في اليوم العالمي لرواد الأعمال .. شبابنا الرواد يطالبون ببيئة داعمة لتنمية مشاريعهم واستثمارها!
يمثل اليوم العالمي لرواد الأعمال الذي يصادف في 21 آب من كل عام، مناسبة للاحتفاء بالمبدعين والمبتكرين ورواد ورائدات الأعمال ومحاولة لتحفزيهم ودعمهم، وهذا اليوم بحسب الأمم المتحدة هو “يوم للتوعية والغاية منه التذكير والتأكيد على دعم رواد الأعمال والمبتكرين والمبدعين حول العالم”، وعادة ما تُطرح بهذه المناسبة مبادرات لمساعدة رواد الأعمال الشباب وتمكينهم من كيفية تحويل أفكارهم إلى مشاريع حقيقية فاعلة تنعكس بالنفع عليهم وعلى مجتمعهم.
مجرد كلام!
في سورية هناك عتب كبير من رواد الأعمال الشباب على الجهات المعنية رسمية كانت أم خاصة، فهي بنظرهم مقصرة في دعم بيئة العمل، ولم يتردد أحدهم بالقول “يبيعوننا الوهم، حيث نسمع كلاماً ولا نرى نتيجة عملية على الأرض تحفزنا على السير بمشاريعنا واستثمارها”.
فيما قال آخرون “رواد الأعمال يحتاجون لمن يقوي لديهم روح الشغف والمغامرة والابتكار في العمل، وهذا ما نفتقده في ظل وجود العراقيل “.
وتساءل البعض: ما فائدة المشاريع الصغيرة للشباب المبدعين إن لم يكن هناك بيئة حقيقية داعمة مادياً ومعنوياً لرواد الأعمال؟، مشيرين لافتقار بيئة الريادة للمنظومة القانونية والتشريعية والتنظيمية، وكل ما يُحفّز لتنمية المشاريع، وتحسين مناخ استثمارها!.
غزل دائم!
أحد رواد الأعمال الشباب أعرب عن ألمه وحزنه من استمرار دعم الرواد بالغزل الكلامي الدائم بأهمية دورهم، في الوقت الذي يحتاجون فيه للعمل الجاد والداعم في معالجة مشكلة البطالة، وتوليد فرص العمل، ومساعدتهم بتحويل أفكارهم إلى مشاريع ذات جدوى اقتصادية، مشيراً إلى أسراب هجرة الكفاءات التي تغادر الوطن إلى غير رجعة!
لا تُقدّم ما يريدونه!
ويشكو طلبة كلية الاقتصاد بجامعة دمشق، بل وفي كل الجامعات السورية من تخلف المناهج التي تدرس في كلياتهم، فهي لا تعلمهم الابتكار على حد قولهم، بل “الحفظ البصم من اجل النجاح”، مطالبين بوجود مناهج متطورة خاصة بالريادة، كما شكوا من الحاضنات –على قلتها- فهي برأيهم لا تقدم ما يريدونه ويحتاجونه لدعم مشاريعهم!.
أين الإعلام؟
وحمّل رواد الأعمال الشباب الإعلام الوطني جزءاً من المسؤولية، لجهة ما يعانونه من مشكلات وصعوبات، فبرأيهم كان من المفروض على الإعلام أن يكون حلقة وصل حيوية بينهم وبين الجهات المعنية في القطاعين العام والخاص، عدا عن محاولة دعمهم بالضغط لتذليل الصعوبات التي يعانون منها الخاصة بالقروض والضرائب وغيرها، إضافة إلى غياب دوره في نشر ثقافة الريادة بين أفراد المجتمع، والمؤسسات المنتجة، مؤكدين أننا اليوم بأمس الحاجة لتنمية الوعي والتوجه نحو ريادة الأعمال، ومطالبين بوضع خطة إعلامية تساهم في ترويج وتسويق مشاريعهم والدعوة لاستثمارها عملياً بما يحقق الهدف منها.
أرقام مخيّبة!
