دمشق وبغداد.. مسارٌ ومصير
أحمد حسن
قبل أيام قليلة، أصدر البرلمان الأوروبي قراراً يقضي بـ “إبقاء” المهجّرين السوريين في لبنان ورفض مساعي عودتهم إلى سورية، وبعده بأيام “أقل”، قال مسؤول رفيع المستوى في “البنتاغون” الأمريكي لوكالة “أسوشييتد برس”: إن واشنطن “لن تتنازل عن الأراضي التي تعمل فيها في سورية”!
“القرار” الأوروبي – وهو يشمل كل الدول العربية المستضيفة ضمناً – و”القول” الأمريكي، على عنجهيتهما الواضحة ومضمونهما الانتدابي الشائن، يُفصحان عن “خطة” واضحة وجاهزة، ومعلنة في الحقيقة، ليس لمنع قيامة سورية فقط بل لتوتير المنطقة بأكملها وزرع و”رعاية” الفوضى فيها. وإذا كان “الوضع اللبناني” الحالي، سياسياً ومالياً، يكشف وحده قصة الفوضى الأمريكية فيه، فقد كان من اللافت مؤخراً ارتفاع وتيرة الحديث في الأروقة المختصة عن خطة أميركية تهدف إلى قضم مناطق على جانبي الحدود السورية – العراقية من الجهتين وجعلها منطقة فاصلة بحماية أمريكية كاملة، تقطع الطريق بين البلدين وتسهم في الضغط عليهما معاً، ويبدو أن “التعزيزات” الجديدة التي استقدمتها واشنطن إلى “قواعدها” غير الشرعية في الشرق السوري من أنظمة صاروخية وأنظمة حرب إلكترونية ستكون في جانب منها في خدمة هذه “الخطة” الشيطانية.
بهذا المعنى يبدو أن واشنطن تهدّد في آن واحد أمن الدول الثلاث، لبنان والعراق وسورية، فليس لقرار البرلمان الأوروبي – الصادر فعلياً من “البنتاغون” – من وظيفة، إضافة إلى الوظيفة السورية، إلاّ تعزيز الفوضى في لبنان عبر استخدام هؤلاء النازحين باعتبارهم “خواصر رخوة” في السياق السياسي والاجتماعي والاقتصادي اللبناني الملتهب، كما أنه ليس لمحاولة واشنطن اقتطاع أراضٍ عراقية وسورية لمصلحة جماعاتها الإرهابية من وظيفة سوى استمرار الضغط على بغداد، كما دمشق، لمنع تواصلهما الطبيعي وتكاملهما الضروري والمصيري للعراقيين والسوريين على السواء، بل للمنطقة بأسرها أيضاً.
هنا، تحديداً، تتموضع زيارة رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني إلى دمشق كخطوة جديدة ومميزة تكتسب أهميتها “من طبيعة العلاقات العميقة بين الشعبين السوري والعراقي، ومن عمق التاريخ المشترك بين البلدين، التاريخ الأقدم والأعرق على الإطلاق في العالم” كما قال الرئيس بشار الأسد، واستكمالاً لمسيرة “التاريخ المشترك” الذي تجلّى بأبهى صوره “عندما وقف الشعب السوري إلى جانب شقيقه الشعب العراقي حين عانى من ويلات الحرب منذ عقدين من الزمن، ولمسناها عندما وقف الشعب العراقي إلى جانب شقيقه السوري عندما ابتدأ العدوان على سورية منذ عقد ونيف”، وهي “وقفة” مشتركة تعمّدت بالدماء التي “حمت الخاصرتين الغربية للعراق والشرقية لسورية، حمت الشعبين والجيشين العربيين، توحّدت الساحات توحّدت الدماء فتوحّد المستقبل المشترك لكلينا”، كما أضاف الرئيس الأسد.
وبهذا “الفهم”، تبدو هذه الزيارة كفعل تعاون مشترك لمواجهة التحديات المشتركة، سواء الإرهابية منها أم السياسية أم الاجتماعية أم الاقتصادية، وعلى رأسها “التحدي الأكبر وهو سرقة حصة سورية والعراق من مياه نهر الفرات”، وبالتالي هي زيارة تثبيت للإيجابيات الأخيرة -رغم نسبيتها- في الوضع العربي، وهي زيارة مواجهة لمشاريع الفوضى التي تحاك للمنطقة بأسرها.
خلاصة القول، مشاريع الفوضى معلنة وواضحة، وتُدار مباشرة من “البنتاغون” الأمريكي؛ كما أنها لا تستهدف بلداً بعينه، وإن بدا ذلك في الظاهر، فهي تستهدف الجميع دون استثناء، فـ “غزوة” عام 2003 الأمريكية للعراق زرعت المنطقة بكل أسباب الفوضى، وما تفعله واشنطن في “شرق سورية” يبدو استكمالاً لتلك “اللحظة”، وبالتالي لا يهدّد الأمر دمشق فقط بل يصيب بغداد وأمنها الوطني أيضاً كما يصيب كل العواصم الأخرى، لذلك يجب أن تكون المواجهة مشتركة وعلى كل الجبهات الممكنة شعبياً ورسمياً، وذلك هو “المعنى” الأهم للزيارة العراقية، وأمل “التنسيق” المقبل مع الجميع.