“البريكس 11”.. ما من جبال قادرة على وقف جريان نهر عظيم
سمر سامي السمارة
يضيف انضمام ستة أعضاء جدد إلى مجموعة بريكس نفوذاً جيوستراتيجياً وعمقاً جغرافياً إلى المجموعة، حيث تعمل المؤسسة المتعدّدة الأطراف الآن على حشد الزخم اللازم لإعادة ضبط العلاقات الدولية.
خطت دول البريكس من خلال توسيع المجموعة لتضمّ 11 دولة خطوة مهمة نحو التعددية القطبية، واعتباراً من 1 كانون الثاني القادم ستنضمّ إلى أعضاء المجموعة الخمسة، كل من الأرجنتين ومصر وإثيوبيا وإيران السعودية والإمارات العربية المتحدة.
جاء في إعلان جوهانسبرغ الثاني الصادر عن القمة الخامسة عشرة لدول البريكس، أن مجموعة “البريكس 11” هي فقط البداية، فهناك قائمة طويلة من البلدان التي تتطلع إلى الانضمام دون الإشارة إلى عشرات الدول التي “أعربت بالفعل عن اهتمامها” للانضمام إلى المجموعة. ووفقاً لجنوب أفريقيا، تشمل القائمة الرسمية، حتى الآن، الجزائر وبنغلاديش والبحرين وبيلاروسيا وبوليفيا وفنزويلا وفيتنام وغينيا واليونان وهندوراس وإندونيسيا وكوبا والكويت والمغرب والمكسيك ونيجيريا وطاجكستان وتايلاند وتونس وتركيا وسورية. وبحلول العام القادم، ستكون معظم هذه الدول شريكة في “بريكس 11” أو جزءاً من الموجتين الثانية والثالثة من حاملي العضوية، إذ يؤكد مواطنو جنوب أفريقيا أن توسع بريكس لن يقتصر على مرحلة واحدة فقط.
على الرغم من أن الطريق إلى “بريكس 11” كان صعباً خلال يومين من المناقشات في جوهانسبرغ، لكن النتيجة النهائية شكلت حدثاً كبيراً عابراً للقارات، فقد تجمّعت منطقة غرب آسيا بكامل قوتها، بالإضافة إلى انضمام ثلاثة أعضاء كاملي العضوية من الوطن العربي، وكذلك من أفريقيا. كما مارست البرازيل ضغوطاً إستراتيجية لضمّ الأرجنتين المتعثرة.
في الواقع، يعادل الناتج المحلي الإجمالي لمجموعة “البريكس 11” في وضعه الحالي 36% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، وهو بذلك يكون أكبر من مجموعة الدول السبع، كما أنه يشمل 47% من سكان العالم.
أكثر من كونها اختراقاً جيوسياسياً وجيواقتصادياً، تكسر “بريكس 11” التوازن على جبهة الطاقة، وبانضمام طهران والرياض وأبو ظبي، تصبح المجموعة قوة نفطية وغازية تسيطر على 39% من صادرات النفط العالمية، و45.9% من الاحتياطيات المؤكدة و47.6% من إجمالي النفط المنتج عالمياً. إلى ذلك، فإن التكافل المباشر بين “بريكس 11″ و”أوبك+” أمر لا مفرّ منه، الأمر الذي يمكن قراءته على أن إمبراطورية الفوضى الأميركية قد تفقد قريباً قدرتها على السيطرة على أسعار النفط العالمية، وبالتالي وسائل فرض عقوباتها الأحادية الجانب.
يشكّل تحالف السعودية بشكل مباشر مع روسيا والصين والهند وإيران تناقضاً مذهلاً لأزمة النفط التي خطّطت لها الولايات المتحدة في أوائل السبعينيات، عندما بدأت الرياض تغرق في أموال النفط. ويمثل ذلك المرحلة التالية من التقارب بين الرياض وطهران الذي بدأته روسيا ووضعته الصين في صيغته النهائية، وتمّ التوصل إليه في بكين. وهذا هو بالضبط ما كانت تخطّط له القيادة الإستراتيجية الروسية الصينية دائماً، وقد تضاعفت هذه الضربة الدبلوماسية المتميزة، إذ ستتحوّل بريكس إلى “بريكس 11” في الأول من كانون الثاني 2024، وهو اليوم نفسه الذي تتسلّم فيه روسيا رئاسة المجموعة.
بدوره، أعلن بوتين أن قمة “بريكس 11” العام المقبل ستُعقد في كازان، الأمر الذي سيكون بمثابة انتكاسة أخرى لسياسات العزلة والعقوبات الغربية الجماعية غير العقلانية، وفي كانون الثاني المقبل من المتوقع حصول مزيد من التكامل بين الجنوب العالمي /الأغلبية العالمية/ والعالم، بما في ذلك اتخاذ قرارات جذرية تتعلق بالاقتصاد الروسي الخاضع للعقوبات، وهو اليوم خامس أكبر اقتصاد في العالم بقيمة تزيد على 5 تريليون دولار.
