مجلة البعث الأسبوعية

المستقبل لمجموعة “بريكس +”

أعضاء جدد بأحجام وأوزان إستراتيجية نحو عالم أكثر عدلاً وإنسانية

البعث الأسبوعية-هيفاء علي   

مما لا شك فيه أن قمة البريكس الأخيرة، التي انعقدت في جوهانسبورغ في الفترة من 22 إلى 24 آب الجاري، استقطبت أنظار واهتمام العالم، ووسائل الإعلام لما حملته في طياتها من أمل واعد في التحرر من سطوة الدولار، والتخلص من إجحاف المؤسسات المالية الدولية، الخاضعة لهيمنة الغرب بحق شعوب دول العالم الثالث، بالإضافة إلى اتخاذ قرارات اقتصادية شديدة الأهمية، منها توسيع الكتلة المؤيدة للتعددية القطبية، وتعزيز الاستقلال في مواجهة الأدوات المالية الغربية، والدور الاستراتيجي الذي تلعبه الأغلبية الساحقة من الكوكب غير الغربية، دون إغفال عرقلة الأجندات التي تضر بالتشغيل السلس لهذه الكتلة.

ومن باب التذكير، تم إنشاء المجموعة بمبادرة من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وتم إضفاء الطابع الرسمي لها للمرة الأولى من خلال القمة التي عقدت في 16 حزيران 2009 في يكاتيريبورج في روسيا، وجمعت المجموعة التأسيسية بعد ذلك أربع دول، وهي البرازيل وروسيا والهند والصين، والتي، بطريقة واحدة، قررت أن تلعب معاً دوراً حاسماً على الساحة الدولية وفي الاقتصاد العالمي. وأكدت هذه الدول، للمرة الأولى، رغبتها في إقامة عالم متعدد الأقطاب يضع حداً لهيمنة الدولار، وإصلاح المؤسسات الدولية الأمم المتحدة ومجلس الأمن، والمؤسسات المالية البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، وهي الهياكل التي تتمتع فيها بلدان الجنوب، على الرغم من ثقلها الاقتصادي والديموغرافي، بقدر ضئيل من القوة والتأثير على القرارات. كما قررت الاتحاد لتعزيز التنمية العالمية المستدامة ودعم دول “الجنوب العالمي” من خلال التعاون العادل.

وفي عام 2011، عقدت القمة الثالثة في سانيا بالصين، وضمت جنوب أفريقيا، قوة القارة الأفريقية، وأصبحت مجموعة البريكس، تضم خمس دول. وبعد ثلاث سنوات، قامت القمة السادسة لمجموعة البريكس بإضفاء الطابع الرسمي على بنك التنمية الجديد، الذي كان هدفه تمويل مشاريع البنية التحتية من خلال القروض “النظيفة” بدلاً من القروض “المارقة” من بنك التنمية وصندوق النقد الدولي اللذين دمرت معتقداتهما ما يسمى بـ “البنية التحتية لدول “العالم الثالث” في العقود الأخيرة.

وهذا البنك “ديمقراطي”، بحسب المحللين، حيث يتم انتخاب رئيسه بالتناوب، والرئيس الحالي للبنك هي البرازيلية ديلما روسيف، ويتم اتخاذ قراراته على أساس نظام “دولة واحدة/صوت واحد . في الآونة الأخيرة، في حال لم يتخذوا بعد قراراً بشأن عملة البريكس القائمة على الذهب من أجل الهروب من دكتاتورية الدولار والبنك المركزي الأمريكي، فإن دول البريكس تعمل على تعزيز التجارة فيما بينها ومع شركائها بالعملات المحلية.

