تحقيقاتصحيفة البعث

أهالي منطقة محردة: كيف سنعود وقرانا لا تتوفر فيها أدنى متطلبات العيش؟!

ذُكاء أسعد – حسان المحمد

ثلاث سنوات بعد التحرير كانت كفيلة ببدء الجهات المعنية ترميم ما دمّره الإرهاب في مدن وبلدات منطقة محردة، لكن مع بدء العودة فوجِئ الأهالي بواقع مرير، فمن منازل مدمرة إلى أخرى منهوبة وخالية من أي شيء، إضافة إلى تضرر كافة الدوائر والمؤسّسات الحكومية والمرافق العامة وخروج غالبيتها عن الخدمة. وعلى الرغم من زيارة أكثر من محافظ لتلك المنطقة مع مدراء وشخصيات خدمية معنية بالأمر، وتقديم وعود كثيرة لتمكين الأسر من العودة، إلا أن تلك الوعود يتمّ تجاهلها مع انتهاء الزيارة، وهذا ما جعل سكان المنطقة يمتنعون عن العودة مجبرين، في الوقت الذي تشترط الجهات الخدمية في المحافظة عودتهم لوضع المنطقة ضمن خططها المستقبلية وليس على المدى المنظور!.

بانتظار الخدمات
اتفق رؤساء مجالس مدن وبلدات منطقة محردة على أن عودة الأهالي مرتبطة بشكل مباشر بعودة الخدمات، ففي ظلّ عدم تخديم المنطقة اقتصر عدد العائدين إلى مدينة حلفايا على 2100 أسرة من أصل 50 ألف نسمة، وفي بلدة الجلمة نحو 500 نسمة من أصل 4000، بينما لا يتجاوز عدد العائدين في مدينة اللطامنة 350 أسرة مع وجود 500 أسرة قاطنة في الريف المحيط بانتظار عودة الخدمات.

تدمير كبير
وبيّن إبراهيم الحسن رئيس مجلس مدينة حلفايا، وجود ضرر كبير في البنى التحتية للمنازل، وسرقة كافة محتوياتها، إضافة للدمار الكبير الذي لحق بالدوائر الرسمية في المدينة، حيث تحتاج الوحدة الإرشادية ومركز حلفايا البيطري وطوارئ الكهرباء لإعادة تأهيل، إلى جانب حاجة النادي الرياضي المدمّر لإعادة الإعمار.

بدوره أشار محمد خليف العلي رئيس مجلس بلدة الجلمة إلى حاجة مبنى البلدية والإرشادية الزراعية والفرقة الحزبية والجمعية الفلاحية للترميم، أما في اللطامنة فالوضع أيضاً ليس بأفضل حال، فقد بيّن فادي القدور رئيس مجلس المدينة حاجة المدينة لترميم وصيانة البنى التحتية كافة.

التحدي الأكبر
ومن خلال الوقائع على الأرض تظهر أن مشكلة المياه من أكبر التحديات التي تحول دون عودة الأهالي، حيث تحتاج الشبكة في الجلمة للصيانة وضخ المياه على الشبكة مباشرة بسبب عدم تأهيل خزان المياه المدمّر حتى اليوم، أما في حلفايا فيوجد 5 آبار لمياه الشرب إضافة لبئر داخل حرم المشفى الوطني، وقد أكد رئيس مجلس المدينة قيام مؤسسة مياه الشرب بتأهيل أحد الآبار وصيانة الشبكة الرئيسية وضخ المياه بشكل مباشر على الشبكة بسبب خروج خزانات المياه عن الخدمة، كما قامت منظمة العمل ضد الجوع والمجلس النرويجي بتأهيل بئرين آخرين، لكن اقتصار الضخ على الشبكة تزامناً مع توفر الكهرباء وعدم عمل الآبار بالاستطاعة المطلوبة يؤدي إلى نقص كبير في المياه، لذا لا بدّ من تزويد الآبار بمنظومة طاقة شمسية.

ليس لديها وقت…؟
وفي اتصال مع المهندسة سوسن عرابي مديرة مؤسسة المياه في حماة للوقوف على واقع المياه في منطقة محردة والأعمال المُخطّط لتنفيذها، أكدت أن حجم العمل الكبير المُلقى على عاتقها وضيق الوقت يمنعها عن الإجابة بالوقت الحالي، مع وعود بالإجابة على تساؤلاتنا بعد حوالي أسبوع على الأقل، هذا إن توفَّر لديها الوقت!!.

خارج الخدمة
أما ما يخصّ شبكة الاتصالات فهي معطلة بشكل كامل في الجلمة وحلفايا واللطامنة وكفرزيتا، وكان واضحاً من خلال زيارتنا الميدانية أن كافة الأعمدة والكابلات وغرف الهاتف “الاونات” مدمرة وتحتاج لإعادة تأهيل، وهنا أكد المهندس منيب الأصفر مدير السورية للاتصالات عدم إمكانية العمل هذا العام بالنسبة لصيانة مراكز الاتصالات، وذلك بسبب ارتفاع الأسعار وعدم توفر التجهيزات إضافة لانتظار عودة الأهالي وحسب الأولوية، مشيراً إلى إمكانية البدء بتأهيل الاتصالات في حلفايا العام القادم.

