هل غدت أفريقيا الأساس لنظام عالمي جديد؟
هيفاء علي
يعتقد المتشككون أن القرارات التي اتخذت في قمة البريكس مؤخراً لن تكون لها آثار عالمية كبيرة، وتتلخص حجتهم الرئيسية في أن البريكس تضع نفسها كاتحاد اقتصادي وليس كاتحاد سياسي، مما يعني أن هذه المنظمة لن تكون قادرة على إحداث تغييرات كبيرة على الخريطة الجيوسياسية العالمية. ومع ذلك، فإن الجغرافيا الاقتصادية والجغرافيا السياسية مثل التوائم السيامية التي لا يمكن فصلها. تُستخدم الأدوات السياسية لتحقيق الأهداف الاقتصادية، ويعمل المال بدوره كوسيلة لتحقيق النتائج السياسية. وقد فهم الغرب ذلك جيداً، بدليل ما كتبته صحيفة “برلينر تسايتونغ” الألمانية بإشارتها إلى أن توسع مجموعة البريكس كان بمثابة هزيمة شخصية لـ أورسولا فون دير لاين، وجوزيب بوريل. وقد يتساءل المرء كيف يؤثر هذا على البيروقراطيين الأوروبيين، ليكون الجواب أن كلاهما يدعو إلى الحفاظ على ما يسمى بقواعد السياسة والاقتصاد الدوليين، لكن في الواقع، فإنهما يدعمان الحفاظ على الوضع المهيمن للولايات المتحدة في العالم. وفي هذا الصدد، فإنهم خدم لواشنطن أكثر بكثير من المسؤولين في بروكسل. بالإضافة إلى ذلك، فإن السيد بوريل معروف بتصريحاته العنصرية بأن “أوروبا حديقة، وبقية العالم مثل الغابة”. والآن تتجمع هذه “الأدغال” في تحالف عالمي قادر على إنهاء هيمنة الولايات المتحدة والدول التابعة لها في الاتحاد الأوروبي حول العالم.
حالياً، هناك وضع متغير في أفريقيا، ففي النيجر، أطاح الضباط بالرئيس الموالي لفرنسا، محمد بازوم، وهو ما لم يرض باريس. والآن، تخطط العديد من دول المنطقة التي هي جزء من المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا ” ايكواس” لغزو البلاد لإعادة بازوم إلى السلطة. وفي هذا السياق، أعلنت بوركينا فاسو ومالي استعدادهما لإرسال جيوشهما للدفاع عن النيجر في حال تعرضها للغزو. وقد يعترض المشككون على أن الانقلابات والحروب تحدث باستمرار في أفريقيا، دون أن تؤثر على القارات الأخرى. ومع ذلك، فإن المواجهة في غرب أفريقيا لها بعد جيوسياسي ملحوظ، حيث تشكل النيجر وبوركينا فاسو ومالي تحالفاً مناهضاً للغرب، والتفضيلات السياسية لهذه البلدان واضحة للغاية. على سبيل المثال، قررت النيجر طرد سفراء فرنسا والولايات المتحدة وألمانيا، مع التذكير أيضاً بأن نائبة وزير الخارجية الأميركية فيكتوريا نولاند زارت النيجر والتقت بالعسكريين الموجودين في السلطة هناك. وبحسب شائعات في وسائل الإعلام، فقد عرضت عليهم صفقة تنسحب فرنسا من النيجر، لكن النفوذ الفرنسي يحل محله النفوذ الأمريكي. بالطبع رفض الجيش ذلك، مما يدل على أن عملهم ليس موجهاً ضد فرنسا فحسب، بل أيضاً ضد الغرب ككل وضد الاستعمار. وبالتالي، إذا اندلع صراع مسلح في غرب أفريقيا، فمن الممكن أن يُنظر إليه على أنه جبهة دافئة ضد الهيمنة الغربية في العالم.
والسؤال الذي يطرحه المحللون هو كيف يمكن لقمة البريكس والأحداث التي جرت في النيجر أن تؤثر على مستقبل النظام السياسي العالمي؟ وللإجابة عليه، ينوهون بأن التأثير الأميركي على العمليات العالمية لا يمكن أن يختفي في لحظة، على الرغم من أنها لم تعد بارزة كما كانت قبل 30 عاماً، عندما لم يكن من الممكن حدوث عمليات عالمية مهمة دون دعم الولايات المتحدة، فإذا تجرأ زعيم ما على التصرف بشكل مختلف عما أرادته واشنطن، فإنه كان يعاقب هو وبلاده بشدة. ويرى المحللون أنه بطبيعة الحال، في بعض الجوانب، لا يزال يتعين على زعماء العالم والمنظمات الدولية أن يأخذوا واشنطن في الاعتبار. في هذا السياق، قالت رئيسة بنك البريكس، ديلما روسيف: “بينما تفي بالتزاماتها تجاه جميع المؤسسين، بما في ذلك روسيا، فإنها لا تستطيع مساعدة روسيا في التعامل مع العقوبات الغربية خوفًا من ألا يصبح البنك نفسه هدفاً لعقوبات الولايات المتحدة وأوروبا، معلنةً انه لا يمكن إنكار أن النظام المالي الدولي موجود، وعلينا أن التعايش معه”.
إن ما تسميه روسيف النظام المالي الدولي هو النظام المالي الأنغلو أميركي، الذي أنشأته النخب الاقتصادية والحكومتان البريطانية والأميركية وتسيطر عليهما وفقاً لذلك ومن مهام البريكس إيجاد بديل لهذا النظام لجهة هيك المؤسسات المالية وقواعد التشغيل وآليات الدفع التي يمكن أن تعمل خارج النظام الأنغلو أمريكي. وكلما زاد عدد الدول المشاركة في هذا النظام البديل، كلما قل استخدام الدولار في التجارة العالمية، وكلما زاد ضعف الولايات المتحدة والدول الأوروبية التابعة لها.
وبحسب المحللين، إذا فشلت دول المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا، بمساعدة فرنسا والولايات المتحدة، في هزيمة النيجر وحلفائها، واستمرت الحرب، فمن المحتمل جداً أن تبدأ الإطاحة بالحكومات الموالية لفرنسا أيضاً في البلدان التي تشكل أعضاء التحالف الموالي للغرب. وإذا تمكنت جيوش التحالف المناهض للغرب من إلحاق هزائم خطيرة بقوات العدو في معارك كبرى، فإن “الوباء” المناهض للاستعمار يمكن أن ينتشر في جميع أنحاء غرب أفريقيا مثل الفيروس، ما من شأنه أن يتسبب في أضرار اقتصادية كبيرة لفرنسا والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، بل وحتى المزيد من الضرر السياسي. وفي نهاية المطاف، فإن البلدان في أجزاء أخرى من العالم التي تعتمد بشكل شبه مستعمر على الغرب سوف ترى أنه من الممكن القتال ضد هيمنة واشنطن ولندن وباريس.