ما سبق أكده بحث تم عرضه ضمن فعاليات المؤتمر الخامس للباحثين السوريين في الوطن والمغترب لعام 2023 الذي عقد في دمشق شهر حزيران الماضي، البحث تناول العوامل السلبية المؤثرة في بيئة ريادة الأعمال في سورية وجعلها ضعيفة، وكشف البحث أن “معدل النشاط الريادي الإجمالي في المراحل المبكرة في سورية منخفض حيث بلغ (8.5%) مقارنة مع غيرها من الاقتصاديات المعتمدة على الموارد (17.7%)، ومع مجموعة دول المقارنة التسع في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا والتي يبلغ فيها (12.6 %) وسطياً”.
كما بيّنت نتائج البحث “أن سورية متأخرة، في معظم مؤشرات الابتكار واستخدام التكنولوجيا الجديدة، عن كل دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، فهي تأتي في المرتبة رقم 100 من حيث توفير عوامل الإبداع، لا شك في أنها مرتبة لا تليق، قياساً بالكوادر والكفاءات السورية المبدعة، لكن للأسف لا توجد البيئة المحفزة والداعمة لها!”.
أولوية في العمل
عميد المعهد العالي للتنمية الإدارية بجامعة دمشق الدكتور سامر المصطفى، استغرب كيف لا يكون دعم وتحفيز رواد الأعمال من ضمن أولويات العمل الحكومي خاصة في ظل هذه الظروف الاقتصادية والمعيشية الصعبة التي تتطلب دعم المبادرات والمشاريع الشبابية خاصة في القطاعين الزراعي والصناعي، مطالباً بضرورة الإسراع في وضع استراتيجيات وخطط آنية ومستقبلية لاستثمار المشاريع، ونشر ثقافة الريادة ليتعلم الشباب أسسها ومعاييرها وتبني مشاريعهم كتسهيل الحصول على التمويل، وتوفير التدريب اللازم الذي ينمي مهاراتهم ويصقل خبراتهم، وبرأيه أن التأخير بهذا الخصوص سيجعلنا على الهامش، وأشار الدكتور مصطفى إلى أن المعهد يهتم كثيراً بالريادة ولديه برامج داعمة لها وورش عمل تقدم ما هو مفيد للشباب بهذا الخصوص.
بيئة تشريعية!
لا شك أن توفر البيئة التشريعية والقانونية المرنة، عامل هام وداعم أساسي في جعل رواد الأعمال يقبلون على العمل في مشاريعهم، بهذا الخصوص أشار المحامي جابر الخضر إلى أن السياسات التشريعية المتبعة حالياً فيما يخص ريادة الأعمال الحالية غير مشجعة للبدء بالمشاريع الريادية، داعياً إلى توفير بيئة تشريعية وقانونية غير معقدة وأنظمة مالية مرنة، مع التركيز على سن تشريعات تنظيم العلاقة بين الجامعات ومشاريع الرواد، أيضاً صياغة تشريعات تنظم عمل رأس المال الجريء وخاصة لجهة العلاقة بين المستثمر ورائد الأعمال صاحب المشروع بعيداً عن الإجراءات البيروقراطية المعرقلة للمشاريع.
ليس كافياً!
بالمختصر، لدى شبابنا رواد الأعمال قدرات إبداعية مشهود لها، ولو توفر لهم الدعم المادي الكافي لانطلاق مشاريعهم، فهم بلا شك سيبدعون ولن يفكروا كثيراً بالهجرة بحثاً عن مناخ مناسب للعمل والإبداع، لذا من غير المقبول أن يستمر غياب الجهات الحكومية عن دعم رواد الأعمال الشباب ومشاريعهم الريادية ذات الجدوى، علماً أن هناك مؤسسة لتنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة تقدم بعض الدعم لكنه ليس كافياً بنظر الرواد، كونه نظري أكثر مما هو عملي، فالرواد يحتاجون إلى دعم فعلي وليس لحقن بالوعود، الشباب المبدعين يحتاجون إلى مشروع حقيقي متكامل لرواد سورية ووضع رؤية ذات أفق داعمة ومحفزة إلى أبعد الحدود، فنحن قادمون على مرحلة مليئة بالتحديات، نحتاج فيها لعقول شبابنا أكثر من سواعدهم، بحثاً عن الحلول المبدعة للمشكلات المزمنة التي نغرق فيها، لكن بشرط أن تتوفر رؤية وخطة إدارية واقتصادية لإدارة مشاريع ريادة الأعمال وتحقيق الهدف منها!.
غسان فطوم