ثقافةصحيفة البعث

وداعاً أمين الخياط.. من زمن العمالقة

فقدت الأوساط الفنية والموسيقية برحيل الموسيقار أمين الخياط اسماً لامعاً في عالم الموسيقا في زمن العمالقة، وهو الذي رافق كبار المطربين كأم كلثوم ونجاة الصغيرة ووديع الصافي وسعاد محمد وميادة الحناوي، واستطاع عبر فرقته وعزفه على آلة القانون أن يجول العالم، ولم يكن ذلك غريباً عليه وهو الذي ولِدَ في بيتٍ كان أشبه بنادٍ موسيقيّ يلتقي فيه أصدقاء والده مع آلاتهم الموسيقية وكانوا من كبار أهل الموسيقا والفن: حليم الرومي، رفيق شكري، نجيب السراج، عدنان قريش، ميشيل عوض، سلامة الأغواني، محمد عبد الكريم.. وفي سهراتهم سمع القصيدة والموشح والقدّ وكافة أنواع الموسيقا الأصيلة.

مع أم كلثوم

أدرك أمين الخياط مبكراً أن الموسيقا مبتغاه حين طغى حبه لها على تحصيله الدراسي، لذلك ما إن تأسّس المعهد الموسيقي الشرقي بدمشق عام 1950 حتى انتسب إليه، وكان أصغر المتقدمين، وفيه اطلع على علوم الموسيقا الشرقية، وتعلم العزف على آلة القانون التي اختارها والده له، وكان من المتفوقين فيها، وكان أستاذه حينها العازف الشهير محمد العقاد، في حين كان الأستاذ ميشيل عوض أستاذه الحقيقي في العزف على آلة القانون من خلال نصائحه وإرشاداته وتمارينه الطويلة والصعبة معه، وقد رافقه عوض حتى بعد تخرجه عام 1954 حيثُ ظلّ يرعاه ويمدّه بعلوم الموسيقا، وحين زارت أم كلثوم دمشق في خمسينيات القرن الماضي بدعوة من فخري البارودي لإقامة حفل خاص مع المعهد الموسيقي الشرقي لرقص السماح والعزف على القانون تمّ اختياره للعزف على القانون. ويذكر الخياط في أحد حواراته أن ذلك كان من أصعب اللحظات التي عاشها في حياته، حيث عزف بعضَ التقاسيم أمامها، وكذلك المقدمة الموسيقية لأغنية “ذكريات” ألحان رياض السنباطي، كلمات أحمد رامي، فأثنت عليه وهنأته على عزفه، وحين زارت المطربة نجاة الصغيرة دمشق عام 1954 لإحياء بعض الحفلات والغناء بمرافقة أهم العازفين كان من المفترض أن يكون معها عازف القانون محمد العقاد، ولكن لسفره المفاجئ قام بترشيح تلميذه الخياط الذي كان قد صرّح أكثر من مرة أن نجاة الصغيرة يومها رفضت أن ينضمّ إلى العازفين الكبار معها لصغر سنه، إلا أن العقاد أصرّ على مشاركته، وهذا ما كان، وفوجئت نجاة الصغيرة حينها بمقدرته على العزف، فاعتذرت منه وأثنت عليه.

في مدينة الطرب

بعد التخرّج من المعهد رفض والد أمين الخياط رفضاً قاطعاً العمل في النوادي الليلية، فكان أن انضمّ إلى فرقة ميشيل عوض التي كان يعزف فيها أساطين العزف كعمر النقشبدي على العود وياسين العاشق على الكمان، وبدأ الخطوات الأولى مع سعاد محمد في أوائل أغانيها وقد طلبت منه مرافقتها إلى بيروت، ومن خلال الحفلات التي أقامتها اكتسب الخبرة والمعرفة الموسيقية، وبعد عودته إلى دمشق عام 1957 عرض عليه عادل خياطة حين عيّن مديراً لإذاعة حلب العمل معه في الإذاعة، وهناك تعرف الخياط في مدينة الطرب على أساتذة النغم وعلى شخصيات مهمة كنذير عقيل وشاكر بريخان، وفي هذه الفترة بدأ يمارس التلحين من خلال النصوص الشعرية الغنائية التي كان يكتبُها شاكر بريخان، وقد غنّى بعضها مها الجابري وسمير حلمي وسحر ومحمد خيري، وغيرهم، كما قام بإنشاء فرقة موسيقية خاصة باسم فرقة الأوتار الذهبية وانضم إليها معظم العازفين الكبار في حلب كالملحنين إبراهيم جودت وسمير حلمي وعدنان أبو الشامات، وكان إنشاء هذه الفرقة حدثاً مهماً في مسيرته الفنية، وأصبحت خلال فترة قصيرة تنافس فرق العزف الشهيرة وفرقة الإذاعة، وكانت في العام 1960 مع بدايات التلفزيون ركناً أساسياً في برامجه وسهراته.

