مسابقة نزار قباني، ورغم ما امتازت به جُلُّ قصائدها من استثمار لفنيات الكتابة الشعرية الحداثوية.
كلَّ يومٍ أرتمي في رُدهَةِ الليلِ
وأرتاحُ على صدرِ الزمانْ
أقطفُ اللحظاتِ عن داليةِ الذكرى
أرى الأمسَ عبيراً يتفشّى في المكانْ
إنَّهُ الماضي تَدلّى!
أيُّها الماضي اقتربْ
أهلاً وسَهلاً
هاتِ أيامي البعيدهْ
الحنين إلى الوطن، تمثل القيم الإنسانية التي يُجسدها الفدائيون، الحُب بوصفه مؤنساً للنفس.. وعديدٌ من الموضوعات الأخرى وكثيرٌ من الفنيات الحداثوية، هو ما شَكَّلَ قصائد المجموعة ائتلافاً حول عاطفة جياشة.
كثرت التعابير الموحية بأكثر من معنى مما جعل القصائد منفتحة الدلالة، كما عَمدَ الشاعر إلى الأنسنة في أكثر من موضع، والأنسنة في معظم الأحيان وسيلة لتقريب الشيء من وجدان المُتلقي، فيجعل له الشاعر لحماً ودماً وروحاً، وقد أنسن فرحات القصيدة في حضرة الفدائيين:
وأقولُ: عذراً لو تَلعثمتِ القوافي عندكم
لن تستطيع يدُ القصيدةِ
أن تلملمَ عطركم
لن تستطيع عيونُ ألفاظِ البلاغةِ وصفَكُم.
جماليات الصورة الشعرية عند قاسم فرحات:
صهيلُ الحرفِ من شَفتيكِ يُدهِشُنيْ
ويفرِشُني على سجادة الشِعرِ
ويُنعِشُني هطولُ العِطر
عندَ تَفتُّحِ الثغرِ
أُرابطُ قربَ بابِ الوَعدِ
أرقبُ كلَّ قافلةٍ من الكلماتِ
كما جاء في قصيدة “سوناتا اللهب” قوله: “في زحمة العمر الكئيب”، نلحظ هنا كيف تأتي الجمالية من التناسب في مُكونات التشكيل في الصورة أو المشهدية الشعرية.. العمر الكئيب يزدحم، نعم فالهموم، كالديون مثلاً، كلّ شيء يتراكم في حياة المُحاصرين والبائسين حتى يشعروا بأن لا مكان لهم وسط الزحام، حتى “الزمان” يمضي وهم لا يستطيعون تغيير واقعهم وحرث أرض الواقع بمحراث الوقت، بسبب استلاب الغازي لعوامل التقدم والتطور، لذلك فقلوبهم شاردة في زحمة العمر الكئيب، وكلمة “شارد” وكلمة “زحمة” لا تُستخدمان عادة معاً.
“لا وقت عندي للألم” عبارة تدعو إلى التوقف عندها، هل هذا القول من قَبيل الإباء أم الإيثار أم ماذا؟.
كثيرٌ من الشعراء والكتّاب تحدثوا أن دواء الألم هو الأمل لكن لكلّ منهم أسلوبه، وقد عبَّرَ الشاعر فرحات بقوله: “هي نخلةُ الآمال.. تلسعني.. فتشغلني عن الألم المقيم على تخوم الوقت”، وفي استخدامه لكلمة “نخلة” نجد إشارة إلى كون الأمل مُتجذراً وأنه من مكونات المنطقة العربية، كما أن النخيل من أكثر الأشجار ثباتاً، لذا فآمال الفلسطينيين ثابتةٌ عاليةٌ لا تتزحزح، وقد استطاع الشاعر فرحات أن يجمع بين الابتكار في عملية “التخييل” وبين المعنى ليحقق الانسجام الذي يُحدثُ قوة التعبير على النحو الأمثل، كما جاء في قصيدة “وداع” على سبيل المثال:
الآن نُشعل صمتنا
لنذوب في عمرٍ جديدْ
وتمرُّ في أحداقِنا إيماءةٌ خَجلى
وظلٌّ هاربٌ نحو البعيد
يا حُلوتي..
هل تقبيلينَ بأن يصيرَ ودادُنا
نوفاً على حضن الورقْ؟!