بين إدارات الأندية والمدربين حلقة مفقودة تربطها النتائج.. إلى متى ستبقى الكوادر الفنية الخاصرة الضعيفة في كرتنا؟
البعث الأسبوعية-ناصر النجار
تغيير المدربين من أهم المشاكل التي تعترض كرتنا على صعيد الأندية، وهي حالة سلبية بكل أبعادها لأنها تحرم الأندية من الاستقرار الفني، وهذا الاستقرار هو الخطوة الأولى بعالم البناء والتطور والتطوير، لذلك فإن أنديتنا ستبقى تدور في حلقة مفرغة دون أن تتقدم قيد أنملة في هذا العالم الساحر، ولعل ما نراه من ضعف في المستوى والأداء في ملاعبنا هو نتيجة حتمية لهذه العلة والداء المزمن، ناهيك عن كونه باباً من أبواب الإنفاق الذي لا طائل منه فكل مدرب جديد له عقد جديد وله مبلغ مالي متفق عليه، فعند تغيير المدرب يضطر النادي للدفع مرة أخرى للمدرب الجديد ومرة ثالثة للمدرب الثالث وهكذا، وهذا يزيد من حجم الانفاق والمصروف دون أن يكون هناك مبرر للتغيير في الكثير من الأحيان، ولو أن الأمر كان متعلقاً بالمدرب وحده لهان الأمر، لكن الموضوع متعلق بطاقم تدريبي وإداري كامل، فكل مدرب صار لديه فريق عمل من مساعد ومعد بدني ومدرب حراس، وعلى الأقل يوجد مدرب مساعد مع المدرب الرئيس يرافقه بكل عقوده وانتقالاته، لذلك عندما نقول إن الدوري غيّر عشرين مدرباً فهذا يعني أن التغيير طال أكثر من ستين مدرباً فضلاً عن مدراء الفريق والإداريين وأصحاب الاختصاصات الأخرى.
أسباب التغيير
قبل أن ندخل في الأسباب التي تدفع الأندية إلى تغيير مدربيها فإننا نذكر تصريح المدرب الهولندي لمنتخبنا الشاب مارك فوته عن هذا الأمر بقوله: من أكبر أخطاء الكرة السورية عدم الثبات على مدرب في الأندية، وتغيير المدربين لا يفي بالهدف والغاية ضمن الموسم الواحد ولا يحقق المطلوب من هذا التغيير، مستشهداً بالقول إن الفرق التي غيرت مدربيها لم تحقق ما تريده وبقيت على حالها إن لم يكن الحال ازداد سوءاً، وإن الاستقرار الفني هو الذي يولد البناء الصحيح والتطوير المطلوب الفعال.
ونعود لنقول إن أسباب تغيير المدربين كثيرة وعديدة وأغلبها غير مقنع وهي بكل حالاتها إما أسباب مزاجية أو إدارية أو فنية، وإذا عدنا إلى المربع الأول في بداية الموسم الكروي فإن الأندية تبدأ اتصالاتها لاختيار مدربها والمدربون بدورهم يختارون بالتعاون مع الفنيين بالنادي اللاعبين وفقاً لخطة موضوعة ووفقاً لهدف المشاركة بالدوري، ففريق هدفه البطولة وآخر هدفه إثبات وجوده وشخصيته وهويته وغيره هدفه عدم الهبوط.
في كرتنا بات كل المدربين مكشوفين ومعروفين وذاتياتهم محفوظة عن ظهر قلب وكذلك انجازاتهم وما قدموه من مستوى، والحقيقة أن كل شيء معروف ومكشوف في كرتنا حتى اللاعبين والحكام وغيرهم، لذلك فإن عملية اختيار المدربين ليست بالعملية الصعبة ويمكن لهذه الإدارات ان تضع قائمة بالمدربين المطلوبين الذين ترغب بالتعاقد معهم ضمن رؤية الفريق وإمكانيات الإدارة ومستوى الفريق ولاعبيه، وحسب الخيارات المطروحة ستتفق الإدارة مع مدرب معين، فلولا قناعة الإدارة بالمدرب ما تم التعاقد معه ولولا قناعة المدرب بالنادي والفريق لم يكن ليتفق معهم، فالمسؤولية باتت مشتركة، والإدارة من المفترض أن تدعم المدرب وتنفذ طلباته وتقف معه وتمنحه الفرصة كاملة ليعطي ما عنده.
لكننا في بعض الأحيان نجد أن المزاجية هي التي تحكم صيغة العلاقة بين النادي والمدرب، وبعض الإدارات للأسف تظن أنها بالعقد مع المدرب امتلكته وصار عبداً لها وبات لزاماً عليه أن ينفذ طلباتها، لذلك نجد أن الخرق في الاتفاق بدأ بصور مختلفة وفي طليعتها أن من بين الإدارات من تفرض على المدرب بعض اللاعبين وقد تكون لها رؤية في التشكيلة النهائية وطريقة الاستعداد وما شابه ذلك، ومن الخرق انها تتنصل من وعودها أمام المدرب بالتعاقد مع لاعب أو أكثر تم الاتفاق عليهم والفريق بحاجتهم لتقوية بعض المراكز أو سد الخلل والنقص في مراكز أخرى.
