الصين واليابان.. علاقة مربحة منسية منذ زمن طويل
ترجمة: عائدة أسعد
في 12 آب 1978، وقّعت اليابان والصين معاهدة السلام والصداقة. تؤكد المعاهدة على مبادئ الاحترام المتبادل للسيادة ووحدة الأراضي، وعدم الاعتداء المتبادل، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للطرف الآخر، والمساواة والمنفعة المتبادلة، والتعايش السلمي، لم تفقد تلك المعاهدة أهميتها وفعاليتها حتى يومنا هذا.
ومع ذلك وحسب رأي بعض المحلّلين السياسيين، لا يمكن تجاهل الشعور المتزايد بالأزمة بأن هذه المعاهدة أصبحت فارغة، فقد تغيّر ميزان القوى بين اليابان والصين بشكل كبير على مدى السنوات الخمس والأربعين الماضية من الناحيتين المطلقة والنسبية، كما شهدت البيئة الدولية لكلا البلدين، بما في ذلك العلاقات الصينية الأمريكية، تغيرات جذرية وبالتالي إذا لم تولي اليابان والصين اهتماماً دقيقاً لإدارة علاقتهما، فلن يكون من المفاجئ رؤية العلاقات اليابانية الصينية تتدهور أكثر مما هي عليه الآن.
إذاً ما هو المطلوب لتحقيق الاستقرار في العلاقات بين اليابان والصين؟ بما أن العلاقات الدولية هي امتداد للعلاقات الإنسانية فإن مفتاح تحسين العلاقات بين اليابان والصين يكمن في التفكير في كيفية فكّ العلاقات الإنسانية المعقدة.
موقف الطرف الآخر
إن الدول الغربية تنظر إلى قيود الصين الأخيرة على تصدير المواد شبه الموصلات على أنها “إكراه اقتصادي”، ولكن من وجهة نظر الصين، تمارس الولايات المتحدة ضغوطًا اقتصادية على الصين منذ وصول الرئيس السابق دونالد ترامب إلى السلطة واليابان تتعاون مع هذه الإجراءات بشكل أساسي.
يجب على قادة اليابان والصين أن يحاولوا بجدية وبهدوء تحسين الاتصال كخطوة أولى، فقد كانت الحكومة اليابانية بطيئة جداً في استعادة وتقوية التواصل مع الحكومة الصينية، وإذا عقدت اليابان قمة ثلاثية مع الولايات المتحدة وجمهورية كوريا، على سبيل المثال، فيجب عليها أيضاً عقد قمة بين اليابان والصين وجمهورية كوريا بشكل عاجل.
ولا شكّ أن الصين الآن قوة عظمى، وهي دولة عظيمة وناضجة ذات حضارة غنية وحكمة، ويأمل سياسيوها أن تتمكّن من التركيز أكثر على القوة الناعمة وكسب الآخرين بسحرها.
الانخراط في تعاون محدد في مجال تغير المناخ
وأما الجانب الآخر والحاسم فهو أنه يجمع اليابان والصين سجل حافل من التعاون، ولكن يبدو أن هناك في الوقت الحالي مخاوف مشتركة في اليابان من أنه إذا تعاونوا مع الصين، فقد يتمّ سرقة تقنيتهم، أو قد تجتذب التدقيق من الولايات المتحدة، وفي حين ينبغي لليابان أن تطالب الصين بتحسين مجالات مثل حماية حقوق الملكية الفكرية، فمن العبث تماماً أن تتردّد اليابان في التعاون الياباني الصيني في مجموعة واسعة من المجالات بسبب التركيز المفرط على المنافسة الجيوسياسية.
كما يرى المحللون أن إحدى المهام العاجلة تتمثل في التعاون بين اليابان والصين بشأن تغيّر المناخ، وقد حذّر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش في 27 تموز الماضي من أن عصر الاحتباس الحراري قد انتهى، وأن عصر الغليان العالمي قد حان، وتواجه كلّ من اليابان والصين بالفعل موجات حر شديدة وهطول أمطار غزيرة، مما أدى إلى فقدان العديد من الأرواح والثروات، وإذا استمر هذا الوضع، فقد تعاني اليابان والصين والعالم من عواقب تغيّر المناخ، بغض النظر عن نتيجة المنافسة الجيوسياسية.
إن الانخراط في تعاون مباشر في تطوير التكنولوجيا البيئية، وتعزيزها يمكن أن يؤدي إلى إعادة بناء علاقة منسية منذ زمن طويل ومربحة للجانبين بين اليابان والصين، وفي الواقع سوف يتقدم تطوير السيارات الكهربائية، واعتمادها على نطاق واسع ببطء شديد إذا سعت اليابان إلى تحقيق هذا الهدف بمفردها، سواء من حيث التكنولوجيا أو نطاق السوق، ويجب على كلا البلدين أيضاً تعزيز فكرة التعاون الياباني الصيني بقوة في أسواق البلدان الثالثة المتعلقة بانخفاض الكربون وحياد الكربون، كما تمت مناقشته خلال المنتدى الثنائي في ووهان بمقاطعة هوبي في عام 2021.
مهمة اليابان التاريخية
مع الاحتفال بالذكرى السنوية الخامسة والأربعين لمعاهدة السلام والصداقة اليابانية الصينية، تقف العلاقات اليابانية الصينية عند مفترق طرق والوقوع في فخ “ثيوسيديدس”، وعقلية الحرب الباردة قد تقود الطرفين إلى دوامة سلبية خطيرة، ولذلك يجب الامتناع عن السير في هذا الطريق المحفوف بالمخاطر من خلال التمسّك بالعقل والأمل.
ويمكن لليابان أن تلعب دوراً حاسماً في السيطرة على المواجهة الصينية الأمريكية، والتخفيف من حدتها. ولتحقيق ذلك، يجب على الحكومة اليابانية تغيير عادتها في التفاني غير الأناني للدبلوماسية الأمريكية، وبدلاً من ذلك، يجب أن تأخذ مثال ألمانيا الغربية، التي اتبعت دبلوماسيتها الخاصة مع الاتحاد السوفييتي، وسهلت الانفراج بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي واليابان التي تعمل كجسر بين الولايات المتحدة والصين يمكن أن تكون أكثر ملاءمة لروح معاهدة السلام والصداقة بين اليابان والصين.