القلق الوجودي يلاحق نتنياهو..
طلال ياسر الزعبي
عبثاً يحاول رئيس الحكومة الصهيوني بنيامين نتنياهو استدراج أيّ “نصر” يمكن أن يعطي كيانه جرعة للبقاء على الخريطة السياسية، فاقتحام جنين الذي أراد من خلاله تثبيت معادلة ردع جديدة، من خلال القول إنه قادر في أيّ وقت على مواجهة المقاومين في أيّ مكان، انقلب وبالاً عليه وعلى حكومته المتطرّفة.
وأيّاً تكن الغاية التي على أساسها قام هذا الإرهابي باقتحام جنين، فإن النتيجة على الأرض أن أهدافه باءت بالفشل، بل جاءت كارثيّة عليه داخليّاً وخارجياً، حيث لم يستطع صرف الانتباه عن المعارضة الواسعة لحكومته والحدّ من المظاهرات الداعية إلى إسقاطها، كما أن عمليّته لقيت تنديداً واسعاً من أطراف دولية كثيرة.
والأهم من كل ذلك أن تعويله على الانقسام العربي، الذي أحدثته اتفاقيات التطبيع مع بعض الدول العربية، سقط بالضربة القاضية مع خروج اجتماع الجامعة العربية الاستثنائي بقرارات تدين اقتحام جنين، وتؤكّد تمسّك العرب بقضيّتهم المركزية فلسطين، وبكل ما اتّخذ سابقاً من قرارات بشأنها، الأمر الذي أكّد له مرّة أخرى أن المراهنة على تخلّي العرب عن فلسطين ليست في مكانها، وأن الدول العربية حتى لو مرّت في حالة ضعف وتخبّط بفعل الضغوط الأمريكية والغربية عليها، قادرة على استلام زمام المبادرة من جديد والوقوف في وجه هذا التغوّل الصهيوني في دم الشعب الفلسطيني الأعزل، حيث عادت القضية الفلسطينية إلى الواجهة من جديد.
ومهما حاول الكيان الصهيوني التعتيم على خسائره البشرية خلال اقتحامه جنين ومخيّمها، فإن جميع المؤشّرات تؤكّد أن الانكفاء عن الاستمرار في العملية لم يكن في الحقيقة دليلاً على وصوله إلى أهدافه منها، بل على العكس تماماً، لأنه ما زال يخفي حجم خسائره في أماكن معيّنة أصرّ المقاومون الفلسطينيون على الحديث عنها، بل تحدّت سرايا القدس حكومة العدو أن تعلن حجم خسائرها في أحياء بعينها، وقد وجد الاحتلال وسيلة للهروب من جنين من خلال قصف غزة التي أمطرته بصواريخها.
وفي جميع الأحوال، بات يتعيّن على حكومة نتنياهو، أو أيّ حكومة صهيونية مقبلة، إن كُتب لها أن تتشكّل مجدّداً، التفكيرُ مليّاً في مجموعة من الأمور، أولها أن الواقع في المنطقة بدأ يتغيّر فعلاً، وأن التعويل على الانقسام العربي لن يستمرّ طويلاً، وثانيها أن الواقع في العالم كلّه قد تغيّر، وأن الكيان الصهيوني الذي أفرزته المعادلات الدولية السابقة التي كان فيها الغرب يسيطر على العالم، لم يعُد بإمكانه التعويل كثيراً على الغرب الذي بات مشغولاً بنفسه ويصارع حالياً فقط من أجل البقاء على الخريطة السياسية في العالم الجديد المتشكّل، وثالثاً، وهو الأهم، أن هذا العالم الجديد تقوده قوى دولية لم تكن يوماً من الأيام مؤيّدة للإمبريالية والاستعمار، بكل ما يحملانه من نهب للثروات واستعباد للشعوب وتمييز عنصري، بل تعلن صراحة أنها تعادي هذا النهج، فما الذي يحاول نتنياهو تحقيقه ضمن هذا الواقع الجديد؟.
يبدو أن القلق الوجودي الذي يحاصر الكيان الصهيوني هو الدافع الحقيقي وراء استماتته في تحقيق أيّ إنجاز، فهل يستطيع الحصول على جرعة الحياة؟.