“الشّعر والفنّ في تعزيز الانتماء”.. نماذج ووقائع وطموحات
نجوى صليبه
قد يبدو الحديث عن الانتماء وأهميّته في هذه الظّروف الصّعبة ضرباً من الخيال عند البعض، وربّما أمراً مستهجناً عند آخرين، لكنّ الحقيقة التي يجب ألّا تغيب عن أذهاننا هي أنّنا منتمون بالفطرة والعقل، ولن نستشهد بالأدلّة الآن، بل سنقول بثقة إنّ ضراوة الحرب ـ ومن ثمّ تبعاتهاـ تسببت بزعزعة هذا الانتماء قليلاً، لأنّ ما حصل ويحصل ليس من السّهل على كثير من الدّول تحمّله، ولسنا بصدد التّنظير على أحد أبداً، لكن لابدّ من التّركيز على الثّوابت والقيم التي تربيّنا عليها مهما كانت الظّروف بغضّ النّظر عن أيّ اعتبارات، وبكلّ الطّرق بما فيها الأدبية والفنّية واستثمار كلّ ما بالإمكان لغرس هذه القيم في أطفالنا مستقبلنا، وعدم استسهال أي عمل نقدّمه ونوجهه إليهم، يقول الممثّل المسرحي سليمان قطّان: “يجب أن نواكب المرحلة لنستطيع القول إنّه يمكننا صناعة جيل منتمي حسب معطيات هذا الزّمن، كلّ الدّروس والكتب لا تجعل منّا وطنيين، ووسائل التّواصل الاجتماعي خطرة جدّاً.. منذ سنة حضرت مثل هذه النّدوة وأعتقد أنّ الحضور هو ذاته، فلماذا لا نرى أحداً من جيل الشّباب؟ هل لا نستطيع “المون” عليهم؟.. يجب أن نقيم ندواتٍ كثيرةً حول موضوع الانتماء الوطني”، مضيفاً: “يجب أن يخدم الفنّ قضايا المجتمع، كثيرون يتذكّرون المونولوجست سلامة الأغواني الذي ثار على المستعمر الفرنسي بكلماته التي كان يكتبها ويغنيها بلحن واحد، ونفي وسجن بسبب ذلك، كذلك فعل فنّان الشّعب رفيق سبيعي”.
وخلال النّدوة التي أقامها اتّحاد الكتّاب العرب بالتّعاون مع مؤسسة “القدس للثّقافة والتّراث” تحت عنوان “دور الشّعر والفن في تعزيز الانتماء الوطني” في المركز الثّقافي العربي بـ”أبو رمانة”، بيّن قطّان: “أنا أشتغل في المسرح القومي منذ عشرين عاماً، وتحديداً في مسرح الطّفل، لأنّه اللبنة الأولى والأساسية في المجتمع، ولأجل ذلك يجب أن نزرع فيهم قيم الانتماء ومحبّة الوطن.. المسرح القومي يستقبل الأطفال مجاناً تقريباً، لكن هذا لا يكفي، يجب أن نتعاون جميعاً، فعلى وزارة الثّقافة دعم هذه العروض، ووضع مسرح الطّفل ضمن استيراتيجيتها المنهجية بمعطيات الزّمن الذي نعيشه، موضّحاً: “هناك اجترار لنصوص قديمة لم تعد تصلح للمرحلة الحالية إطلاقاً، ومنذ أكثر من عشر سنوات لم يكتب للطّفل أكثر من سبعة كتّاب، وهنا لابدّ من التّنويه بأنّ قصّة “ليلى والذّئب” لم تعد تجذب الطّفل بصيغتها السّابقة، فكما غيّرنا المناهج في المدارس بما يتوافق والمرحلة يجب تغيير منتوجاتنا الطّفلية من مسرح وأدب وفنّ، مبيناً: “نحن اليوم في عقر دار الوزارة في مديرية الثّقافة التي تعاني مشكلات كثيرة، ولا أقصد المادي، فطالما قررت المشاركة من دون مقابل يجب ألّا أشتكي، لكن على الأقل أن أستفيد معنوياً، لذا أتمنّى من الجميع أن يشدّ على أيادينا في أي محفل ل علاقة بالفن والأدب”.