الجانب المالي
ثاني الأسباب يكمن في الإخلال بالشروط المالية، فالاتفاق أحياناً يكون شيئاً والتنفيذ شيئاً آخراً، والحجة دائماً ضيق الحالة المالية، وهذا كله يعود لسببين، أحدهما: أن تكون حسابات النادي هوائية، أي إنها تبرم عقودها دون أن تعرف ميزانيتها ولا تدري حجم الأموال التي ستأتيها وخصوصاً أن عقودها تتجاوز في الكثير من الأحيان حجم مواردها واستثماراتها لذلك تلجأ إلى المماطلة بتنفيذ عهودها وإلى التخفيض من هذه العقود بحجج كأن تكون النتائج غير ملبية مثلاً، فتربط المال والعقود بالنتائج التي يحققها المدرب.
وثانيهما أن الأمر مزاجي ومتعلق بمدى علاقة المدرب مع آمر الصرف وعلى الأغلب فإن آمر الصرف هو رئيس النادي، فإن كان المدرب على علاقة جيدة معه ويلبي طلباته قبض ما يريد، وإن كان غير ذلك بأموره كلها ستكون ضبابية.
الأسباب الإدارية التي تنهي العلاقة بين الإدارة والمدرب عدة، منها أن يكون المدرب قد جاء للنادي بتوصية من أحد أعضاء الإدارة أو من أحد المتنفذين داخل الإدارة أو خارجها، وفي حال حصول خلاف بين الإدارة وهذا الشخص فإن المدرب يصبح غير مرغوب به ويدفع ثمن هذه الخلافات الشخصية والداخلية التي لا ذنب له بها.
ومن الأسباب الإدارية أيضاً تغيير إدارات الأندية أو ترميمها، وهنا نجد أن القادمين الجدد يريدون مدرباً على هواهم، وكلنا يعلم ان كل إدارة جديدة تأتي تصطحب معها من يواليها، ومن أجل ذلك يكون التغيير دون النظر لمكانة المدرب أو كفاءته، وحدث هذا كثيراً.
من هنا نجد أن كل هذه العمليات لا تستند إلى شروط موضوعية أو فنية، إنما هي حالات لا تستند إلى المنطق والعلم تؤدي بمحصلتها النهائية إلى العبث بفريق كرة القدم.
مسؤولية كاملة
منطقياً الإدارة التي اختارت المدرب هي المسؤولة عن خياراتها، وعليها أن تتحمل مسؤولة خياراتها والمفترض أن تكون صحيحة لأنها جاءت عن دراسة وقناعة، وعليها أن تبث روح الجماعة والاستقرار بالفريق مع تقديم كل الدعم للمدرب وإعطائه الفرصة الكاملة ليوصل أفكاره للاعبين وليحقق التناغم والتجانس مع كل لاعبيه، وهذا يفترض أن يكون مواكباً للهدف الذي وضعته إدارة النادي من مشاركتها بالدوري وممارسة كرة القدم، فهناك أندية هدفها بطولة الدوري وأخرى هدفها مركز جيد وأخيرة هدفها الثبات وعدم الهبوط إلى الدرجة الأدنى.
الثبات والاستقرار سيولد بالفريق الواحد الراحة والأمل بمستقبل أفضل، فالمدرب عندما يدرب فريقاً موسماً كاملاً سيرتفع مع فريقه في الموسم الذي يليه، لأن التناغم قد تحقق من خلال اللاعبين الذين استوعبوا أسلوب المدرب وطريقته، ومع بعض التغييرات البسيطة على الفريق حسب حاجته وضعف مراكزه فإن الهدف سيتحقق لأن هذه الخطوة هي الأولى بعملية البناء والتطوير في كرة القدم.
ودوماً نجد أن الأندية تخشى من الاعتماد على اللاعبين الشبان الموهوبين بحجة أنهم يفتقدون للخبرة، والأندية في هذه الحالة تلجأ إلى السوق لتتعاقد مع بعض اللاعبين وإن كانوا يملكون الخبرة إلا أنهم في المحصلة العامة لن يقدموا النتائج الجيدة وخصوصاً أولئك الذين بلغوا سن الاعتزال وتجاوزوه، ولهذا السبب فإن أنديتنا لأنها تعتمد على هؤلاء باتت فقيرة كروياً وبات الدوري ضعيفاً، فأنديتنا أخمدت المواهب الشابة في مهدها ولم نعد نجد الدماء الشابة تكسو كرتنا فتراجعنا كثيراً، ويفترض أن تبادر أنديتنا لتشكيل فرقها من خليط من لاعبي الخبرة والنجوم والشبان إن كانت تريد كرة قدم متطورة تخدمها لسنوات عديدة.