للعرب حصة كأعضاء جدد

في غضون ذلك، تعمل دول البريكس، والتي يعتبر البعض منها من كبار منتجي الذهب، على بناء احتياطيات هائلة من المعدن الأصفر الثمين، وبفضل ثقلها الاقتصادي والديموغرافي المتحد والبراغماتي والفعال، اتخذت مجموعة البريكس خطوة جديدة من خلال دمج الأرجنتين ومصر وإثيوبيا وإيران والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة. والسؤال الذي يطرحه المحللون هو التالي: ما هي المصلحة التي تمثلها هذه الدول بالنسبة لمجموعة البريكس؟ وكيف ستعزز إستراتيجية المجموعة؟

واقع الأمر، من وجهة نظر ديموغرافية، مع 3.6 مليار نسمة، أي أربعة أضعاف عدد مجموعة السبع التي تضم القوى الاقتصادية الغربية السبع، يمثل سكان دول البريكس الجديدة ما يقرب من نصف سكان الكوكب، في حين يبلغ إجمالي أراضيها 48.5 مليون كيلومتر مربع أي 36% من مساحة الكرة الأرضية. وثلاثة من أعضائها السعودية والإمارات وإيران أعضاء في منظمة البلدان المصدرة للبترول “أوبك”، حيث تحتل روسيا والسعودية المركزين الثاني والثالث في ترتيب أكبر المنتجين، خلف الولايات المتحدة، بينما تحتل الصين والإمارات وإيران والبرازيل على التوالي المراكز السادس والسابع والثامن والتاسع.

زيادة على ذلك، فإن الصين هي أكبر منتج للذهب، وتأتي روسيا في المركز الثالث، وجنوب أفريقيا في المركز التاسع، والبرازيل في المركز الثالث عشر. كما تعد الصين أكبر منتج للمعادن الإستراتيجية النادرة في العالم، متفوقة بفارق كبير على الولايات المتحدة، وهي اللاعب الرئيسي في إنتاج العديد من المعادن. بينما تحتل روسيا والبرازيل وجنوب أفريقيا مكانة مهيمنة، ولكل منها خصوصيتها، وبالتالي تغطي مجموعة البريكس جميع الاحتياجات المعدنية.

وبالإضافة إلى جنوب أفريقيا، فإن القارة الأفريقية المهتمة بشكل خاص بإستراتيجية البريكس، كما أظهرت القمة الخامسة عشرة، مليئة بالموارد الإستراتيجية المتنوعة والمعادن والوقود الأحفوري وموارد الثروة السمكية والطاقات المتجددة، حيث تحتل جمهورية الكونغو الديمقراطية وجنوب أفريقيا ونيجيريا المراكز الأولى في التصنيف الأفريقي. كما أدى دخول أعضاء جدد إلى توسيع الوجود الجغرافي لمجموعة البريكس. وسيكون لقارة أمريكا اللاتينية الآن ممثلان هما البرازيل والأرجنتين، وبذلك يغطيان أكثر من نصف مساحة شبه القارة الهندية.  العالم العربي يدخل مع السعودية والإمارات، أما إيران، الخاضعة لعقوبات غربية صارمة، تفتح الأبواب أمام أراضٍ شاسعة، ومصر، التي تحتل المرتبة السادسة في إفريقيا من حيث احتياطيات النفط والثالثة من حيث الغاز الطبيعي، تحتل مكاناً جيوسياسياً استراتيجياً فيما يتعلق بالشرق الأوسط وأفريقيا بين الشرق والغرب.

ومع انضمام المزيد من الاقتصادات النامية والناشئة إلى بنك التنمية الجديد لمجموعة البريكس، يمكن تعزيز ترتيب احتياطي الطوارئ، وهو الآلية التي أنشأتها مجموعة البريكس، باستخدام التزامات احتياطي الذهب وسلة من عملات البريكس. ويمكن للاقتصادات الناشئة أن تفكر، على المدى القصير، في اعتماد استخدام الرنمينبي كعملة احتياطية دولية للمعاملات المالية، ومع ذلك، فإن الصين تشعر بالقلق من خطر وقوع عملة احتياطية دولية أيضاً في فخ عدم الاستقرار والتقلبات. وفي ظل هذا الخطر، تفكر الصين بجدية في التحول إلى استخدام عملات رقمية متعددة، للمعاملات المالية الدولية، وقد بدأت الصين والهند وروسيا بالفعل في تجربة منصات CBDC للبيع بالتجزئة للمعاملات. وبينما يجري تطوير هذا النظام، يمكن لدول البريكس والأسواق النامية والناشئة تعميق التكامل المالي وإدخال أدوات مثل اتفاقيات القروض المضمونة وأنظمة التصنيف الائتماني للتخفيف من مخاطر الائتمان. بكل الأحوال، من المؤكد أن مجموعة البريكس ودول الجنوب العالمي التي تتمسك برؤية التعددية القطبية ستكون قادرة على فرض الآليات التي تنتظرها غالبية شعوب العالم.

