بكين تعرقل خطط واشنطن لاحتوائها
تقرير إخباري:
جاء حديث وزير الدفاع الصيني لي شانغ فو في مؤتمر حوار شانغريلا الأمني في سنغافورة، ليضع النقاط على الحروف ويكشف السبب الأعمق لرفضه الاجتماع مع وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن على هامش “حوار شانغريلا”، فالعقوبات الأمريكية على الوزير “فو” ليست سوى رأس جبل الجليد في الكباش السياسي المشتعل بين بكين وواشنطن.
“فتدخل بلاد في الشؤون الداخلية لبلاد أخرى ودعم (الثورات) الملوّنة والفوضى وتعزيز النزعات الانفصالية وتسليحها” هو ما يشغل بال بكين حسب وزير دفاعها الذي أشار إلى الدور التخريبي لساكني البيت الأبيض في منطقة آسيا والمحيط الهادئ تلميحاً لا تصريحاً، أما في الشق الثاني من حديثه فقد كان موقف “فو” رافضاً للهيمنة الغربية، وقال: “الاحترام المتبادل يجب أن يتغلّب على الترهيب والهيمنة، نحن نعارض بشكل قاطع أن يفرض البعض إرادته على الآخرين، ويضع مصالحه فوق مصالح الآخرين ويسعى لتحقيق أمنه على حساب الآخرين”.
وحديث الوزير الصيني لا يمكن فصله عن مجمل التطوّرات في منطقة آسيا والمحيط الهادئ والعالم، فالصين شاهدة على التغوّل الأمريكي في آسيا وسعي الأخيرة لإنشاء تحالفات شبيهة بحلف شمال الأطلسي “ناتو” لمحاصرة بكين كحلف “أوكوس” وهو اتفاقية أمنية ثلاثية بين أمريكا وبريطانيا وأستراليا، وحلف “كواد” أو ما يعرف بالحوار الأمني الرباعي، غير الرسمي بين أمريكا واليابان وأستراليا والهند، كما يُراقب الجيش الصيني بحذر وحرص شديدين التحركات العسكرية الأمريكية في مضيق تايوان ولا يتوانى عن إرسال طائراته وسفنه الحربية لقطع الطريق على تلك التحرّكات، وإرسال رسالة أن بكين جاهزة للقيام بأي عمل عسكري رداً على استفزازها في مناطق نفوذها وسيادتها الإقليمية.
في المقابل تسعى واشنطن إلى التخفيف من حدّة الاستقطاب في علاقتها مع الصين بعد أن وصل إلى أعلى مستوى له في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب، وعلى الرغم من سقوط ترامب ووصول جو بايدن إلى رأس هرم السلطة فإن إدارة الأخير لم تلغِ القرارات التي اتخذها سلفه ضد الصين وإنما سارت على المنوال نفسه، ولكن الحرب الروسية الأوكرانية وسعي واشنطن لفصل بكين عن موسكو وتأجيل الصدام معها إلى وقت يتلاءم مع أجندات الصقور في واشنطن، دفعها إلى إرسال مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية “سي آي ايه” وليام بيرنز إلى بكين في شهر أيار الماضي حسبما أشارت تسريبات من واشنطن.
فأمريكا تعمل على محورين، الأول هو التهدئة مع الصين حتى تتمكّن من تطويقها وحصارها بالتحالفات والقواعد العسكرية في الإقليم، والثاني استكمال تجهيز جيش جزيرة تايوان الانفصالي وتدريبه على المعدات العسكرية التي تقوم بإرسالها بالأطنان لتحويل الجزيرة مستنقعاً شبيهاً بأوكرانيا، وعليه تتمكّن من إشغال القوّتين العالميتين المنافستين لها روسيا والصين في حروب جانبية، وبالتالي منع التحوّل إلى العالم المتعدّد الأقطاب، ولكن بكين وموسكو تراقبان تحرّكات واشنطن وتدرسانها بتأنٍّ، وحديث وزير الدفاع الصيني جاء في هذا السياق ولا يعبّر عن رأي بكين وموسكو وحدهما، وإنما هو توجّه لقوى عالمية آخذة بالصعود كالهند والبرازيل وجنوب إفريقيا وإيران وغيرها، وهي غير مستعدّة للعودة إلى الوضع السابق حيث كانت الكلمة الأولى والأخيرة لواشنطن.
إبراهيم ياسين مرهج