فرقة الفجر الموسيقية

بعد محطته في حلب وفي الفترة التي عُيّن فيها في مديرية المسارح والموسيقا التابعة لوزارة الثقافة كعازف على آلة القانون تمّ اختياره مع عدنان المنيني وصلحي الوادي لتأسيس المعهد العربي للموسيقا، إلا أن عرضاً مغرياً للعمل في أوربا جعله يقدّم استقالته للسفر إلى ألمانيا وفرنسا وإسبانيا والبرتغال رغبةً منه في التعرف على موسيقا الآخرين والعزف على آلة القانون في بلاد الغرب، فسافر في العام 1960 وهو في عمر الرابعة والعشرين لمدة سنتين ونصف جال خلالها أوربا، وفي إسبانيا قابل أساتذة مختصين في علم الموسيقا، فتعلم منهم وشارك في فرق الفلامينغو بمقطوعات أدهشتهم، وبعد عودته من أوروبا عام 1963 حاول جمع فرقته الموسيقية “الأوتار الذهبية” مرة أخرى، إلا أنه لم ينجح في ذلك لأسبابٍ كثيرة، فقام بتأسيس فرقة الفجر الموسيقية في دمشق والتي شاركت في برنامج الأغنية العربية التراثي للمخرج جميل ولاية، وفي برامج أخرى مع عادل خياطة، وكانت تُقدّم هذه البرامج عدة مرات في الأسبوع وعلى الهواء مباشرة، ونجحت الفرقة نجاحاً كبيراً إلى درجة أن بعض المطربين العرب كانوا يشترطون وجودها في حفلاتهم، فرافقت نور الهدى ونصري شمس الدين وصباح وسميرة توفيق ومحمد رشدي وشريفة فاضل وهاني شاكر، وفي إحدى حفلات الراحل وديع الصافي وقف الجمهور في نهاية الحفل وصفّق طويلاً له، وعندما انتهى التصفيق أهدى وديع الصافي هذا التصفيق الحاد لأمين الخياط لأن الفرقة التي كان يقودها الخياط كانت شريكاً حقيقياً في النجاح الذي حققه.

شراكة فنية مع ميادة الحناوي

بدأ الخياط العمل مع ميادة الحناوي في العام 1980 من خلال فرقة الفجر الموسيقية عندما حضر بليغ حمدي إلى دمشق ليسمعها، وكانت هذه المرحلة من أحلى المراحل وأغناها بالنسبة له، حيث رافق الحناوي في انطلاقتها الذهبية آنذاك والتي تحققت بفضل ألحان حمدي التي جعلتها خلال ثلاثة أشهر نجمة النجوم، وهذا ما لم يحدث مع غيرها، فكانت مرحلة مزدحمة بالحفلات التي أقامها معها في جميع أنحاء الوطن العربي، كما سجل الخياط قصيدة “أشواق” للحناوي وألحان رياض السنباطي من خلال فرقته دون حضور السنباطي، وعندما سمعها عبّر عن شكره وامتنانه الكبير للخياط وقال: “لقد نفذ أمين الخياط الأغنية كما لو كنت موجوداً” والسبب أنه نفذها موسيقياً بعقليته وماذا يحب وماذا يكره، لذلك كانت النتيجة أغنية جميلة جداً تُعدّ من أجمل أغاني ميادة الحناوي، وكان الخياط يفسّر النجاح الكبير الذي حققته فرقته “الفجر” بأنه كان لها منذ البداية أهداف لم تحد عنها، أولها الإصرار على تقديم الفن النظيف واستقطاب العازفين الجيدين، إلى جانب عدم استهتاره بجهود أعضائها من خلال إعطائهم حقهم كاملاً.

ملحن من الدرجة الممتازة

نتيجة للدروس المهمّة التي تلقاها في حلب على يد الموسيقي عزيز غنام الذي علّمه أصول التلحين كانت تجربته الأولى في التلحين مع مطربي ومطربات حلب الشباب، كما لحن أيضاً للأطفال حين كلّفه غالب طيفور رئيس قسم الموسيقا في التلفزيون بتقديم اسكيتشات للأطفال ضمن البرنامج الذي كانت تعدّه هيام طباع، وقد حققت هذه الاسكيتشات والأناشيد التي قام بتلحينها نجاحاً كبيراً، كما ألف ولحن أيضاً موسيقا لعدد من أغنيات العروض المسرحية كمسرحية “عرس الدم” إخراج علي عقلة عرسان و”طرّة وّلا نقش” لطلحت حمدي، وكذلك لعدد كبير من المسلسلات الإذاعية والتلفزيونية، حيث لحن أغاني وقصائد وموشحات مسلسل “الوادي الكبير” بطولة صباح فخري ووردة الجزائرية، وفي العام 1973 دعي لزيارة القاهرة وطلبتْ منه إذاعة صوت العرب تلحين عدد من الأغنيات، فلحّن لشريفة فاضل ومها صبري، وصُنّف ملحناً من الدرجة الممتازة إلى جانب محمد الموجي وكمال الطويل وبليغ حمدي، وفي رصيده العديد من الألحان لصباح فخري وكروان ودلال الشمالي وسميرة توفيق وفاتن حناوي ومصطفى نصري وفهد بلان وموفق بهجت ودياب مشهور ودريد عواضة ومحسن غازي وشادي جميل وكنانة القصير وسمر عرفة، وغيرهم.

بطاقة

ولد في دمشق عام 1936، والده الموسيقي عبد العزيز الخياط كان ضارب إيقاع وعازف عود، كان الخياط رئيس فرقة الإذاعة الموسيقية ومشرف على برامج التلفزيون الموسيقية ورئيس الدائرة الموسيقية ومستشار شؤون الموسيقا في الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون، وهو أول نقيب للفنانين، ومؤلف موسيقي لمجموعة من المقطوعات الموسيقية، منها: أيام زمان، ألوان، دمشق.. مدير مهرجان الأغنية السورية لعدة دورات، أسّس شركة إنتاج سينمائي “دمشق للسينما” وكان أول إنتاج لها فيلم “خياط للسيدات” بطولة دريد لحام ونهاد قلعي ومحمود جبر، وكان عضو لجنة تحكيم العديد من المهرجانات العربية.

أمينة عباس