لكن السؤال الملح الموجه إلى إدارات الأندية: ألا يدل تبديل المدربين لمرتين أو ثلاثة أو أربعة في الموسم الواحد يدل على فشل هذه الإدارات في خياراتها؟ مع العلم أن عمر الدوري عندنا قصير ولا يتجاوز الـ 22 مباراة في كل الموسم.
نظرة فنية
الأسباب الفنية التي تؤدي إلى تغيير المدربين هي النتائج التي يحققها الفريق، والمشكلة أن المدربين عندما يبدأ بخسارة أو اثنتين وتعادل يصبح على قائمة المبعدين دون النظر في الأسباب ودون منح الفريق عوامل النجاح، وهذا أمر خاطئ بالمطلق، وعلى سبيل المثال بدأ طارق الجبان مع الكرامة بثلاث خسارات وبدأت الأصوات تطالب بإقالته، لكن إدارة النادي دعمت المدرب والفريق فخرج الجميع من عنق الزجاجة وبدأ الفريق يحقق نتائج ملفتة ليكون تصرف إدارة نادي الكرامة صحيحا بالمطلق وهذا ما يجب أن تحذو بقية الأندية حذوه.
النتائج بعالم كرة القدم لا يتحملها المدرب وحده قد تكون هناك أسباب بعيدة كل البعد عن العوامل الفنية كسوء أرض الملعب وعدم توفيق اللاعبين أو قرار تحكيمي جائر أجهز على الفريق وكان سبباً في خسارته.
وهناك أساب تتحملها الإدارة فمثلاً الخلافات الإدارية واضطراب أوضاع النادي الداخلية تنعكس سلباً على الفريق فيهتز أداؤه وتهبط روحه المعنوية، أيضاً عندما لا تفي الإدارات بالتزاماتها المالية تجاه اللاعبين، نجد أن الفريق كله يتذمر وتهبط روحه المعنوية وينخفض أداء اللاعبين إلى درجة تجعلهم عرضة لسوء النتائج.
سوء النتائج يجب ألا يكون في كل الأحوال مبرراً للتغيير، وكما نشاهد في الدوريات العالمية أن أقل مدرب يبقى مع ناديه موسمين على الأقل ثم يتم تقييم عمله ولا يتم النظر للنتائج في هذين الموسمين إنما يتم تقييم عمل المدرب في التمرين وفي المباريات وأسلوب تعاطيه مع اللاعبين ومع عالم كرة القدم، وعندما يصل المقيّمون من أهل الخبرة والاختصاص أن هذا المدرب لم يعد يملك إضافة للفريق يتم استبعاده.
في الدوري المحلي فإن الحسابات التي يعرفها الجميع أن الفائز ببطولة الدوري فريق واحد، وقد يكون مدرب هذا الفريق خدمته الظروف من خلال تشكيلته الجيدة وإدارته الواعية، وهذا لا يعني ان بقية المدربين الذين احتلت فرقهم المراكز التالية فاشلون فربما لم تخدمهم الظروف كما خدمته، والكلام نفسه ينطبق على فرق المؤخرة فليس من الضروري ان يكون مدرب الفريق الهابط ليس جديراً بما قدمه وما اجتهد به، البطولة تحتاج إلى عوامل كثيرة وظروف محيطة مساعدة، ومثل ذلك عملية النجاة من الهبوط، وحسب المواسم السابقة نلاحظ أن الفريق البطل هو الفريق الأكثر استقراراً من غيره، وكذلك الناجون من الهبوط، فعملية الاستقرار الإداري والفني هما أهم شرطيين لنجاح الفريق وتحقيق ما يصبو إليه.
لوم وعتاب
في هذه المسألة فإن المدربين تقع عليهم مسؤولية كبيرة عند توقيع العقد، وحتى لا يكون المدرب ضحية أمور لا علاقة له بها، فعليه أن يضمن حقوقه من خلال بند جزائي في حال الإقالة التعسفية، فالموضوع صار موضوع كرامات وسمعة مدرب، ولأن التدريب بات مهنة يحصل من خلالها المدربون على أسباب معيشتهم فعليهم أن يحصنوا هذه المهنة وألا يقبلوا بأي عقد من أجل العمل والرزق فقط، فسمعتهم الفنية أهم بكثير من عمل يؤدي إلى ضرر نفسي ومعنوي.
لذلك فالأمل أن يبادر المدربون إلى ضمان حقوقهم كاملة عند توقيع العقد حتى لا يبقى المدرب الحلقة الأضعف في كرتنا.