دمشق في قلب الجغرافيا السياسية الجديدة للشرق الأوسط
هيفاء علي
إن ما يتضح عندما تمشي في شوارع دمشق هو الفخر والصمود المذهلين للشعب السوري، لذلك وبعد أن عانى في مواجهة الحرب الأمريكية وحلفائها، “داعش والقاعدة”، يحق للشعب السوري أن يرفع رأسه.
هذه الكلمات ليست لمواطن سوري، بل هي لباتريشيا لالوند، المكلفة سابقاً باتفاقية الشراكة الأوربية مع المغرب، من قبل الاتحاد الأوروبي، والتي زارت سورية مؤخراً، وشاهدت بأم العين آثار الحرب المدمرة، وتبعات العقوبات الاقتصادية الغربية الجائرة ضد الشعب السوري. وبنفس الوقت لمست روح الصمود والانتصار عند السوريين الذين قابلتهم، وروح الانتصار على أشرس حرب في التاريخ التي تم سكب أموال طائلة على تمويلها وإمدادها بالأسلحة وبالمرتزقة الذين تم استقدامهم من كافة أرجاء العالم، بهدف تدمير الدولة السورية وقتل روح الحياة عند السوريين.
وأوضحت باتريشيا أن عودة سورية إلى جامعة الدول العربية تمثل بداية عهد جديد لسورية، حيث ساعدت روسيا وإيران، اللتان جاءتا لمساعدة ومحاربة الارهابيين في سورية، بالإضافة الى الحرب في أوكرانيا، في تعجيل الأحداث وإعادة توزيع الأوراق. ومن ثم أدركت بعض الدول الأوروبية نقطة التحول الكبرى هذه في الشرق الأوسط، فأعادت إيطاليا فتح سفارتها في دمشق، والمناقشات جارية مع ألمانيا وإسبانيا، ومن المؤمل أن توافق فرنسا على مواجهة هذا الواقع، على حد تعبيرها.
وأضافت أن الشعب السوري بقي موحداً خلف رئيسه الذي استطاع مواجهة موجة الارهابيين التي جاءت من كافة أرجاء الأرض لتدمير بلدهم، وارتكاب أبشع الجرائم بحق المدنيين والعسكريين، بتواطؤ تام مع الغربيين لتنفيذ الخطط الأمريكية المتعلقة “بزعزعة استقرار الدولة السورية”.
ولفتت إلى أن الشرق الأوسط يرسم الآن مصيره بنفسه، والاتفاق التاريخي بين إيران والمملكة العربية السعودية تحت رعاية الصين شكّل بالفعل صدمة حقيقية للغربيين. ومنذ ذلك الحين، كانت الأحداث تتسارع، حيث كان وفد صيني قد زار دمشق في الأيام الماضية، فيما هناك أحاديث عن فتح مفاوضات سرية في عمان بين السوريين والأمريكيين، ما يدل على المحنة الكبيرة التي تعترض الأمريكيين، والمفاوضات تدور حول رحيل القوات الأجنبية، وفي المقام الأول رحيل القوات الأمريكية اللاشرعية، التي تحتل المناطق التي تتواجد فيها حقول النفط السورية، وهي على قائمة هذه المناقشات.
وهكذا تفرض إيران وروسيا وجامعة الدول العربية الآن أجندتها في المنطقة، حيث استقبل الرئيس بشار الأسد، الرئيس الايراني ابراهيم رئيسي في دمشق للمرة الأولى منذ اندلاع الحرب ضد سورية قبل 12 عاماً. كما أنهت المملكة العربية السعودية حربها الكارثية في اليمن، ما أعطى بعض الأمل للشعب اليمني الذي يواجه أسوأ أزمة إنسانية، أما بالنسبة للأميركيين، فهم يدفعون السعودية للاقتراب من “إسرائيل”، الخاسر الأكبر المحتمل لهذا التقارب الجديد بين إيران والسعودية.
