هدفها الدخول في مجموعة “البريكس” الشريك المفتاح في الوطن العربي وأفريقيا.. الجزائر وروسيا تعززان الشراكة الاستراتيجية
البعث الأسبوعية- هيفاء علي
وقعت الجزائر وروسيا “إعلان شراكة استراتيجية عميقة”، مما يدل على متانة العلاقات التاريخية والمتميزة بين البلدين. جاء ذلك خلال زيارة الدولة التي قام بها رئيس الجمهورية الجزائرية، عبد المجيد تبون، إلى روسيا الاتحادية مؤخراً، بدعوة من نظيره الروسي فلاديمير بوتين، استغرقت ثلاثة أيام، وكان شعارها البحث عن شراكات جديدة مع الحليف التقليدي خارج المجال الدفاعي والعسكري، والتأكيد على متانة العلاقات بين البلدَين رغم الضغوط التي تمارس على البلد المغاربي من الدول الغربية الرافضة لأي تعاون مع بوتين، جرّاء الحرب الدائرة في أوكرانيا.
وقد صدر إعلان مشترك حول تعميق الشراكة الاستراتيجية، و إبرام 8 اتفاقيات حول مجالات العدل، والاتصالات السلكية واللاسلكية، والزراعة، والثقافة، والموارد المائية، واستكشاف الفضاء للأغراض السلمية بين البلدين خلال حفل أقيم في الكرملين. وهكذا دخلت الجزائر وموسكو، المتحدتان بـ “العلاقات الاستراتيجية” منذ عدة عقود، “مرحلة جديدة” في شراكتهما بفضل زيارة رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، الذي استقبل استقبالاً رسمياً في قصر الكرملين في موسكو. وقد أشار الرئيس تبون إلى أن عدد الاتفاقيات ومذكرات التفاهم الموقعة بين الجزائر وروسيا يعكس بوضوح طموحنا لتوسيع آفاق التعاون. وأضاف أن الاتفاقيات الموقعة تدل على حرصنا المشترك على تكثيف وتوسيع التعاون الثنائي للارتقاء به إلى مستوى علاقاتنا التاريخية التي يعود تاريخها إلى أكثر من 60 عاماً، مهنئاً، بهذه المناسبة، نظيره الروسي على الاحتفال باليوم الوطني لبلاده في 12 حزيران.
وبالنسبة للرئيس الجزائري، فإن هذه الزيارة تشهد على الصداقة العميقة، ونوعية العلاقات القائمة بين البلدين، والتي ترجمت بدعم روسيا لانضمام الجزائر كعضو غير دائم في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، بالإضافة إلى الدعم الذي قدمته روسيا، مرة أخرى، لطلب الجزائر الانضمام إلى عضوية “البريكس”. ووصف تبون محادثاته مع نظيره الروسي بأنها مثمرة وصريحة ومخلصة، من حيث أنها تعكس مستوى العلاقات السياسية المتميزة، وتؤكد رغبتنا المشتركة في مواصلة تقليد التشاور السياسي القائم بين بلدينا. وأكدت الجمهورية الجزائرية أن الطرفين يعملان على تعزيز هذه العلاقات من خلال تشجيع التبادلات الاقتصادية والتجارية، وإقامة شراكات من أجل الاستفادة من التكامل الاقتصادي في البلدين، ومن تجربة روسيا الاتحادية في كافة المجالات.
من جانبه أكد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين متانة العلاقات التي تجمع البلدين، موضحاً أن الجزائر كانت من أوائل الشركاء التجاريين لروسيا، ومعتبراً في هذا الصدد، أن افتتاح تمثال تذكاري لمؤسس الدولة الجزائرية الحديثة الأمير “عبد القادر الجزائري” في ساحة وسط موسكو يشهد على متانة العلاقات الثنائية التي تجمع روسيا والجزائر. كما رحب الرئيس بوتين بـ التعاون بين البلدين، لا سيما في إطار “أوبك +”، ومنتدى الدول المصدرة للغاز، والذي من المرجح أن يضمن استقرار سوق المحروقات، مما يدل على رغبة البلدين في تكثيف التعاون في مجال التنقيب عن المحروقات وإنتاجها، وكذلك في مجال الطاقة النووية، ولا سيما في المجال الطبي أو الزراعي.
وفي هذا الصدد تم الاعلان عن انعقاد الدورة الحادية عشرة للجنة المشتركة الجزائرية الروسية في النصف الثاني من عام 2023 في موسكو، والتي ركزت على بحث تعزيز الاتصالات والاستثمار. زيادة على ذلك، أكد الرئيس الروسي أيضاً أن انتخاب الجزائر عضواً غير دائم في مجلس الأمن الدولي سيعزز التعاون في هذا الإطار، ويكثف الاتصالات.
