مجلة البعث الأسبوعية

“ناتو” يضع كل البيض في سلّة هزيمة روسيا.. ماذا لو سقطت أوكرانيا؟

البعث الأسبوعية – طلال ياسر الزعبي:

لم يعُد الحديث في الغرب الآن ينحصر حول كيفية الانتصار على روسيا في أوكرانيا، بل تعدّى هذا الأمر بمراحل كبيرة بعد أن تأكّدت الأنباء القادمة من هناك التي تفيد بأن الجيش الأوكراني يخسر على مختلف الجبهات، ومعه المرتزقة وضباط الناتو وأسلحته التي تم تجريب معظمها في هذه الحرب، فقد باتت الدول الغربية تتحدّث صراحة في المنتديات وعبر منصّاتها الإعلامية عن مصير حلف شمال الأطلسي “ناتو” المنظومة العسكرية الضاربة للغرب بعد أن ثبت فشله في تحقيق أيّ نصرٍ عسكري على روسيا في الجبهة يمكن أن يقود إلى هزيمة استراتيجية لها، وبالتالي استمرار تمدّد الحلف شرقاً، الأمر الذي يمنحه المزيد من الميزات التي تساعده على البقاء.

أما وقد ظهر الفشل الواضح لمنظومة حلف الناتو العسكرية في أوكرانيا، فإن الصراع الوحيد الذي يدور الآن في ذهن القادة الغربيين المنضوين تحت جناح هذا الحلف هو الصّراع الوجودي، بمعنى أن الهزيمة في أوكرانيا ستكون السبب المباشر لتفكّك هذا الحلف، مع كل ما يعنيه ذلك من انهيار للمنظومة العسكرية الغربية، وربّما انهيار مجموعة من الأنظمة الغربية التي تعتمد في وجودها على أساس أن هذا الحلف هو الضامن الوحيد لأمنها، لأنها ببساطة لا تمتلك جيشاً وطنياً قادراً على حمايتها، وتلك بالطبع سياسة أمريكية قديمة منعت الدول الأوروبية من امتلاك منظومة دفاعية خاصة بها حتى تجعلها دائماً رهينة للحلف الذي تقوده هي فعلياً بدعوى أنه هو الوحيد القادر على حمايتها.

وإذا كان حلف شمال الأطلسي قد وضع كل البيض في سلّة هزيمة روسيا عبر أوكرانيا، فما الذي سيحدث إذا ما انهارت أوكرانيا تماماً في هذه الحرب؟.

أوّل ما يتبادر إلى الذهن أن الجانب الروسي سيطوّر عمليّته العسكرية انسجاماً مع تطوّرات الجبهة، وبالتالي فإن السلاح الذي يتم تقديمه لأوكرانيا لتهديد الداخل الروسي سيفرض على روسيا البحث عن منطقة آمنة تمنع وصول هذا السلاح إلى الداخل الروسي، وهذا ما أكده الرئيس الروسي فلاديمير بوتين غير مرة، ومن هنا فإن روسيا لن تتخلّى مطلقاً عن الأراضي التي حصلت عليها بنتيجة إصرار النظام الأوكراني على استهداف الداخل الروسي منها، بل إنها ستعمد بعد فشل الهجوم الأوكراني المضاد إلى التمدّد باتجاه الغرب الذي يتم عبره مدّ الجيش الأوكراني بجسر بري من المعدات والأسلحة الغربية، وهذا بالطبع سيجعل أوكرانيا بالكامل هدفاً للضربات الصاروخية الروسية، وربّما يعمد الجيش الروسي إلى السيطرة على مدينة لفوف في أقصى الغرب الأوكراني التي تعدّ ممراً أساسياً للسلاح الغربي إلى المتطرفين الأوكرانيين، وهذا الأمر بالنتيجة سيقود إلى سقوط أوكرانيا بالكامل بيد روسيا، ما يعني أن الجيش الروسي سيصبح على مشارف بولندا ورومانيا وليتوانيا في الغرب، الأمر الذي يقضي على جميع أحلام الأطلسي بالتمدّد شرقاً، حتى لو ظن أن انضمام فنلندا يمكن أن يعوّض عن ذلك، وذلك لأن مشهد تقدّم الجيش الروسي في تلك المناطق سيعيد إلى الأذهان مشهد الجيش الأحمر السوفييتي أثناء الحرب العالمية الثانية وقبل سقوط برلين، ما يعني أن روسيا يمكن أن تدخل في أيّ لحظة إلى معقل الحلف العسكري الحقيقي في ألمانيا الذي يحتضن أكبر قاعدة له في رامشتاين.

ومن هنا قال المعلق ريتشارد كيمب في مقالة بصحيفة “تلغراف”: إن انتصار روسيا على أوكرانيا المدعومة من الغرب سيفقد صدقية وجود حلف الناتو.

