تحديد المسار الوظيفي هل يكفي للارتقاء بالعمل وضمان استقراره؟!
“أفضل طريقة للتأثير إيجاباً على المؤسسات هي التركيز على تطوير القيادة واستقطاب الأشخاص الجيدين والسعي لتطويرهم باستمرار بما يضمن الاستقرار الوظيفي في الجهات العامة والارتقاء بالأداء المؤسساتي” هذا بعض ما تحدثت به وزيرة التنمية الإدارية سلام السفاف، خلال افتتاح البرنامج التدريبي الحوار للقيادات الإدارية العليا.
والمتابع لعمل الوزارة بهذا الخصوص يلاحظ أنها قطعت خطوات نحو تحديد المسار الزمني للقيادات الإدارية العليا، من خلال المرسومين 25 و68، اللذين يحددا المسار الوظيفي في مركز عمل معاوني الوزراء – المستهدفين من البرنامج التدريبي – والمدراء العامين، ولكن ما هو المسار الوظيفي؟.
مجموعة الوظائف
مستشار وزيرة التنمية الإدارية للشؤون القانونية والتعاون الدولي، الدكتور عقبة علي، عرّف المسار بأنه مجموعة الوظائف والمهن التي يشغلها الموظف في حياته العملية، منذ بدايتها وحتى التقاعد، وهو يتسم بشكله الصاعد إذ تزيد المسؤوليات والواجبات والحقوق مع الانتقال من وظيفة لأخرى، مشيراً إلى أنه يتحدد بثلاثة أركان هي المسار الزمني، وتخطيط الأداء والتدريب ومن ثم التقييم، وتعتبر مدته واحدة حتى لو تم الانتقال ضمنها بين الوزارات، حيث تبلغ مدة المسار الزمني لمعاون الوزير 7 سنوات و5 سنوات للمدير العام، مع قابلية إضافة ولاية إدارية واحدة لكلا المنصبين.
تأثيراته الوظيفية
وبين علي أن إجراءات تحديد المسار الوظيفي تندرج ضمن عملية إدارة التغيير، والتي تعني تحسين قدرات المؤسسة على اتخاذ القرارات وحل المشكلات وخلق علاقات متوازنة وفعالة بين المؤسسة والمجتمع والبيئة المحيطة، وذلك عن طريق استخدام العلوم السلوكية.
وهي أيضاً – أي إدارة التغيير – تساهم في المعالجة الفعالة للضغوطات اليومية المتغيرة التي تتعرض لها المؤسسة نتيجة للتقدم والتطور في ظروف العمل والأفكار والتفاعل معها داخل المؤسسة وخارجها، بهدف ممارسة العملية الإدارية بكفاءة وفعالية وصولاً إلى الهدف المنشود.
الفساد والشخصنة!
ولفت علي إلى أن محور عملية إدارة التغير هو تحويل الوضع القائم في المؤسسات إلى وضع آخر من أجل زيادة فعاليتها، ويعد تحديد المسار الوظيفي خطوة ضرورية لتعزيز خطوات المشروع الوطني للإصلاح الإداري، خاصة لجهة تقليص الترهل الإداري والحد من الفساد والشخصنة والمحسوبيات في الترشيح لشغل الوظائف الإدارية، ما يفتح الباب أمام ضخ خبرات شابة جديدة في جسم الإدارة الحكومية.
إدارة المسار
الدكتور سامر مصطفى، عميد معهد التنمية الإدارية، أشار إلى أن الأهم من تحديد المسار الوظيفي هو إدارة المسار، أي العملية التي يقوم بها العامل وإدارة المنظمة، بالتخطيط والتحكم بالمسار الوظيفي للعاملين بطريقة توائم بين حاجات المنظمة وتفضيلات العاملين، ويتمثل ذلك بتحديد آلية الترقية، والتدوير الوظيفي والتدريب، سواء قبل التعيين أو بعده، إضافة للحوافز.
وبحسب مصطفى، فإن وزارة التنمية وضعت معايير للترقية والتدريب والحوافز، لكنها لم تتناول التدوير الوظيفي، والمسار الوظيفي الواضح والشفاف يحافظ على الموارد البشرية من خلال تطبيق إدارة المسارات الوظيفية بشكل صحيح.
جهل تنظيمي
وأشار عميد معهد التنمية إلى مشكلتين تواجههما وزارة التنمية، الأولى تتمثل بحل المشكلات القائمة والمتراكمة في العمل الحالي التقليدي، والثانية تتعلق بكيف تواجه ما يسمى في علم الإدارة بالجهل التنظيمي، من تعقيد والتباس وغموض وعدم التأكيد، إذ إن هناك جهلاً لدى الموظفين بالقواعد والإجراءات، وجهلٌ بالأهداف والمعلومات، فضلاً عن صعوبة تفسير المعلومات وتعدد تفسيراتها.
وبحسب المصطفى، يتطلب من الوزارة التركيز على إدارة المعرفة للموظفين بالجوانب التنظيمية، كمرحلة أولى ثم الانتقال إلى التطوير الإداري الحديث والجديد، التقني والتكنولوجي.
