دراساتصحيفة البعث

جولة زيلينسكي الاستعراضية

ريا خوري

لم يتوقف الحديث في العالم منذ عدة أشهر عن الهجوم الأوكراني المضاد ضد القوات الروسية، الذي أعلنه الرئيس الأوكراني فلوديمير زيلينسكي، لكن هذا لم يحدث على أرض الواقع، وسط تبريرات تربط تأخيره باستكمال وصول الأسلحة إلى أوكرانيا، حيث قام الرئيس الأوكراني بجولة أوروبية واسعة لحشد الدعم الدولي، وحثّ الغرب الأوروبي- الأمريكي على إرسال المزيد من تلك الأسلحة التي لوّح باستخدامها في عملياته العسكرية ضد القوات الروسية.

ومع أنّ الأسلحة التي يرغب فيها زيلينسكي قد وصلت بالفعل إلى أوكرانيا، إلا أن هجوم الربيع لم يحدث، وقد ينتهي الربيع ويأتي الصيف والخريف ويليهما الشتاء من دون أن يحدث، وإن حدث فإنه على الأرجح لن يحقق النتائج المرجوة التي تغنّوا بها، بحسب كثير من الخبراء العسكريين الاستراتيجيين.

لقد أثبتت الحروب الحديثة أنه لم يعد ثمّة مجال لعنصر المباغتة، فكيف إذا كان الحديث يجري بشكل يومي وعلى أوسع نطاق عن هجوم مضاد منذ عدّة  أشهر؟ في الحقيقة هناك خوف وقلق حقيقي من زجّ الجيش الأوكراني في هجوم قد يؤدي إلى تدميره بالكامل وتفتيت عراه، بعد كل هذا التسليح والدعم اللوجستي المتواصل. في المقابل، من الواضح أن القيادة السياسية والعسكرية الروسية تأخذ في حسبانها مثل هذا الهجوم، وحتى أي هجوم، وتستعد له لإدراكها أن المعركة تجري بينها وبين الغرب الأوروبي- الأمريكي كله على أرض أوكرانيا. وبالتالي فهي معركة مصيرية تحتّم على القوات الروسية أن تحتفظ بالضربة الأخيرة مهما يكن، والأخذ في الاعتبار إمكانية فتح جبهات أخرى على حدودها، أو إمكانية اندلاع حرب مباشرة مع حلف شمال الأطلسي (الناتو) الذي يستعد بدوره لمثل هذا الاحتمال الكبير.

وسط كل هذا، قام الرئيس الأوكراني بجولته الأوروبية لضمان توفير مقومات إنجاح هجومه المضاد، ولمعرفة إلى أي مدى يمكن للغرب الأوروبي- الأمريكي الذهاب في تقديم الدعم الكامل له، خاصة وأنّ استراتيجية الغرب باتت واضحة لجهة استنزاف روسيا إلى أطول فترة ممكنة، وتقديم المال والسلاح بسخاء، وكل أنواع الدعم العسكري واللوجستي المطلوب، وتأمين الغطاء السياسي الدولي لأوكرانيا، بهدف إضعاف روسيا، لأن كلفة ذلك كله تبقى أقل بكثير من خوض حرب مباشرة مع الجيش الروسي والتي تهدّد أوروبا كلها.

في خضم المخاطر والتهديدات، فإنّ الغرب الذي يملك إرادة إجبار أوكرانيا على التفاوض، يسعى عبر رفع سقف دعمها العسكري واللوجستي والغطاء السياسي الدولي إلى حدّه الأقصى، وممارسة سياسة حافة الهاوية، ودفع القيادة الروسية للجلوس حول طاولة المفاوضات بشروطه هو. غير أن معظم  المعطيات تشير مؤكدةً إلى أن روسيا ليست في هذا الوارد أبداً، بقدر ما أن الغرب الأوروبي- الأمريكي نفسه، متناسين أن روسيا لاعب كبير وأساسي في منظومة قيادة العالم رغم أنوفهم.