ما الذي يضيفه الأعضاء الجدد؟

وفقاً لخبراء الاقتصاد والمال، يضيف الأعضاء الجدد نحو 3.2 تريليون دولار من الناتج المحلي إلى المجموعة الحالية، ليرتفع حجم التكتل بنسبة 12.3 في المئة، ليصبح 29.23 تريليون دولار، مقابل 26.04 تريليون دولار قبل انضمام الأعضاء الجدد.

ووفقاً للناتج المحلي لعام 2022، يمثل الأعضاء الجدد 3.2 في المئة من الاقتصاد العالمي، ما سيرفع حصة “بريكس” من 26 في المئة من الناتج المحلي العالمي إلى 29.2 في المئة بعد إنضمام الأعضاء الجدد.

كما تصبح مجموعة “بريكس” منافسا أقوى لمجموعة السبع الصناعية التي يبلغ حجم اقتصاد دولها 43.8 تريليون دولار، مشكلة 43.7 في المئة من الاقتصاد العالمي في 2022، بينما تمثل دول تكتل بريكس 29.2 تريليون دولار من الاقتصاد العالمي للعام نفسه.

مع الإشارة إلى أن التعداد السكاني لدول “بريكس” أكثر من 3 مليارات و200 مليون نسمة، فيما تعد اقتصاداتها من أكثر الاقتصادات النامية في العالم، ويتنبأ لها محللون ببلوغ نسبة نمو 40 في المئة من الاقتصاد العالمي بحلول 2025، قبل أن تترجمها الصين صاحبة المرتبة الثانية كأقوى اقتصاد في العالم سنة 2020، وحلت الهند خامساً، والبرازيل ثامناً وروسيا في المرتبة 11.

وفي أعقاب الإعلان عن انضمام السعودية ومصر والإمارات وإيران والأرجنتين وإثيوبيا إلى “بريكس”، ستتمكن المنظمة من الوصول إلى شبكة واسعة من الموارد اللوجستية الإستراتيجية.

وستشمل الشبكة اللوجستية الواسعة للمجموعة، طريق بحر الشمال، وممرات النقل بين الشمال والجنوب والغرب والشرق، ومداخل الخليج العربي، والبحر الأحمر، وقناة السويس.

في السياق، قال الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين: “إن إحدى الأولويات المهمة لتفاعل بريكس هي إنشاء طرق نقل جديدة مستدامة وآمنة، وأن الوقت حان لإنشاء لجنة دائمة للنقل في إطار بريكس، والتي لن تتعامل فقط مع ممر الشمال -الجنوب، وإنما أيضاً بمعنى أوسع، مع تطوير ممرات النقل والإمداد”.

وتعليقاً على هذا الأمر، يعتقد الباحث في جامعة جوهانسبرغ في جنوب أفريقيا، ألكسيس هابياريمي، أن اللجنة التي ذكرها بوتين ستساعد في ضمان وصول دول “بريكس ” الـ 11 إلى طرق لوجستية جديدة. مضيفاً أن تكوين اللجنة سيعتمد في الأساس وبشكل مثالي على المهام الموكلة إلى مثل هذه اللجنة، ولذلك عندما ننظر إلى “بريكس” ككتلة من البلدان وننظر إلى أنواع ممرات النقل المطلوبة، فإنها ليست موزعة بالتساوي على الأعضاء الحاليين وحتى الأعضاء المحتملين، لذلك يجب أن يعكس تكوين تلك اللجنة بشكل أساسي المهمة لتطوير هذه الممرات اللوجستية الجديدة.