تخطيط المسار
خبير تخطيط الإدارة العامة، الدكتور عبد الرحمن تيشوري، بين أن مفهوم المسار الوظيفي وتطبيقه لم يفهم ولم يطبق بشكل جيد، وحتى بالنسبة للمعايير التي وضعت فإنها لم تنفذ حتى اللحظة، وعلى اعتبار أن هذا المفهوم يعني الوظائف التي يشغلها الموظف خلال حياته العملية، إلا أن تخطيط المسار وتصميمه، وكيف ينتقل الموظف في المسارات الوظيفية، هي مسائل غير واضحة، سواء لدى الوزارة أو حتى لدى الموظفين والمدراء والقادة الإداريين.
وتساءل تيشوري، أنه بعد سنوات من العمل ومع انتهاء المسار الوظيفي، هل نترك تلك الخبرات أم يُعاد تدويرها، للتدريب أو لشغل أماكن أخرى؟.
محفظة الخبرات
حسب إحصائيات غير رسمية، فإن تطبيق المسار الزمني للوظيفة العامة سيحدث تغييراً يطال أكثر من 200 مدير عام ومعاون وزير، ووفقاً لمستشار وزيرة التنمية الإدارية، الدكتور عقبة علي، فإن الاستغناء عن هذا العدد الكبير في توقيت واحد قد يسبب بعض الإرباك الإداري، لذا تم اعتماد ما سمي بـ”حقيبة الخبرات” القابلة للتدوير بين المسارات الوظيفية وفق معيار “التقييم”، بحيث يتم منح قابلية الترشح لمركز عمل آخر ومسار زمني جديد بعد عملية التقييم.
علي أكد أن الوزارة تعي جيداً خطورة التخلي عن الخبرات والكفاءات، لهذا تبنت قرار التدوير الوظيفي، بهدف الاستفادة من أصحاب الخبرات والكفاءات في أماكن وظيفية أخرى ضمن حالة التقييم السنوي لهم.
مقاومة التغيير
وشدد مستشار وزيرة التنمية على أن فتح الباب أمام الكفاءات الموجودة في الجهات العامة، والتي تنطبق عليها معايير الترشح لشغل الوظائف القيادية، هو خطوة غاية في الأهمية، وهي هدف مشروع الإصلاح الإداري وجوهره، ولا تراجع عنها لأن ذلك يعني التسليم بأن مقاومة التغيير هي الموقف السائد، وهذا التيار لا يكترث إلا بما يستحوذ عليه من مزايا ومكتسبات، حتى على حساب المصلحة العليا.
ولوحظ خلال التطبيق الأولي للقرار، بروز ممانعة وأصوات تهول وتحذر من تبعات سلبية وفراغ قد صيب بعض المؤسسات الإدارية، التي شَغرت فيها المراكز الوظيفية، وكان مما ظهر أيضاً أن بعض المدراء والإدارات قاموا بإخفاء مسارهم الزمني الحقيقي، بهدف استمرار الاستئثار بهذا المركز.
ولكن، يشير علي، إلى أن شغور هذه المراكز لن يؤدي إلى خلل في عمل الإدارة، إذ توجد خبرات تملكها الجهات العامة وآليات إدارية متبعة في تلك المؤسسات، وبالتالي يُفترض أن التعامل مع شغور هذا المركز أو ذاك هو شي يمكن التعامل مع احتماليته ووضع حلول موضوعية له، ولإصلاح هذا الخلل تم اعتماد بطاقات الوصف الوظيفي، والبالغ عددها 268 بطاقة وصف لمركز مدير عام، و43 بطاقة وصف لمركز معاون وزير، وبناء عليه تم تحديد المؤهلات العلمية المطلوبة لشغل تلك المراكز انطلاقاً من طبيعة المهام الموكلة لمركز العمل.
حوافز وظيفية
الحفاظ على الخبرات الموجودة أمر مهم للغاية، ولكن ذلك لا يمكن دون وجود حوافز، بحسب ما ذكر عميد المعهد العالي للتنمية الإدارية بجامعة دمشق، حيث لفت إلى أن الترقية تحقق طموحات العاملين المادية والمعنوية، والتدوير الوظيفي يكسبهم المزيد من الخبرات والمهارات، والحوافز تعزز الولاء الوظيفي والشعور بالإنجاز.
ويتشارك في هذا الرأي، الدكتور عبد الرحمن تيشوري، الذي ذكر أن تقدير الخبرات واختيار المدراء والقادة حسب الكفاءة، وإعادة تدوير من انتهى مساره الوظيفي، إضافة إلى تفعيل التدريب في كافة الجهات العامة وتخصيص جزء من ميزانية المؤسسات لذلك يسهم في الحفاظ على الكفاءات والإفادة منها.
وأضاف بأنه من الضروري وضع مؤشرات لقياس الأداء الإداري وتطويره، ودعم مشاريع التطوير الإداري، تفعيلاً لاختصاصات الوزارة المحددة بالقانون 28، الذي يتحدث عن المسالك الوظيفي والشفافية المؤسساتية، وإلا سنعاني من فشل إداري خلال السنوات المقبلة!.
رغد خضور