الحكومة أمام مجلس الشعب.. بيان حقائق
بسام هاشم
لا يعني الاتفاق على تشكيل لجنة مشتركة تضمّ أعضاء من مجلس الشعب واللجنة الاقتصادية، مهمتها إعداد حزمة “متكاملة” من المقترحات العملية والفاعلة للنهوض بالواقع الاقتصادي والمعيشي والمالي والنقدي، وتحقيق الاستقرار في سعر الصرف، وتحسين الأوضاع المعيشية، إلا أمراً واحداً، وهو أن رئيس الحكومة كان مقنعاً إلى حد كبير في كلمته، مع بدء أعمال الدورة الاستثنائية، وأن الحكومة تواجه تحديات صعبة لا بد من الإقرار بها، وأن المسألة تتجاوز حجب الثقة، وأن الإتيان بحكومة جديدة يجب أن يكون مسبوقاً بسؤال كبير: ما الذي تستطيع أية حكومة متوقعة أن تقوم به، طالما لم يسبق ذلك تغيّر جوهري في بيئة عملها؟.
ورغم أن مثل هذه البداهة قد تبدو للكثيرين مغرقة في التبريرية – ولربما الإحباط أو السلبية – إلا أن أي أداء حكومي لا يمكن فصله عن الظروف السياسية والاقتصادية الإقليمية والعالمية الراهنة، وخاصة أننا في عالم يخوض نوعاً من المواجهة الحادة والمصيرية، بل حرب سافرة ومعلنة، بين توجّهين نحن طرف رئيسي في أحدهما، وإلا فسوف ندور جميعاً في حلقة مفرغة من التشكيكات والاتهامات التي ربما لا تنتهي.. وقد تنتهي إلى أن تكون متبادلة. فالحرب على سورية لم تكن تستهدف كسر إرادتها السياسية وحسب، بل محوها من الخريطة العالمية في إطار خطة تستهدف بلاد الشام بأكملها. ومن يلقي نظرة سريعة إلى ما تعانيه بلدان المنطقة – على اختلاف أنظمتها السياسية والاقتصادية – وكذلك تردّد بعض “الأشقاء”، وربما اشتراطاتهم غير المعلنة، يدرك تماماً أن المخطط قائم منذ زمن، ومستمر بأية ذريعة كانت، وأن القيامة السورية لا يمكن إلا أن تكون صعبة ومؤلمة وطويلة، وأن الحرب لم تنتهِ بل هي مستمرة بكامل أبعادها، وبأشكالها الأشدّ توحّشاً، وهي لقمة عيش مواطنينا؛ فسورية تعاني اليوم من الحصار الاقتصادي الذي فرض ذات يوم على العراق تمهيداً لاحتلاله واستباحته، ولكن مشكلتهم معها أن المعركة العسكرية والأمنية حسمت في وقت مبكر لمصلحتها، وأن التجويع والتعطيش هو ما تبقى بين أيدي قتلة لا يفتر حقدهم، ولا يعرفون معنى الغفران ولا الرحمة. وفي مثل هذه الدوامة، كيف يمكن لأية حكومة، حالية أو قادمة، أن تسجّل إنجازاً متواصلاً أو كاملاً.. ستكون مقيّدة في إجراءاتها وتدابيرها، وستتم عرقلة أية مبادرة لها، وسوف يتم الانتقاص من، أو شل أيّ خطوة يمكن لها أن تمضي بها قدماً، مثلها مثل أي مؤسسة وطنية، حتى لو كانت من القطاع الخاص، أو أي مستثمر أجنبي يختار العمل في سورية المحاصرة. وتماماً كما كانت أصوات الشر ترتفع عندما كان الجيش العربي السوري على أهبة تحرير القصير أو حلب أو الغوطة الشرقية، أو أية بقعة من أرض الوطن، يقف المضاربون والمجرمون الاقتصاديون ولصوص الخارج بالمرصاد أمام أية محاولة ولو لترميم سبل العيش أو إعادة الحياة إلى الشعب السوري بحدودها الأولية.
وإذا كان أحد لا ينكر ما يلعبه الفساد من تأثير مدمّر، مادياً ونفسياً ومعنوياً، فإن علينا أن نعترف أيضاً أن اللعبة معقدة وشائكة، وأن الخطوط الفاصلة بين ما هو “وطني” و”لا وطني” – وفق التقسيمات المعهودة والمتعارف عليها- باتت رجراجة ومتحركة. وللمفارقة القاسية فإن بعض المتهمين بالفساد، والتجار في المقدمة، يموّلون احتياجات معيشية عديدة، وأن بعض المؤسسات الحكومية مدينة لهم بالمليارات – وتلك حقيقة قائمة – وأن سعر الصرف تحكمه – كما شرح السيد رئيس مجلس الوزراء – اعتباراتٌ خارجية جزء غير يسير منها يتخذ شكل هجمات مبرمجة ومدروسة، وهي تكاد تكون غير ذات صلة، وحتى إشعار آخر، بصوابية القرار أو الكفاءة في العمل.
ليس دفاعاً عن حكومة بات التهجّم عليها رياضة يومية غير مكلفة، أو نوعاً من محاولة إشباع رغبة عابرة في تبديد الوقت وإيجاد تسلية، أو قطع تذكرة دخول لنادي الغيورين على الشأن العام وإظهار التعاطف غير البريء مع معاناة شعب أشبع شعوذة وتمثيلاً حتى اقتاد السحرة والحواة الكثير من أبنائه إلى تدمير وطن.. ليس كل ذلك وإنما دعوة للاعتراف بالحقائق على الأرض، ومهما كانت قاسية ومريرة، بالإشارة إلى بيان الحقائق الذي قدّمته رئاسة الحكومة بشفافية كاملة وموضوعية لا تخلو من وجع.. وما على الجميع إلا التحلي بالواقعية وإمعان النظر، وأن تضيء شمعة واحدة خير من أن تلعن الظلام ألف مرة.
إن البحث عن ضوء في نهاية النفق إنما يبدأ من الاعتراف بالمسؤولية المشتركة، وبالتمسك بالتضامن الجماعي؛ فليس غير الاعتماد على الذات، وليس غير الدولة القوية العادلة، هما اللذان سيمكّنان من الخروج من هذا المأزق المتمادي الذي كلما وضعت اليد على حل تم إيجاد ألف مأزق ومأزق، وكلما سدّت فجوة فتح ألف مسرب، فالمعركة لم تنتهِ، ومن يخوضها ليس الحكومة وحدها، بل الجيش والشعب والقيادة ممثلة بشخص السيد الرئيس بشار الأسد.