كيف ستعرّض الخدعة الأمريكية بشأن “إزالة المخاطر” الاقتصاد العالمي للخطر؟
بكين- شينخوا
على الرغم من خطابها المبالغ فيه بشأن ما يُسمّى بـ”التطلع إلى إزالة المخاطر والتنويع”، إلا أن الولايات المتحدة تعمل بالفعل على تسريع مخططها لـ”فك الارتباط عن الصين”. فالآن تسعى واشنطن، من خلال حشد المزيد من الحلفاء، إلى صياغة نظام موازٍ لإبعاد الصين عن مجالات مثل الاقتصاد العالمي والتجارة، فضلاً عن التكنولوجيا المتقدمة.
والواقع أن خطة واشنطن الرامية إلى خداع العالم ودفعه إلى الهدف الظاهري المتمثل في “إزالة المخاطر”، قد تفرض مخاطر هائلة على الاقتصاد العالمي وسلاسل الإمداد المتكاملين بعمق، وهو ما من شأنه أن يؤدي إلى مزيد من الانقسام والخسائر غير المرغوب فيها بمختلف أنحاء العالم.
في أعقاب قمة مجموعة السبع التي انعقدت في هيروشيما باليابان، عقدت الولايات المتحدة ما يُسمّى بالاجتماع الوزاري لـ”الإطار الاقتصادي لمنطقة المحيطين الهندي والهادئ” في 27 أيار الماضي، داعيةً وزراء التجارة في 14 دولة إلى تشكيل مجلس لتنسيق أنشطة سلاسل الإمداد وما يُسمّى بـ”شبكة الاستجابة للأزمات” لإعطاء إنذارات مبكرة لبلدان “الإطار الاقتصادي لمنطقة المحيطين الهندي والهادئ” بشأن أي انقطاعات محتملة في الإمدادات.
وبعدها بأربعة أيام، عقد مجلس التجارة والتكنولوجيا بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي اجتماعه الوزاري الرابع، الذي اتفقت فيه الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على تعزيز التعاون “لمعالجة السياسات والممارسات غير السوقية، والإكراه الاقتصادي”.
حاولت الولايات المتحدة، من خلال هذه الاجتماعات متعدّدة الأطراف، تأطير الصين على أنها تشكل “المخاطر المحتملة” المزعومة، من أجل “إزالة المخاطر” وفي الواقع من أجل احتواء الصين.
إن ما يُسمّى بإستراتيجية “إزالة المخاطر”، كما أشارت مجلة “فورين أفيرز”، تهدف إلى تحقيق ثلاثة أهداف عامة لاحتواء الصين والحدّ من قدراتها في القطاعات الإستراتيجية التي لها تداعيات على الأمن القومي، مثل أشباه الموصلات المتطورة وغيرها من التكنولوجيات المتقدمة، والحدّ من تأثير بكين على الغرب من خلال إضعاف الهيمنة الصينية على السوق بالنسبة لبعض المدخلات الأساسية، بما في ذلك المعادن الحيوية، وتقييد تأثير السوق الصينية في العالم. إن جوهر “إزالة المخاطر” يتلخّص في إنشاء “ساحة صغيرة ذات أسوار عالية” تستهدف الصين، والقيام بمحاولة أكثر دقة “لفك ارتباط الاقتصادات أو قطع سلاسل الإمداد”، بهدف استبعاد الصين وقمعها.
وقد أصدر المجتمع الدولي تحذيرات صارمة بشأن المخاطر العالمية التي يسبّبها خطاب “إزالة المخاطر”. إذ أشار نائب رئيس الوزراء السنغافوري لورانس وونغ إلى أن “إزالة المخاطر” بدلاً من “فك الارتباط” عن الصين سيؤدي أيضاً إلى اقتصاد عالمي أكثر تجزؤاً و”انفصالاً”، مشيراً إلى أن الاقتصاد العالمي المجزأ سيقسم العالم إلى كتل إقليمية متنافسة بشكل متبادل، وسيكون هناك قدر أقل من التجارة والاستثمار وانتشار الأفكار، وكلها أمور تشكل السبيل إلى التقدم الاقتصادي العالمي.