مجموعة السبع في “غوما”
من الناحية العملية، دخلت مجموعة السبع غرفة العناية المركزة، وقد تكون مجموعة العشرين هي التالية، فمجموعة العشرين الجديدة في “العالم” هي البريكس 11، وفي وقت لاحق البريكس 20 أو حتى البريكس 40. حتى ذلك الوقت، سيظل البترودولار بالكاد على أجهزة المراقبة في غرفة العناية الفائقة.
من المؤكد أنه لم يكن من الممكن تحقيق البريكس 11 من دون الأداء المميز الذي قدمه رجلا المباراة: بوتين وشي جين بينغ، بدعم من فريقيهما، فقد قادت الشراكة الإستراتيجية بين روسيا والصين إلى هذا الطريق، وحدّدت المبادئ التوجيهية الرئيسية. لقد أصبح العالم بحاجة إلى التحلي بالجرأة والتوسّع، ويتعيّن على دول العالم ممارسة الضغوط من أجل إصلاح الحالات المؤسساتية الراهنة من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة إلى صندوق النقد الدولي ومنظمة التجارة العالمية، بالإضافة إلى التخلص من تلك المؤسسات التي تخضع “للنظام الدولي القائم على قواعد” مصطنعة. لذا فمن غير المستغرب أن يصف الرئيس الصيني شي، ما حدث بأنه “تاريخي”. وليس أقل من ذلك دعوة بوتين علناً لأعضاء البريكس الـ١١ للتخلي عن الدولار الأميركي والتوسّع في العقود بالعملات الوطنية بعد التأكيد على أن البريكس “تعارض الهيمنة من أي نوع”، كما تعارض”الوضع الاستثنائي الذي تطمح إليه بعض البلدان”، فضلاً عن “سياسة الاستعمار الجديد”.
بقدر أهمية مبادرة الحزام والطريق نفسها بالنسبة للصينيين الذين يحتفلون بالذكرى العاشرة لتأسيسها الشهر المقبل، أكد بوتين ضرورة إنشاء لجنة نقل دائمة لدول البريكس، لا تتعامل فقط مع مشروع شمال، جنوب -في إشارة إلى مشروع ممر النقل الدولي شمال، جنوب. وأعضاؤه الرئيسيون في مجموعة البريكس هم روسيا وإيران والهند- ولكن أيضاً على نطاق أوسع مع تطوير الممرات اللوجستية والنقل على المستويين الإقليمي والعالمي.
على الصعيد المالي، صدرت تعليمات للبنوك المركزية في دول البريكس الحالية بإجراء تحقيق جديّ وزيادة التداول بالعملات المحلية، وقد حرص بوتين على أن يكون واقعياً للغاية في ما يتعلق بإلغاء الدولار: “إن اعتماد عملة موحّدة هي قضية معقدة، لكننا سنتحرك نحو حلّ هذه المشكلات بطريقة أو بأخرى”. وقد استكمل ذلك تأكيد الرئيس البرازيلي لولا دا سيلفا، على إنشاء مجموعة بريكس لمجموعة عمل تدرس مدى جدوى العملة المرجعية. وبالتوازي، رحّب بنك التنمية الجديد بثلاثة أعضاء جدد: بنغلاديش ومصر والإمارات العربية المتحدة.
من المؤكد أن التحديات ستكون هائلة، لكن الدافعَ نحو النجاح مُعْدٍ، ولعلّ أفضل تجسيد لذلك هو الخطاب الذي ألقاه شي جين بينغ في الحفل الختامي لمنتدى أعمال مجموعة البريكس، الذي اقتبس مثلاً صينياً يقول: “لا توجد جبال قادرة على وقف جريان نهر عظيم”، كان ذلك بمثابة الإشارة إلى التأكيد على أنه مهما كانت المقاومة، فإن مجموعة البريكس، وهي قوة إيجابية ومستقرة من أجل الخير، ستستمر في النمو. سنقيم شراكة إستراتيجية أقوى لمجموعة البريكس، ونوسع نموذج “البريكس+”، ونعمل بنشاط على تعزيز توسيع العضوية، وتعميق التضامن والتعاون مع بلدان الأسواق الناشئة الأخرى -البلدان النامية ذات الأسواق الناشئة- وتعزيز التعددية القطبية العالمية ومزيد من الديمقراطية في العلاقات الدولية، والمساعدة في جعل المجتمع الدولي أكثر قوة، من أجل المزيد من العدالة والإنصاف.
الآن يمكن إضافة الثقة بالإنسانية إلى الطريقة التي تنظر بها “الكرة الأرضية العالمية” إلى روسيا. وعلى الرغم من أن روسيا أصبحت الآن خامس أكبر اقتصاد في العالم من حيث تعادل القوة الشرائية –متفوقة على أتباع الإمبراطورية الأوروبية– فإن تصور الجنوب العالمي لموسكو هو “واحد منا”، وما حدث في جنوب أفريقيا جعل الأمر أكثر وضوحاً.