على الصعيد الدولي، أعرب الرئيس الجزائري عن ارتياحه لـ “تقارب وجهات النظر” حول القضايا التي أثيرت خلال المحادثات مع نظيره الروسي، ولا سيما القضايا الصحراوية والفلسطينية، والوضع في منطقة الساحل والشرق الأوسط، وحتى في ليبيا، مجدداً موقف الجزائر الذي يعمل من أجل حل سلمي للأزمتين في ليبيا ومالي، مؤكداً قناعته بأن تسوية الأزمة في مالي لا تتم بالقوة، وإنما من خلال اتفاق الجزائر من أجل السلام والمصالحة. كما أعرب عن شكره للرئيس الروسي على قبوله وساطة الجزائر في الحرب الأوكرانية، متعهداً بأن تكون في أوج هذه الثقة، وأشار إلى أنه قدم للرئيس تبون الرؤية الروسية وأصول هذا الصراع والظروف المحيطة به.
استقلالية الجزائر
وبحسب مراقبين جزائريين، لم تكن زيارة تبون إلى روسيا تأكيداً على تمسك الجزائر بعلاقاتها التاريخية مع موسكو فقط، إنما رسالة عن استقلالية البلاد في مواقفها الدولية رغم الضغوط التي تمارس عليها لتصطف في الصراع الروسي الأوكراني، لأنه لو لم تكن هذه الزيارة ضمن التغيرات الدولية الحالية لما شكّلت هذا اللغط المحلي والدولي.
وبالنسبة لبوتين الذي تتعرض بلاده لمحاولات عزل من قبل الغرب جراء الحرب في أوكرانيا، فقد قال إن زيارة الرئيس تبون حملت الكثير من الدلالات، الجزائر شريك هام بالنسبة إلينا، وسنعمل على تعزيز التعاون معها في جميع المجالات. مضيفاً أن الجزائر هي الشريك المفتاح في العالم العربي وفي أفريقيا، مشيراً إلى مناقشة، وبصورة معمقة، سلسلة واسعة من المواضيع، بما فيها التعاون السياسي والاقتصادي والإنساني والأجندة الحالية للعلاقات الإقليمية والدولية، وهي المواضيع التي تشكّل “توافقاً وتطابقاً في وجهات النظر بين البلدَين.
وفي الحقيقة، لا يشكّل هذا التوافق أمراً جديداً بين البلدين الحليفَين اللذين احتفلا العام الماضي بمرور 60 عاماً على اتفاق الصداقة بينهما، والذي جعل الجزائر تحسب على الدوام على المعسكر الشرقي، رغم محاولاتها لتنويع شركائها وبالخصوص الاقتصاديين في السنوات الأخيرة.
زمن الاقتصاد بجدارة
لم يشكل التعاون الدفاعي بين البلدَين محور نقاش في لقاء رئيسَي الجزائر وروسيا، إذ تريد الجزائر أن تخرج شراكتها مع موسكو عن نطاقها العسكري، بالخصوص أن تعاونهما خارج القطاعات الدفاعية لا يزيد عن 40 مليون دولار، فيما وصل التبادل التجاري إلى 3 مليارات دولار. وبالنظر إلى حجم التعاون التجاري للجزائر مع دول أخرى، فالأرقام المسجّلة مع موسكو تعدّ هزيلة كونها لا تتماشى مع قوة علاقتهما الدبلوماسية والدفاعية، فهي أقل من التبادل التجاري مع إيطاليا الذي فاق العام الماضي 20 مليار دولار، وأقل من تركيا التي تزيد تبادلاتها مع الجزائر عن 5 مليارات دولار، وهي الأرقام التي تسجل مع دول أخرى كالصين وفرنسا والولايات المتحدة الأمريكية.
ولتلبية الطلب الجزائري، أعلن بوتين أن اللجنة العليا الجزائرية الروسية، التي يرتقب أن تعقد دورتها الـ 11 في النصف الثاني من هذه السنة بموسكو، ستدرس تعزيز الاتصالات العملية والاستثمار وتوسيع المشاريع على النطاق الواسع.
ورغم العلاقات المتينة بين البلدَين، إلا أنهما لا يجتمعان في تكتلات اقتصادية كبيرة ما عدا مجموعة “أوبك +” المعنية بمتابعة سوق النفط، وكذا منتدى الدول المصدرة للغاز، وهما تنظيمان معنيّان بقطاع النفط فقط الذي تستثمر فيه غاز بروم الروسية في عملية استكشاف ببئر العسل جنوب الجزائر.
