دراساتصحيفة البعث

الشعب الإسباني يراهن على نصر روسيا

هيفاء علي

في 23 تموز الماضي، تمّ استدعاء الإسبان إلى صناديق الاقتراع بعد أسابيع اضطر فيها المواطنون إلى الخضوع لسيل من “الاقتراحات الانتخابية” والبرامج والشعارات والشتائم والخسّة والطعن في الظهر بين أحزاب نظام 78، من أجل الحصول على مناصب. بينما ما يريده الإسبان هو إخراج إسبانيا من الناتو والاتحاد الأوروبي، بعدما ثبت من الناحية العملية أن الاتحاد الأوروبي ليس سوى الذراع السياسي لحلف شمال الأطلسي، وأن الناتو هو الجهاز العسكري للإدارة الأمريكية وللنخب الاستعمارية الجديدة.

من الشخصيات سيئة السمعة أمين حلف شمال الأطلسي السابق أندرس راسموسن، الذي انضمّ مؤخراً إلى زيلينسكي كمستشار رئاسي، حيث أشار في مقابلة مع صحيفة “الغارديان” إلى أنه قد تكون مجموعة من دول الناتو مستعدة لنشر قوات على الأرض في أوكرانيا إذا لم تقدّم الدول الأعضاء، بما في ذلك الولايات المتحدة، ضمانات أمنية ملموسة لكييف في الحلف. والدول التي قال راسموسن إنها ستكون على استعداد لإرسال قوات إلى أوكرانيا هي بولندا ودول البلطيق، وبالتالي هم يجّرون أوروبا كلها إلى الحرب.

تجدر الإشارة إلى أن تدخل “تحالف الراغبين” في الذهاب إلى ساحات أوكرانيا، على غرار ذلك الذي تمّ تشكيله لغزو العراق، كان قد دعا إليه في ذلك الوقت الجنرال ديفيد بتريوس، البطل الرئيسي لموسم الحروب التي لا نهاية لها والتي خاضتها الولايات المتحدة.

ولذلك يرى المحلّلون الإسبان، أنه يتعيّن على السلطات مغادرة الناتو والاتحاد الأوروبي، إذا كانت تريد حفظ ماء الوجه، مضيفين أنه يمكن للمواطنين أن يروا أن أي شيء تقوله هذه الشخصيات لا يتمّ استشارته مع الشعوب الأوروبية المعنية: إنهم يغذون الحرب دون استشارة الشعوب، ويطبقون “عقوبات” غير قانونية بموجب القانون الدولي دون التشاور معهم، ويستهدفون الصين كتهديد دون التشاور معهم.

ومع ذلك، تشير استطلاعات الرأي إلى أن الشعوب الأوروبية لديها تصور آخر للأشياء، وفكرة مختلفة تماماً عن قادتهم، والتي تكتسب المزيد من القوة مع مرور الوقت. على سبيل المثال، وفقاً لاستطلاع حديث شمل أكثر من 16 ألف شخص في 11 دولة أوروبية، فإن ما يقرب من ثلاثة أرباع الأوروبيين يؤيدون موقف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بأن الاتحاد الأوروبي يجب أن يتوقف عن الاعتماد على الولايات المتحدة لتوفير أمنه وأن يستثمر في دفاعه العسكري.

وأشار الاستطلاع أيضاً إلى أن 43% من المشاركين يعتبرون الصين “شريكاً ضرورياً”، و35% فقط “منافساً” أو “خصماً” لبلادهم، في حين أشار الاستطلاع ذاته إلى تراجع الدعم لنظام كييف منذ أشهر. وبالتالي يتساءل المحلّل، لماذا يجب أن يستمر الشعب الإسباني في تحمل دناءة الطبقات التي لا تمثل إلا نفسها؟ ولاسيما أن حالة إسبانيا دموية بشكل خاص، ففي إحدى الهيئات التشريعية، كانت لديهم الحكومة الأكثر “يسارية” و”تقدمية” منذ عقود كما يقولون، وفي واقع الأمر، فهي الحكومة الأكثر استسلاماً وخسّة، والأكثر تأييداً لحلف شمال الأطلسي، والأكثر مبيعاً في القرن الماضي. حكومة تعتقد أن الإسبان مستعدون لبيع كرامتهم وسيادتهم واستقلالهم وحريتهم مقابل القليل من الأموال الأوروبية أي مقابل بضع عملات معدنية. ودعوا إلى ضرورة أن يستيقظ الإسبان، كما يجب عليهم أن يحتقروا هذه العملات الملطخة بدماء عقود من الحروب والاستعمار الجديد. ويجب عليهم أيضاً أن يحفظوا اقتباساً كلاسيكياً من روايات ليو تولستوي، الروائي الروسي العظيم عندما قال: “المال هو شكل جديد من أشكال العبودية، يختلف عن الشكل القديم فقط في طابعه غير الشخصي، ولا توجد علاقة إنسانية بين السيد والعبد”. ومن ثم يضيف المحللون أنهم لا يعرفون ما إذا كان سيكون هناك مجال لهذا “الغضب الإسباني”، ولكن على الأقل يجب على الإسبان أن يتحلّوا ببعض احترام الذات ليقولوا “كفى!” إلى كل العار والخسة التي يمثلها حلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي. لافتين إلى أن الإسبان فهموا أخيراً لماذا تحدث هذه العروض المذهلة للفساد الأخلاقي في هذه اللحظة بالذات. بعبارة أخرى، لماذا يضغط صقور حلف شمال الأطلسي والولايات المتحدة بكل قوة من أجل توسيع الصراع الأوكراني الذي ظل حتى الآن ضمن حدود المخاطر التي يمكن التحكم بها، مع وجود هوامش متبقية للحلول التفاوضية. إنهم في واقع الأمر يخشون ألا يحقق الهجوم المضاد الذي ينفذه حلف شمال الأطلسي النجاح المتوقع. وعليه، فإن الوهم الذي يتمّ الترويج له حتى الآن حول انتصار أوكرانيا في ساحة المعركة لن يقاوم الواقع القاسي، كما أن هذا الهجوم لن يكون قادراً على استنزاف موارد موسكو بطريقة تؤدي إلى “إضعاف” روسيا بشكل كبير على المستوى الدولي، وسوف يُنظر إلى غياب النصر باعتباره انتكاسة من جانب النخب الغربية الرأسمالية والاستعمارية، مضيفين أنه قد يكون انتصار روسيا نهاية لحلف شمال الأطلسي/ الاتحاد الأوروبي، ولهذا السبب نراهن -نحن الإسبان-على مثل هذا النصر.