الأولوية لا تزال للاستيراد..!!
علي عبود
يطرحُ توقف شركة سكر سلحب عن العمل، بسبب عدم توفر الكميات الكافية من الشوندر، مشكلة قديمة جداً تعود لثمانينيات القرن الماضي، بدأت بإقامة خمس شركات للسكر تعمل حصرياً لمدة 100 يوم في السنة بتكرير السكر من الشوندر، لتقفل بعدها لمدة 265 يوماً!. وكان يمكن تلافي هذه المشكلة بتصميم الشركات لتعمل أيضاً على تكرير السكر الخام مثل شركة سكر حمص، وفي ذلك توفير كبير للقطع الأجنبي، لكن ما من حكومة خطّطت أو عملت على معالجة هذا الخلل.
وبما أن الطاقة الإنتاجية لمعمل سكر حمص 300 طن، فهذا يعني إمكانية إنتاج طاقة مماثلة أو أكبر منها في حال تعديل أو تركيب خطوط إنتاجية لتكرير السكر الخام في شركة سكر سلحب، ونتساءل: لماذا لم تعمل وزارة الصناعة على تعديل شركة سكر سلحب خلال عمليات إعادتها إلى العمل لتتمكّن من تكرير السكر الخام طالما دعم محصول الشوندر ليس مدرجاً على جدول اللجنة الاقتصادية؟
لقد بدأ الخلل مع تنفيذ شركات السكر في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، فهذه الشركات كانت تعمل لمدة 100 يوم كحدّ أقصى في تصنيع محصول الشوندر السكري، وتبقى متوقفة 265 يوماً عن الإنتاج، يتقاضى عمالها رواتبهم دون انقطاع!
وبدا واضحاً أن الحكومات المتعاقبة لم تكن جادة بتطوير شركات السكر لتكون كمثيلتها، شركة سكر حمص الأقدم منها، التي تكرّر السكر الخام على مدار العام باستثناء فترة الصيانة. ولا ندري ما هي الأسباب التي جعلت الحكومة منذ البداية تختار هذا النموذج من خطوط الإنتاج التي تقتصر على تصنيع الشوندر دون تكرير السكر الخام؟
وقد أدّى اختيار هذا النموذج إلى إغلاق معامل السكر كلياً في منتصف ثمانينيات القرن الماضي عندما قلّصت الحكومة المساحة المزروعة بالشوندر، وفضّلت، كما حصل في الأعوام الأخيرة، استيراد السكر الأبيض، بعد انخفاض أسعاره، مباشرة من الأسواق العالمية.
ومع أننا لسنا في مجال مناقشة مبررات تبني خيار الاستيراد بدلاً من استخراج السكر من الشوندر، إلا أننا نشير إلى أن معامل السكر كان يمكن لها الاستمرار في عملها بتكرير السكر الخام لو وضعنا منذ البداية هذا الموضوع في الحسبان.
ونعتقد لو أن الحكومة أجرت دراسة الجدوى الاقتصادية أثناء التفكير بإقامة معامل سكر جديدة في بلدنا لما اضطرت لاختيار النموذج الذي لا يعمل إلا بتصنيع محصول الشوندر السكري، ولوقع اختيارها على النموذج الذي يحقق الهدفين معاً، أي تصنيع الشوندر السكري وتكرير السكر الخام، إذ لا يجوز أن تبقى منشآت إنتاجية خارج دائرة التشغيل الاقتصادي إلا لأسباب قاهرة خارجة عن إرادتنا، وهذا الأمر لا ينطبق حتماً على معامل السكر، ولا على الكثير من المعامل الأخرى التي توقفت عن الإنتاج كلياً أو جزئياً لأسباب غير موضوعية أو قاهرة.
وها هي الحكومة تكرّر الخطأ نفسه خلال إعادة تأهيل شركة سكر سلحب، فتجاهلت تزويدها بخطوط من الدول الصديقة تعمل على تكرير السكر الخام، فكانت النتيجة توقف الشركة كلياً لأن الحكومة لم تدعم محصول الشوندر لإنتاج الكميات الكافية لتشغيل الشركة ولو لمدة 100 يوم فقط!!
ونستنتج بسهولة أن الحكومات المتعاقبة لم تكن جادة بمعالجة أسباب الخسائر الناجمة عن توقف المنشآت الإنتاجية المتخصّصة بتصنيع المحاصيل الزراعية، فهي لا تزال تفضّل الحل الأسهل، أي الاستيراد بالقطع الأجنبي، بدلاً من تصنيع ولو كميات قليلة من احتياجاتنا محلياً!
والسؤال: هل كان بالإمكان تعديل مهام شركة سكر سلحب لتتمكن من تكرير السكر الخام بدلاً من توقفها نهائياً؟
الفكرة ليست مستجدة، ففي عام 1992 أنجزت وزارة الصناعة دراسة اقتصادية لتعديل شركات سكر سلحب ومسكنة والرقة ودير الزور لتعمل على تكرير السكر الخام خارج فترة تصنيع الشوندر. وكانت تكلفة التعديل لا تتجاوز 12 مليون دولار، ومع ذلك لم توافق الحكومة عليها، لعدم قناعتها بجدوى تكرير السكر الخام بما يؤمن أكثر من 30% من حاجة سورية، وكان يمكن استرداد المبلغ بعد عام واحد فقط، لكن المشروع لم ينفذ!
الخلاصة: لم نتفاجأ بعدم تعديل الخطوط الإنتاجية لتكرّر السكر الخامي في شركة سلحب، فوزارة الصناعة التي لم تهتمّ بتأمين المادة الأولية لشركة سكر حمص خلال الأعوام الماضية، ووزارة الزراعة التي أخفقت بزيادة مساحة الشوندر، واللجنة الاقتصادية المنشغلة بزيادة أسعار مستلزمات الإنتاج المحلي بدلاً من دعمها.. كلها مؤشرات وأدلة على أن الأولوية للاستيراد لا لتصنيع بدائله محلياً!!