وهنا سيشكّل طموح الجزائر للانضمام إلى مجموعة “بريكس” فرصة لتعزيز التعاون الاقتصادي بين البلدَين، حيث يعطي الرئيس تبون أهمية كبيرة لالحاق بلاده بهذا التكتل الذي يضمّ أيضاً الصين والهند والبرازيل وجنوب أفريقيا، وأشاد تبون بالدعم الروسي لبلاده للانضمام إلى مجموعة “البريكس”.
وبالنظر إلى حالة الاقتصاد الجزائري، فإن البدء بعضوية غير كاملة يصبّ في مصلحته، بالنظر إلى أنه يتطلب كثيراً من الإصلاحات، وبالخصوص في التعاملات البنكية، وتطوير التجارة الإلكترونية والمعاملات الرقمية، إضافة إلى حاجته للتحرر من التبعية للمحروقات، وهو الهدف الذي بدأ يتحقق بتحقيق صادرات بـ 7 مليارات دولار خارج المحروقات عام 2022، والسعي لرفعها هذا العام إلى 15 مليار دولار.
وترى الجزائر في الانضمام إلى “بريكس” تنويعاً في شركائها، بحيث تتحرر من الارتباط اقتصادياً بأوروبا، لذلك دعا تبون المتعاملين الاقتصاديين الروس إلى الاستثمار في الجزائر التي تتوفر اليوم على بيئة استثمارية ملائمة، بفضل الإجراءات التحفيزية والامتيازات التي يتضمنها القانون الجديد للاستثمار، وفق ما قاله الرئيس الجزائري.
وتأمل الجزائر أن تستفيد من كل القطاعات الاقتصادية التي تحقق روسيا فيها تقدماً، إضافة إلى إمكانية تحفيز موسكو سيّاحها على زيارة الجزائر التي أصدرت بداية هذه السنة تسهيلات في التأشيرة لزيارة ولاياتها الجنوبية.
الانضمام إلى “البريكس”
لا تريد السلطات الجزائرية إعادة سيناريو 2014 و2020 مرة أخرى، صحيح أنها حققت عائدات نفطية بقيمة 60 مليار دولار في عام 2022 -عائدات تبعث على الاطمئنان بشأن تمويل ميزانية البلاد – إلا أنها تعلم جيداً أن الأسعار ستنخفض مرة أخرى، ما يفرض عليها تنويع مصادر الدخل، وتحصين الاستقلال الاقتصادي من عالم المفاجآت الذي يمثله سوق المحروقات.
وضعت سلطات الجزائر خططاً، واستراتيجيات كثيرة للتخلص من تبعية النفط، لكن في مقدمة ذلك وضعت نصب عينيها الانضمام لمجموعة “بريكس” الاقتصادية، التي تمثل دولها 40% من مساحة العالم، وتشكل 41% من سكان العالم، و24% من الاقتصاد العالمي، و16% من التجارة العالمية.
كما ترى الجزائر أن الانضمام إلى هذه المجموعة سيمنحها آفاقاً اقتصادية إقليمية ودولية مهمة، وتعتقد السلطات في الجزائر أن “بريكس” ستسهم في تحريك عجلة الاقتصاد الوطني، وجلب رؤوس أموال أجنبية للبلاد، والمساعدة على تطوير قطاع الخدمات، إلى جانب المساهمة في خفض اعتماد الجزائر على المحروقات كمصدر أساسي للدخل القومي وللجزائر.
كما للجزائر مصالح كثيرة في الانضمام إلى “بريكس”، ومن ذلك منحها تسهيلات تجارية واقتصادية مستقبلية يمكن أن تعاضد اقتصاد بلادها، فهناك استفادة استراتيجية للتجارة والأنظمة المالية والنقدية العالمية خلال السنوات المقبلة لأعضاء هذه المجموعة الاقتصادية. ذلك أن الصين والهند أكبر بلدين من حيث عدد السكان، وثاني وثالث أكبر اقتصادين في العالم على التوالي، وروسيا تملك أكبر مساحة في العالم، بينما البرازيل أكبر اقتصاد في أمريكا اللاتينية، وجنوب إفريقيا ثالث اقتصاد في إفريقيا.
تمتلك الجزائر القدرة على تطوير اقتصادها والمداخيل المتأتية من خارج قطاع النفط، لما تتمتع به من ثروات باطنية أخرى، حيث تستحوذ الجزائر على 2% من الاحتياطي العالمي للحديد، واليورانيوم والذهب والفوسفات، فضلاً عن الثروة الحيوانية التي قُدّرت بين سنتي 2019 و2020، بـ 28 مليون رأس غنم، ومليون رأس أبقار و400 ألف رأس إبل، كما تتمتع البلاد بثروة سمكية بفضل سواحلها الكبيرة على البحر المتوسط.
ناهيك عن المقومات السياحية الهائلة التي تتمتع بها البلاد، والتي لها أن تمكن الجزائر من احتلال المراتب الأولى في البلدان السياحية إن تم استغلالها بالطريقة المثلى، إذ تحتوي البلاد على سواحل جميلة ومناطق أثرية رائعة، فضلاً عن الطبيعة الخلابة.
