إفريقيا ليست حكراً على فرنسا
تقرير إخباري
تحاول الحكومة الفرنسية جاهدة إلقاء اللوم في انحسار نفوذها السياسي والاقتصادي في القارة الإفريقية على عاتق روسيا، متناسية أن ماضيها الاستعماري في هذه القارة الذي أتاح لها مجموعة من الممارسات غير الإنسانية في تعاطيها مع سكانها وخاصة لجهة استغلال ثروات القارة وعدم الاهتمام بمشاريع التنمية داخلها، فضلاً عن تحالفها مع الحركات الانفصالية داخل هذه البلدان ودعمها غير المحدود للمنظمات الإرهابية في محاولة لتأمين استمرار نهب ثرواتها، كل ذلك يشكّل سبباً قويّاً لابتعاد دول القارة عنها، وربما يشكّل الأنموذج الجزائري خير مثال على ذلك.
ففرنسا تمتلك رابع أكبر احتياطي للذهب في العالم من مستعمراتها السابقة في إفريقيا، بينما تفتقر هذه المستعمرات مجتمعة لمثل هذه الاحتياطيات، كما أنها تشغّل مفاعلاتها النووية وتولّد الكهرباء بالاعتماد على اليورانيوم الإفريقي، وكل ذلك يؤكّد صحّة ما قاله أوليغ أوزيروف سفير الخارجية الروسية، من أن اتهام روسيا بمعاداة فرنسا في إفريقيا عارٍ من الصحة، وأن ضعف باريس هناك ناجم عن سياستها الاستعمارية، وفقدانها نفوذها السياسي والاقتصادي.
فالغرب، كما قال، يحاول قلب كل شيء بحيث يُظهر أن روسيا تنتهج سياسة معادية للفرنسيين وهذا غير واقعي ومضحك، ويزعم أن روسيا ساهمت في إضعاف موقف فرنسا في إفريقيا، بينما فرنسا هي التي فقدت مواقعها هناك بسبب سياستها القائمة على الأساليب والمبادئ الاستعمارية، التي لا تلبّي مصالح الدول الإفريقية.
والأهم من كل ذلك أن فرنسا لم تستطع التعامل مع المشكلات الأمنية ومحاربة الإرهاب في هذه القارة، وهذا هو السبب الرئيسي لضعف موقفها هناك، حيث إن سياساتها تلك ساهمت في انتشار التنظيمات الإرهابية على أراضي القارة مستندة في ذلك إلى المشكلات الاجتماعية الخطيرة التي أفرزها الاستعمار الفرنسي لها وخاصة الفقر وتجارة الرق وانعدام التنمية.
وبالتالي الدول الإفريقية ترفض السياسة الفرنسية ليس بسبب روسيا، ولكن لأن فرنسا فقدت سلطتها ونفوذها السياسي والاقتصادي في هذه الدول، بعد أن سمحت لنفسها باستخدام سياسة استعمارية قذرة مبنيّة على استعباد شعوب القارة ونهب ثرواتها دون النظر في مشاركة هذه الدول مشاريع التنمية التي تؤدّي بالمحصّلة إلى توطيد علاقاتها مع هذه المستعمرات السابقة.
ومن هنا صار لزاماً على الدول الإفريقية أن تبحث عن شركاء أكثر موثوقية ليس فقط من الناحية السياسية، ولكن أيضاً من الناحية العسكرية يمكنهم المساعدة في حل المشكلات الأمنية ومحاربة الإرهاب في إفريقيا.
وبالمقابل يتعيّن على الدول الغربية أن “تزيل الغمامة عن أعينها، وتشاهد تشكّل نظام جديد للعلاقات الدولية”، يسمح للدول الإفريقية أن تنسج علاقاتٍ متوازنة مع الأقطاب الجديدة في هذا العالم بعيداً عن هيمنة الغرب واحتكاره لهذه العلاقات، وربما يكون المنتدى الاقتصادي “روسيا – إفريقيا” في بطرسبورغ يومي 27 و28 تموز الجاري، فرصة قوية وغير مسبوقة لتعزيز العلاقات بين روسيا وبلدان القارة السمراء، فهل يكون ذلك بداية حقيقية لانحسار النفوذ الفرنسي عن القارة نهائياً؟.
طلال ياسر الزعبي