وبحسب البروفيسور، فإن الدول المهتمة بشكل أساسي بممرات النقل هذه هي في المقام الأول روسيا وإيران والصين، موضحاً أنه بصرف النظر عن ضمان الوصول إلى البحار المفتوحة، فإن الدول تتطلع إلى إيجاد حلول بديلة لـ “الاختناقات”، مثل مضيق سنغافورة، ومضيق ملقا، وقناة السويس، ومضيق البوسفور، ومضيق هرمز، موضحاً أن المهمة الرئيسية للجنة الجديدة ستكون إنشاء القدرة على الصمود، وإيجاد حلول بديلة لضعف مثل هذه الاختناقات، ولذلك فإنه سيكون من أهم الاعتبارات لدول مثل روسيا والصين، تطوير ممرات النقل بالقطارات فائقة السرعة في المنطقة التي كان يوجد فيها طريق الحرير القديم، لذا يجب التأكد من وجود بديل لنقل البضائع، والذي لا يمكن بالضرورة أن يحل محل النقل البحري، لكنه يخفف أيضاً من البديل في حالة وجود صراع وإغلاق مضيق ملقا على سبيل المثال، أو قناة السويس، ولو كانت هذه المنطقة في الواقع معقلاً خانقاً، فإن الرابط بين الصين وروسيا عبر آسيا الوسطى سيكون مهماً للغاية.

المشروع المهم الآخر، بحسب البروفسور، هو الممر الشمالي الجنوبي، الذي يربط الغرب والشمال بروسيا بالخليج العربي، ويعتقد أنه عندما يتعلق الأمر بالطريق البحري الشمالي، فهو أمر بالغ الأهمية بالنسبة لروسيا، لأنه سيساعدها على تجنب الحصار البحري المحتمل من قبل الدول الغربية وسط العقوبات المستمرة”.

ويؤكد الخبير أنه مع انضمام الأعضاء الستة الجدد، فإن الوزن الاقتصادي لمجموعة “بريكس+” سوف ينمو بشكل أكبر، ومع الظروف الاقتصادية السائدة في دول “مجموعة السبع”، فإن أهميتها الاقتصادية ستنخفض مقارنة بدول “بريكس”، لذلك مع صعود الهند كقوة اقتصادية، ناهيك عن الصين، مع احتمال دخول إندونيسيا في الجولة الثانية من التوسع، سيساهم في وزن تحالف “بريكس” ودولها الصديقة الأعضاء، وهذا سيؤدي بالتالي إلى تقليل قدرة “مجموعة السبع” على استخدام القوة الاقتصادية للضغط على الدول النامية.

وعليه، فإن دمج هؤلاء الأعضاء الستة الجدد في مجموعة البريكس، التي تتجاوز الآن مجموعة السبع من حيث الناتج المحلي الإجمالي التراكمي، وامتداد مجموعة “البريكس +” من شأنه أن يعزز وجودهم في التحالفات الإقليمية والثنائية الرئيسية عبر القارات، مثل ميركوسور، وجمارك الجنوب الأفريقي، الاتحاد الاقتصادي الأوراسي، رابطة جنوب آسيا للتعاون الإقليمي، أو اتفاقية التجارة الحرة لرابطة دول جنوب شرق آسيا” آسيان”.

وبالنسبة لأولئك الذين قللوا من أهمية مجموعة البريكس، أو حتى توقعوا لها مستقبلاً سريع الزوال، فإن القمة الخامسة عشرة “التاريخية”، أظهرت أنه فيما وراء الخلافات السياسية وحتى الصراعات (الهند والصين على سبيل المثال)، كان لدى أعضائها القدرة على البقاء ثابتين ومتحدين على مبادئهم وتطوير إستراتيجيتهم لظهور عالم متعدد الأقطاب وسلمي وعادل، وبالتالي، فهي خطوة عملاقة نحو عالم آخر أكثر عدالة وأكثر إنسانية.