في عيد الصحفيين.. سلة مطالب مجمدة في الأدراج.. ووعود تدق أبواب الجهات المسؤولة
بشير فرزان
تتكرر في كل عام وفي عيد الصحافة تحديداً المطالب الصحفية التي بقيت حبراً على ورق، رغم كل الأحاديث والأقاويل التي تقذف بحياة الصحفي إلى العالم الوردي في لحظة النشوة والتخلي عن حقيقة العمل الإعلامي بكل منغصاته وصعوباته المتدحرجة ككرة الثلج في يوميات آلاف الصحفيين المنتسبين إلى اتحاد الصحفيين الذي يبذل، حسب تصريحات مكتبه التنفيذي، جهوداً كبيرة لتحسين الواقع والانتقال إلى مرحلة جديدة في العمل الصحفي أكثر مهنية وتطوراً، ومن جهة أخرى الارتقاء به ضمن بيئة محفزة ومشجعة على الإبداع وتقديم الأفضل.
ولاشك أنه منذ أن تسارعت رحى الوعود والتصريحات المتعلقة بتطوير وتحسين واقع العمل الصحفي من كافة المناحي، ومن ضمنها رفع قيمة التعويضات الصحفية، وحياة كل من ينتسب لمهنة المتاعب في تراجع مستمر، هذا إلى جانب العديد من المخاطر التي يتعرض لها في أجواء عمل إعلامي غير آمنة على الإطلاق، سواء خلال سنوات الحرب أو في هذه الأيام التي فقد فيها الصحفي الحصانة وبات عرضة للأذية الشخصية والقانونية والأخلاقية، إلى أن وصل به الحال إلى إنكار هويته الصحفية وعدم إبرازها لكي يسلم من أي تنمر أو تسلط عليه من قبل أشخاص أو جهات تتعامل معه كمتمرد وليس كإعلامي.. وطبعاً نحاول هنا تخفيف المعاناة رغم ضخامة التحديات والمخاطر التي يجابهها الصحفي دون أي حماية أو بالأحرى حماية متأخرة.
ومن المؤسف أنه وبعد طول انتظار لم تثمر حتى الآن مساعي المكتب التنفيذي لاتحاد الصحفيين بتحقيق المطالب الصحفية، وذلك في إطار الجهود الحثيثة لتحسين الواقع الصحفي وللإيفاء بوعود الحكومات المتتالية المتعلقة بإقلاع عجلة التغيير والمباشرة بالتغذية المادية والمعنوية داخل الجسم الصحفي الذي استبشر بها خيراً لإحداث تغيير واضح في أدائه. ونذكر أنه تمّ عقد الكثير من الاجتماعات ما بين اتحاد الصحفيين ورئاسة الوزراء التي خلصت، كما صرح آنذاك، إلى ضرورة وضع آليات جديدة لتطوير عمل الاتحاد وإجراء تقييم ومراجعة للآليات السابقة، ووضع صيغة متطورة للعمل الإعلامي بشكل عام، وتعديل التشريعات والقوانين الناظمة لعمل الاتحاد ووضع رؤية لتطوير عائداته المالية من خلال الاستثمارات لتحسين واقع المنتسبين إليه، وتنظيم دورات نوعية متخصصة لرفع كفاءة الكوادر الإعلامية في مختلف الاختصاصات، ولكن يبدو أن هناك من ارتأى تجزئة هذه المطالب وتقديمها على مراحل، وهذا طبعاً أفضل من أن تذهب جميعها “أدراج الريح” كما يقول البعض، أي “عصفور باليد أفضل من عشرة عالشجرة”!.
ومن بوابة الامتنان والشكر لكل من سعى وعمل لتنفيذ خطوات لصالح الصحفيين، يحق لنا هنا إطلاق همسة بسيطة في أذن من يعرقل تنفيذ المطالب الصحفية تحت عنوان عدم وجود موارد مالية، أو ذلك الذي يتناسى لسنوات مطالب من كانوا رأس حربة كما يُقال في المواجهة خلال سنوات الحرب من الإعلاميين وهم يواصلون أداء مهامهم الوطنية رغم تشاركهم مع باقي الشرائح الظروف الاقتصادية الصعبة، إضافة إلى صعوبات مهمتهم التي أضحت مع ضآلة ما يُقدم لهم من دعم وضعف الحاضنة القانونية والنقابية والمادية أشبة بمحاربة طواحين الهواء، وأقرب في يومياتها المهنية إلى السير في حقل من المفخخات والألغام، وخاصة لمن التزم بميثاق الصحافة وأدبيات وأخلاق المهنة.. وما أكثرهم.
واليوم يتساءل العديد من الصحفيين عن سلّتهم المطلبية التي لا يمكن تأجيلها أو إخضاعها لانعكاسات الظروف، وذلك لقاعدة مهنية بسيطة تقوم على أساس تحقيق الملاءة المعنوية والمادية للكوادر الإعلامية يسهم في تطوير الأداء والارتقاء بالعمل الإعلامي ليتماهي مع خصوصية المرحلة، فمن المؤلم أن يتكرر تداول السلة الغنية بالمطالب الصحفية التي تحشر في خانة المطالب رغم كونها من الأمور البديهية ومن المستلزمات الأساسية للعمل الصحفي الذي نجح في امتحان الوطنية والمواجهة والردّ على أكبر المؤسسات الإعلامية العالمية بكل مهنية وحرفية؟.
باختصار: ليس من باب “رفض النعم” أو الطمع، ولكن من قلب الواقع والحياة المهنية، لابد من إعادة التذكير بمعاناة الصحفي “الإعلامي”، سواء في يوميات عمله أو في حياته المعيشية مع الاحتفاظ بحق الخصوصية المهنية التي تمنحه الحق للمطالبة والتشبث بحقوقه، وضرورة تضافر الجهود بين مختلف المكونات الإعلامية للوصول إلى إعلام نوعي يتوافق مع ضرورات المرحلة، وتحديد هوية وطنية لكل وسائل الإعلام ضمن الثوابت الوطنية، إضافة إلى تفعيل دور الاتحاد في الجانب الاجتماعي والتنمية البشرية، وللعلم هناك الكثير من الزملاء الذين باتوا تحت الخطوط المعيشية الحمراء، وهناك الكثير من المعاناة سواء من الناحية المعيشية أو المهنية، وخاصة مسألة الحصانة والحماية.. فهل ما قلناه يندرج ضمن دائرة “النعمة”؟!