ويرى المعلق، أن فرص النجاح في النزاع في أوكرانيا، ليست لمصلحة كييف بتاتاً، ما يعني أن هناك من بدأ يفكّر فعلياً في عواقب سقوط أوكرانيا نهائياً بيد روسيا، ليس على الدول المحيطة فقط، وإنما على منظومة الحلف بالكامل وإمكانية انهياره وتفكّكه.

وبما أن “احتمال انتصار أوكرانيا بعيدٌ كل البعد عن الحدوث، يمكننا أن نرى بالفعل هذا القلق ينعكس في الملاحظات التحذيرية من البيت الأبيض”، حيث يخشى الأخير أن يستأنف إيمانويل ماكرون وأولاف شولتس، محاولاتهما دفع كييف نحو معاهدة سلام قبل حلول نهاية هذا العام، ومثل هذا النشاط من جانب القادة الأوروبيين، من شأنه أن يقوّض موقف الرئيس الأمريكي جو بايدن في الكونغرس، حيث يمكن للجمهوريين الاستفادة من ذلك ومحاولة قطع المساعدات عن أوكرانيا.

وتساءل كيمب وجودياً: “على القادة الغربيين أن يسألوا أنفسهم في فيلنوس: إذا كانت أوكرانيا، المدعومة بقوة حلف شمال الأطلسي، لا تستطيع الوقوف في وجه روسيا، إذن ما هو معنى الناتو؟”.

خسائر الميدان دفعت الأمين العام لحلف الناتو ينس ستولتنبرغ، إلى الإقرار بفقدان قوات كييف معداتٍ وأسلحة غربية، مشيراً إلى أن الحلف ينتظر معلوماتٍ حول هذا الموضوع من وزير الدفاع الأوكراني أليكسي ريزنيكوف، الأمر الذي يعدّ اعترافاً صريحاً بأن الحلف هو الذي يدير هذه المعركة ضدّ روسيا، وليس على ريزنيكوف إلى إعداد تقرير لرؤسائه حول ذلك.

وكان ستولتنبرغ، في كلمته أمام أحد المنتديات في بروكسل، أكد في وقت سابق من هذا الشهر أنه في حال لم تنتصر أوكرانيا في النزاع مع روسيا، فإن مناقشة عضويتها في الناتو لن تكون ذات معنى، ما يعني أن الجزرة التي قدّمها الحلف منذ البداية لأوكرانيا هي إغراؤها بإمكانية الانضمام إلى صفوف الناتو في حال تحقيق أحلامه.

وإصرار الناتو على تحقيق نصر سريع على روسيا في حرب يشنّها عليها عبر أوكرانيا بالوكالة، ربما كان سبباً رئيساً في الانهيارات المتتالية للجيش الأوكراني على الجبهات، حيث قال لاري جونسون، وهو محلل سابق بوكالة المخابرات المركزية: إن الناتو حكم على القوات الأوكرانية بالتدمير بسبب رغبة متعجرفة في استعراض وحدة صفوف الغرب، مضيفاً: “نقوم بداية بتدريبهم، وبعد ذلك نقوم بتدميرهم. لقد اختفوا ولم يعُد لهم وجود الآن”.

وقال جونسون: إن مدة التدريب القصيرة – بضعة أشهر، تؤثر كذلك سلباً بشكل جدي في جودة تدريب الأوكرانيين، لأن هذه المدة من الناحية المثالية يجب أن تكون عدة سنوات. وأشار إلى أن كل شيء يتم لمجرّد إظهار وحدة الغرب أمام روسيا.

وتابع جونسون: “نحن نوفر عمداً تدريباً غير كافٍ للأوكرانيين، ثم نجبرهم على خوض المعركة، وفي الواقع ندفعهم إلى الانتحار”.

وأيّاً يكن من أمر هذه المعلومات، فإن الحقيقة تؤكّد على الأرض أن إجراء الناتو مناوراته الجوية مؤخّراً وإعلانه الباهت أن هذه المناورات جاءت لردع روسيا، مع كل ما رافق ذلك من خسارة مدوّية للجيش الأوكراني في الهجوم المضاد على عدة جبهات، وتدمير أكثر من ثلث الآليات المدرّعة التي قدّمها الناتو لنظام كييف واغتنام الجيش الروسي بعضها، فضلاً عن اختفاء عدد من القادة الأوكرانيين الذين كانوا ينسّقون العمليات مع الناتو، وخاصة قائد القوات الأوكرانية ورئيس الاستخبارات، وسقوط أعداد من المرتزقة الأجانب بيد الجيش الروسي من الولايات المتحدة وبريطانيا وبولندا وغيرها من دول الحلف، كل ذلك يدلّ دلالة واضحة على أن الحلف بات يفكّر فقط بحل يخرجه من دائرة التهديد الوجودي الذي يعيشه وهو إمكانية انهياره، الأمر الذي يمكن أن يقود إلى انهيار كامل لمنظومة الغرب الجماعي، وبالتالي ولادة العالم الجديد المتعدّد الأقطاب الذي يبدو أن الغرب لن يكون موقعه جيداً فيه.