غير كافية
رئيسُ مجلس مدينة حلفايا، بيّن وجود 30 مركزاً للكهرباء، لكن العامل منها 6 مراكز، لا تلبي الاحتياجات، بسبب سوء شبكة الأمراس كونها بدائية وقديمة، عدا عن النقص بالأعمدة ما يشكّل خطراً كبيراً على حياة الأهالي، مطالباً بتأمين أربع محولات على الأقل وأعمدة وأمراس جديدة، أما في بلدة الجلمة فقد أكد رئيس مجلس البلدة أن تخديم المواطنين العائدين يتمّ بشكل مباشر، وذلك بعد تقديم طلب لمجلس البلدة يتضمن عدد الأعمدة المطلوبة ليتمّ مراسلة كهرباء حماة والبدء بتخديمهم مباشرةً.
ومتابعة للموضوع عرض المهندس حبيب خليل مدير الكهرباء الأعمال المنفذة في ريف محردة، مشيراً إلى صيانة 6 مراكز تحويل أرضية باستطاعات مختلفة، إضافة لأربعة مراكز تحويل هوائية في كلّ من حلفايا واللطامنة والجلمة، وأكد خليل أنه سيتمّ إعادة تأهيل ما تبقى من الخطوط في المناطق المذكورة، وتزويد المدن والبلدات بمتطلباتها فور توفر المواد اللازمة في مستودعات الشركة، لافتاً إلى الانتهاء من مرحلة مدّ شبكة التوتر العالي 20 kva انطلاقاً من منطقة المنطار في اللطامنة إلى مدينة كفرزيتا لإيصالها إلى كافة مراكز التوتر المنخفض عن طريق الشبكة الأرضية الحلقية التي تغذي كافة المراكز المنخفضة للمدينة.

تسليك وصيانة
أما عن شبكة الصرف الصحي في البلدات التي ذكرناها فتحتاج للتسليك، والبعض من الأحياء يحتاج لصرف صحي جديد وكذلك أغطية للريكارات، وقد بيّن المهندس فادي العباس مدير شركة الصرف الصحي في حماة تنفيذ مشروع صرف صحي في مدينتي كفرزيتا واللطامنة عن طريق اليونيسيف، أما في مدينة حلفايا فقد تمّ تنفيذ ثلاث وصلات من قبل الشركة بطول 30 متراً وتعزيل المطريات وغرف التفتيش، لكن لم يتمّ تنفيذ أي مشروع في بلدة الجلمة، حيث تم مراسلة مجلس البلدة لموافاة الشركة بالأعمال المطلوبة، سواء أكانت صيانة أم وصلات جديدة.
وكشف العباس عن سعي الشركة لدى وزارة الموارد المائية والمنظمات الدولية العاملة بهذا المجال لتأمين أغطية الريكارات المطلوبة، بما يضمن رفع الضرر عن الأهالي وحسن استثمار شبكة الصرف الصحي في المدينة.

حلول مؤقتة
ورغم إيجاد حلول مؤقتة للتعليم في المنطقة، بيّن رئيس مجلس بلدة الجلمة وجود 4 مدارس، ثلاث منها تحتاج للترميم وواحدة تمّ ترميمها مبدئياً واستخدامها هذا العام، وفي مدينة حلفايا هناك 15 مدرسة، تمّ ترميم 7 منها لتخديم جميع المراحل الدراسية لكنها غير كافية حيث تحتاج المدارس الخمس لإعادة إعمار، وفيما يخصّ الواقع الصحي، تعاني المراكز الصحية عموماً من نقص الكادر الطبي ولاسيما الأطباء المختصين، فمشفى حلفايا الوطني الذي يعتبر المشفى الوحيد في المنطقة الذي يخدِّم ريف حماة الشمالي وريف إدلب الجنوبي، بحاجة ماسة لإعادة تأهيله ولاسيما أنه كان منذ سنوات خلت يقدم كافة خدماته إضافةً لتقديم الأدوية مجاناً في بعض الأحيان.
مصدر في صحة حماة، أكد أن نقص الكادر الصحي يعود لتسرّب الأطباء الاختصاصيين والعامين بشكل عام، وعدم رغبة أي اختصاصي بالتعاقد مع وزارة الصحة مما سبّب قلة الخدمات الاختصاصية في قسم كبير من المراكز الصحية وليس فقط في هذه المناطق.

ختاماً لا بدّ من الإشارة إلى أن سنوات النزوح الثلاث بفعل الإرهاب، أدّت لتراجع المستوى المعيشي للأهالي بشكل لا يُطاق، إذ فَقَد غالبية أصحاب الحرف والمهن مستلزمات عملهم علاوة على تخريب محالهم، وكذلك المزارعون الذين تمّ سلب ونهب آبارهم ومستلزمات الري خاصتهم، ما أدى لاعتماد من عاد على الزراعات البعلية غير المستقرة بعد تراجع زراعة المحاصيل الإستراتيجية نتيجة عزوف المزارعين عن زراعتها، فهل يطول انتظار الأهالي حتى تعود الخدمات ليعودوا إلى زراعة أراضيهم وممارسة حياتهم بالعمل والإنتاج؟