صوت العقل
معن الغادري
لم يعد خافياً أن أحد أهم أسباب تفاقم الأزمات والمشكلات الاقتصادية والمعيشية يعود في المقام الأول إلى سوء الإدارة والضبابية الواضحة في أساليب المعالجة، ومن زاوية أخرى نجد أن ترهل العمل الوظيفي وتفشي الفساد الإداري والمالي، والإصرار على اتباع سياسة الترقيع والحلول المجتزأة، يشكل سبباً إضافياً وجوهرياً لاستمرارية الوضع على ما هو عليه، والذي يزداد سوءاً، مع تراجع مؤشرات النمو والانتاج، واتساع مساحة المستفيدين والمنتفعين، والأمثلة والشواهد حاضرة وبقوة ويكثر تعدادها في حلب على وجه التحديد.
خلال الأيام الثلاثة الماضية بدا صوت العقل حاضراً والمقاربة منطقية إلى حد ما في ردود رئيس الحكومة على مداخلات وتساؤلات أعضاء مؤتمر فرع حلب للحزب، حول الكثير من الجوانب الاقتصادية والمعيشية، ما أعطى جرعة من التفاؤل بحدوث انفراجات غير قريبة ولكن لن تكون بعيدة.
أما الخبر السار والذي جاء على لسان رئيس الحكومة وأدخل الفرحة في نفوس كل الحاضرين، ومن سمع به لاحقاً، فكان في تأكيده بأنه تم تكليف الفريق الحكومي بوضع دراسة لزيادة الرواتب والأجور وهي في خواتيمها، وستكون مجزية، وتلبي الحاجة للتعاطي مع متغيرات الوضع الاقتصادي والواقع المعيشي الراهن.
في الواقع وبالرغم من وقع هذا الخبر السار، تلقاه البعض بحذر كبير مشروع، خشية من أن تذوب هذه الزيادة في تفاصيل إجراءات الدعم الحكومي والكلف والإنتاج وعدم قدرة الحكومة على ضبط الأسواق والأسعار، وبمعنى أوضح ربما ما ستعطيه الحكومة بيدها اليمين ستسترده بيدها الأخرى – وكأنك يا أبا زيد ما غزيت – وهنا لا بد من اتخاذ إجراءات استباقية رادعة قبل صدور الزيادة، كي لا يفرغها البعض من أهميتها وفائدتها في هذه الظروف الصعبة والقاسية التي يعيش فيها أصحاب الدخل المحدود والعاملين في الدولة.
وهي مسؤولية كبيرة تقع على عاتق الفريق الحكومي المكلف بوضع هذه الدراسة والوزارات المعنية وخاصة وزارة حماية المستهلك، بوضع ضوابط جديدة للعرض والطلب، ورسم سياسات حقيقية فاعلة وناجزة تمنع من امتصاص هذه الزيادة المتوقعة وبالتالي الانزلاق إلى المجهول، وتكون، أي هذه السياسات، قادرة فعلياً على مواجهة التحديات والصعوبات، وهو أقل ما يمكن فعله لاحتواء أي أزمة طارئة أو مفتعلة، ولعل الأهم أن تتضمن هذه السياسة، قواعد جديدة لمحاربة كل أشكال الفساد الإداري والمالي والفردي والجماعي، وبما يضمن عودة المكانة والهيبة لمؤسسات الدولة بتنوع مهامها واختصاصاتها، فهل سيتمر صوت العقل راهناً ومستقبلاً.