بدوره، تحدّث محمد أبو جبارة مدير مؤسسة “القدس للثّقافة والتّراث” حول أهمية الشّعر في تعزيز الانتماء الوطني، يقول: “الشّعر مادّة أدبية سريعة الوصول وعابرة لكلّ زمان ومكان، ويتذوقه فئات عمرية مختلفة ومتعددة، لذا تلجأ دول كثيرة إلى الشّعر لإيصال القيم والأخلاق إلى مواطنيها، فالقصيدة أشدّ وطأة على العدو من السّلاح، معظمنا يذكر أنّ العدو الصّهيوني عندما دخل لبنان في عام 1982 استهدف مباشرةً مكتبة الدّراسات الفلسطينية لكي يدمّرها وهكذا ما كان، والملفت أنّه كان يبحث على موقع إذاعة من إذاعات الثّورة الفلسطينية المتواضعة والتي بالكاد كانت تتجاوز حدود بيروت، حينها كانت كلّما بثّت القصيدة التالية نفذّ شاب من شباب المقاومة عملية داخل الأراضي المحتلة، وتقول القصيدة:
طلّ سلاحي من جراحي
يا ثورتنا طل سلاحي
ولا يمكن قوة في الدنيا تنزع من إيدي سلاحي
دربك مر ودربي مر
ادعس فوق ضلوعي مر
قديش هاد الشّعب الصامد
قدم ضحى ليعيش حرّ
ويؤكّد أبو جبارة: “تعزيز الانتماء الوطني لدى هذا الجيل يكون بتعريفه بالإرث الذي وصله من وطنه، فإذا لم يكن هناك إرث كيف سينتمي؟ ولا سيّما أنّنا حتّى اللحظة لم نضع معايير نقل هذا الإرث عبر الشّعر والأدب؟ كما أنّنا إلى اللحظة لم نحدد ما هي معايير الشّعر الوطني”.
وتزامن موعد النّدوة مع ذكرى جريمة إحراق المسجد الأقصى، التّاريخ الذي يجب ألّا يغيب عن أذهاننا، يقول أمين سر اتّحاد الكتّاب والإعلاميين الفلسطينيين رافع السّاعدي: “يجب أن نتذكّر أنّ اليوم هو ذكرى جريمة إحراق المسجد الأقصى، وأنّ هناك فتية وشباب في طليعة المقاومين للاحتلال، مضيفاً: كان لإذاعات الثّورة الفلسطينية دور مهمّ في التّعبئة ونقل الرّسائل إلى الفدائيين داخل وطننا المحتل، وكثير من النّداءات التي كانت تذاع عبر إذاعات بيروت ودمشق وبغداد والقاهرة كانت رسائل إلى الفدائيين”.
ويعود السّاعدي بالذّاكرة إلى عملية إيلات حيث كانت كلمة سر البدء هي أغنية بثت عبر إذاعة “صوت فلسطين” في القاهرة، مبيناً: “في تلك المرحلة تكامل الفنّ والشّعر في التّعبئة، نذكر مثلاً أغنية محمد عبد الوهاب “أخي جاوز الظّالمون المدى فحقّ الجهاد وحقّ الفدا”، وأغنيته مع أمّ كلثوم “أصبح عندي الآن بندقية إلى فلسطين خذوني معكم”.
ويختم السّاعدي بالقول: “شباب وفتية فلسطين يواجهون العدوّ المدجج بالسّلاح بحجر أو سكين أو مسدس، وهذا درس في الانتماء، والفكر القومي مهمّ وما يزال، والمشروع القومي ضرورة وأساس لكي نواجه خطر اليوم”.