هل من الممكن للولايات المتحدة إذن أن تعمل على الترويج لفكرة “إزالة الطابع الصيني” تحت مسمّى “إزالة المخاطر”؟ الجواب هو لا بكل تأكيد، فهناك ما لا يقلّ عن ثلاث عقبات لا تستطيع الولايات المتحدة التغلب عليها.
أولاً: من الصعب تغيير هيكل السوق متبادل المنفعة بالنسبة للشركات الصينية والأمريكية. فمن طبيعتها أن تسعى الشركات إلى تحقيق الأرباح، ومن ثم لن تلتزم بشكل أعمى بالأوامر الحكومية التي تتعارض مع قواعد السوق. ثانياً: بالنسبة للمستهلكين، فإن غياب المنتجات “صينية الصنع” سيعني ارتفاع الأسعار وزيادة حدة التضخم. وفي النهاية، فإنه في الوقت الذي تخطّط فيه واشنطن لتحريض الحلفاء على احتواء الصين معاً، فإنه ليس من مصلحة معظم الدول، بما في ذلك الدول الأوروبية، القيام بذلك وستكون التكاليف باهظة للغاية. إن ما يُسمّى بـ”إزالة المخاطر” هو في جوهره “إزالة الطابع الصيني”.
تعدّ الصين ثاني أكبر اقتصاد في العالم، وشريكاً تجارياً رئيسياً لأكثر من 140 دولة ومنطقة، وأكبر دولة مصنّعة، ولا يمكن للعالم أن يستغني عن الصين. وفي تجاهل منها لهذه الحقيقة، تواصل الولايات المتحدة إرغام البلدان الأخرى على الانحياز إلى جانب، الأمر الذي لا يعطل السوق العالمية بشكل خطير فحسب، بل يهدّد أيضاً استقرار سلسلة الإنتاج والإمداد العالمية.
إلى جانب ذلك، تجدر الإشارة إلى أنه مع قيام الصين بتطوير علاقات اقتصادية أوثق مع بقية العالم، فإن تكلفة “إزالة المخاطر” أو “فك الارتباط” عن الصين أكبر بكثير في واقع الأمر مما قد تتوقعه بعض الدول وتتحمّله. والأهم من ذلك أن الصين بالنسبة لكثير من دول العالم ليست خطراً، بل مصدراً للفرص.
على مدى العقود الأربعة الماضية من الإصلاح والانفتاح، اكتسبت الصين مزايا هائلة من حيث البنية التحتية وحجم السوق وتجميع المواهب وإقامة التجمعات الصناعية، وظلت الصين نقطة جذب للقوى التجارية العالمية. فخلال زيارته للصين في أواخر أيار الماضي، أشاد إيلون ماسك مؤسّس شركة “تسلا” بحيوية البلاد وإمكاناتها، وأعرب عن ثقته في السوق الصينية، وعبّر عن استعداده لتعميق التعاون.
وعلى غرار ماسك، أعرب العديد من أقطاب الأعمال الدوليين مثل جيمي ديمون، رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي لشركة “جي بي مورغان تشيس”، ولاكسمان ناراسيمهان، الرئيس التنفيذي العالمي الجديد لشركة القهوة العملاقة الأمريكية “ستاربكس”، عن آمالهم في توسيع أعمالهم في ثاني أكبر اقتصاد في العالم.
تحت أي ظرف من الظروف لن يتمكّن التلاعب الماكر بالكلمات، الذي يتّبعه صقور واشنطن المتخذين لمواقف متشدّدة تجاه الصين، من كسر قواعد السوق، أو قطع الروابط الصناعية، أو عرقلة التبادلات بين الصين والدول الأخرى، ناهيك عن عرقلة التنمية السلمية في الصين. إن أي محاولة لإبعاد الصين عن بقية العالم سيكون مآلها الفشل.