وفي الختام توضح باتريشيا أن دول المنطقة العربية والإقليمية لم تعد تريد التدخل الغربي وتريد السلام، وأنه يجب على فرنسا أن تتبع هذه الحركة الحتمية في الشرق الأوسط، وتطالب بإنهاء العقوبات واستئناف التواصل مع الحكومة السورية، مضيفةً أن أصدقاء فرنسا كثيرون في سورية، وهم حزينون لأنهم لا يرون أي تفسير لصمت فرنسا المريب، ولا يفهمون حتى التصريحات المستفزة والصارخة التي أطلقتها وزيرة الخارجية الفرنسية كاترين كولونا حول القيادة السورية.
وفي سياق متصل، أشارت مجلة “نيوزويك” الأمريكية إلى أن سياسة جو بايدن تجاه سورية تلقت أكبر صفعة لها بعودة سورية إلى جامعة الدول العربية، ودعوة الرئيس بشار الاسد لحضور القمة في جدة رغم معارضة الولايات المتحدة. وبحسب دبلوماسيين في نيويورك فإن عودة سورية تأتي برسالة إلى الولايات المتحدة بأنه يتعين عليها إنهاء وجود قواتها العسكرية المحتلة وغير الشرعية على الأراضي السورية. وأضافت أن المقاطعة الإقليمية ضد سورية بدأت في التصدع في كانون الأول 2018 عندما أعلنت البحرين والإمارات العربية المتحدة أنهما ستعيدان فتح سفارتيهما في دمشق، بينما ازدادت قائمة التبادلات الرسمية بين سورية والدول العربية في المنطقة، مع الاشارة بشكل خاص إلى زيارة الرئيس الأسد إلى الإمارات العربية المتحدة، والتي كانت أول رحلة له إلى دولة عربية منذ بداية الحرب.
وقد اعتبرت المجلة أن إعادة التأهيل الدبلوماسي انتصاراً لسورية ولدول أخرى في المنطقة، انطلاقاً من إيمان الجمهورية العربية السورية بأن الاتجاهات الإيجابية والتبادلات الجارية في المنطقة تصب في مصلحة جميع هذه الدول، وتسهم في إعادة الأمن والاستقرار إلى المنطقة، وتسمح بتوجيه الجهود والقدرات نحو رفاهية شعوبها. وقد شاركت سورية بشكل بناء في هذه الجهود انطلاقاً من إيمانها بالحوار والدبلوماسية والعمل المشترك، فضلاً عن رغبتها في إقامة أفضل العلاقات مع الدول الأخرى. وعندما يتعلق الأمر بالسياسة الأمريكية، فإن مطالب الحكومة السورية لإدارة بايدن ذات شقين، بحسب البعثة الدبلوماسية السورية في الأمم المتحدة، فعلى الصعيد العسكري، على الإدارة الأمريكية التخلي عن سياساتها العدائية تجاه سورية والبدء في سحب قواتها من الأراضي السورية والتوقف عن دعم الميليشيات غير الشرعية والكيانات الإرهابية. والشق الثاني يتعلق بإنهاء العقوبات الجائرة التي تخنق الشعب السوري، بالإضافة إلى الأزمة الاقتصادية والتضخم الهائل الذي يعاني منه الأمريكيون الذين يطالبون بالتوقف عن إهدار أموال دافعي الضرائب الأمريكيين من خلال إنشاء قواعد عسكرية غير مشروعة في سورية بذرائع ثبت أنها كاذبة، مثل الدفاع عن الأمن القومي للبلاد. وفيما يتعلق بالوضع الاقتصادي الصعب في سورية، أكدت البعثة السورية أن على الإدارة الأمريكية أن تتولى الرفع الفوري للإجراءات القسرية المفروضة على السوريين، والتي تشكل بالنسبة لهم عقاباً جماعياً، وأكبر عقبة أمام تحسين الأوضاع الإنسانية والظروف المعيشية، وتوفير الخدمات الأساسية مثل الكهرباء والمياه والرعاية الصحية.