وتبحث السلطات الجزائرية عن شركاء لتطوير اقتصادها، وترى في مجموعة “بريكس” مرادها، إذ تضم سوقاً استهلاكية كبيرة، وتتمتع بخبرات تقنية مهمة، وهو ما جعلها تراهن عليها حتى تنهض بهذا الاقتصاد المرتهن للنفط.
وتراهن الحكومة الجزائرية حاليّاً على رفع الصادرات خارج قطاع المحروقات إلى 10 مليارات دولار في سنة 2023، و15 مليار دولار في الأعوام المقبلة، خاصةً أنها نجحت نسبياً في رهان 5 و7 مليارات دولار في 2021 و2022 على التوالي.
يعتمد مدى قدرة الجزائر للوصول إلى هذا الهدف، في قدرتها على إقناع دول “بريكس” بالانضمام إليهم، لكن ذلك يتطلب ارتفاع أسعار النفط والغاز بالدرجة الأولى، حتى تصل لـ 200 مليار دولار كناتج داخلي خام، وهو أحد شروط الانضمام للمجموعة.
تجدر الإشارة إلى أن الناتج الداخلي الخام للجزائر تجاوز ما بين 2011 و2014، سقف 200 مليار دولار، وبلغ 213.8 مليار دولار في 2014، نتيجة لارتفاع أسعار النفط لتتجاوز سقف 100 دولار للبرميل، وزيادة إنتاج النفط الجزائري ليبلغ 1.5 مليون برميل يومياً.
لا اصطفاف
لاحقت تهمة الانحياز إلى روسيا الجزائر حتى قبل زيارة الرئيس تبون إلى موسكو، رغم تأكيدها في عديد المرات أنها تقف على مسافة واحدة من الطرفَين، رغم علاقاتها الوثيقة مع روسيا التي لا تخفى على أحد، وشكّلت هذه الزيارة فرصة لإعلان الرئيس تبون رسميّاً عن مبادرة بلاده لوساطة لحل الحرب في أوكرانيا، بمساندة أفريقية.
وبدوره، أشاد بوتين باستعداد الجزائر لتقديم جهود الوساطة في النزاع القائم بين بلاده وأوكرانيا، علماً أن هذه المحاولة الجزائرية ليست الأولى لتكون وسيطاً في الحرب الأوكرانية، إذ ترأست الوفد العربي الذي زار كييف وموسكو لطرح المبادرة العربية لحلّ الخلاف بين الطرفَين، إلا أن المشاكل داخل البيت العربي أجهضت هذه المبادرة التي طرحتها الجزائر خلال ترؤّسها الدوري للجامعة العربية.
وفشلت المبادرة العربية بسبب اصطفاف بعض الدول مع طرف دون آخر، وهو ما ظهر في قمة جدة التي تمّت فيها دعوة الرئيس الأوكراني دون دعوة نظيره الروسي، وهي القضية التي شكّلت خلافاً واضحاً بين الجزائر والرياض، وجعلت الرئيس تبون يغيب عن قمة السعودية. وطيلة الأشهر الماضية، طُرحت في الإعلام المحلي والغربي تبعات زيارة تبون موسكو على علاقاتها مع الغرب، لذلك حرص تبون في تصريحاته الإعلامية على التأكيد أن بلاده تسعى لبناء علاقات جيدة مع واشنطن أيضاً.
التوتر الدولي جلب الاهتمام بالزيارة
وتعليقاً على زيارة الرئيس تبون لروسيا، قال الدبلوماسي الجزائري السابق، مصطفى زغلاش، إنها تندرج في سياق تكريس لمسار علاقات تاريخية وتقليدية لمدة تزيد عن 60 سنة، لكن الوضع الدولي المتوتر حمّلها قراءات مختلفة، وأحياناً متناقضة بحسب مصلحة كل طرف يعمل على تحليل أسبابها وظروفها، مضيفاً أن المناخ الدولي السائد الذي يتميز بالتوتر بين روسيا من جهة وأوروبا والولايات المتحدة من جهة أخرى جلب لها الأنظار بشكل لم يسبق لزيارة رئيس عربي لروسيا أن استقطبت كل هذا الاهتمام.
هذا وكانت الجزائر أول دولة أفريقية وقعت معها روسيا إعلان الشراكة الاستراتيجية في 2001، بحسب ما أعلنه وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، خلال زيارته للجزائر مطلع شباط الماضي، ويذكر أن المبادلات التجارية بين البلدين تبلغ نحو 3 مليار دولار سنوياً، فيما تعتبر روسيا أكبر مورد للسلاح للجزائر.