أخبارصحيفة البعث

القصة غير المروية عن إساءة معاملة النساء الفلسطينيات

تقرير إخباري

لم تكن واقعة إذلال النساء الفلسطينيات على يد الجنود الإسرائيليين في مدينة الخليل المحتلة في 10 من شهر تموز الماضي هي الحادثة الأولى من نوعها، ومن المؤسف أنها لن تكون الأخيرة. لم يكن تجريد خمس نساء وسرقة مجوهراتهن من قبل وحدة عسكرية إسرائيلية عملاً عشوائياً، حيث اعتبر الفلسطينيون الحدث سياسة إسرائيلية متعمدة.

لقد كانت العديد من الهجمات التي نفذها فلسطينيون في أريحا والقدس مرتبطة بالدعوة إلى الانتقام التي أطلقتها الجماعات الفلسطينية، بما في ذلك المجموعات النسائية رداً على هذه الحادثة بعد أن ثبت بالدليل القاطع قيام عشرات الجنود الملثمين ومعهم الكلاب بمداهمة عائلة العجلوني في جنوب الخليل، وتقييد أيدي ثلاثة من أفراد الأسرة، بمن فيهم قاصر، وقاموا بفصل الرجال عن النساء والأطفال، وبدؤوا في عملية تفتيش واسعة النطاق لأفراد العائلة ولمنزلهم، ويستأنف المشهد المهين حين قامت مجندات ملثمات بإجبار خمسة نساء على التعري تماماً أمام الأطفال، بينما كان جنود آخرون مشغولين بسرقة مجوهرات العائلة.

تجاهلت وسائل الإعلام الغربية المهيمنة التحقيق، على الرغم من أن حادثة الخليل هي تكرار للعديد من الانتهاكات لحقوق الفلسطينيين وكرامتهم على مدى سنوات عديدة، إلا أنه لا يزال هناك الكثير يمكن التعلم منها، وهو أن إذلال الفلسطينيين سياسة إسرائيلية فعلية ممنهجة ومستمرة، ويمكن إثبات ذلك بسهولة من خلال إجراء مقارنة سريعة بين سلوك الميليشيات الصهيونية خلال النكبة (1947 – 1948) وأحداث لاحقة، وفي نهاية المطاف، مع الأحداث الأخيرة في الخليل.

كانت مثل هذه القسوة متسقة تماماً مع السلوك والمواقف العنيفة التي أظهرتها الميليشيات، التي شكلت فيما بعد الجيش الإسرائيلي، وقادتها بما في ذلك ديفيد بن غوريون، لكن لا يدرك معظم الإسرائيليين أن هذا هو الماضي القذر لسلطات كيانهم، وذلك ببساطة لأن هذا الموضوع محظور. ورغم أن “إسرائيل” نجحت في خداع شعبها فيما يتعلق بماضيهم الجمعي، إلا أن العمليات التاريخية التي أنتجت مثل هذا العنف لا تزال قائمة، وهذا يعني أن “إسرائيل” تستمر في إعادة إنتاج نفس العنف بأشكال مختلفة، على الرغم من أن كل جيل لا يدرك إلى حد كبير كيف أن سلوكه هو استمرار لنفس تراث الأجيال السابقة.

وهذا يعني أن الجنود الذين أذلوا النساء الفلسطينيات في الخليل من المحتمل أنهم غير مدركين للعنف الجماعي الذي رافق النكبة الفلسطينية، وربما لا يكونون على علم بمصطلح “النكبة” ذاته. ومع ذلك، فإن سلوكهم يدل على ثقافة العنف في “إسرائيل” والعنصرية المتجذرة، وهذه الرغبة المستمرة في إذلال الفلسطينيين، وكان هذا صحيحاً أيضاً خلال الانتفاضة الأولى من عام 1987-1993، حيث كان العنف الجسدي يسير جنباً إلى جنب مع العنف الإسرائيلي ضد السكان الفلسطينيين، وكان الاعتداء على النساء الفلسطينيات أثناء الانتفاضة، وخاصة في السجون الإسرائيلية، أمراً شائعاً.

إن كل ما تقوم به سلطات الكيان يندرج  في نطاق “سياسة الإذلال”، وهي إستراتيجية سياسية مركزية تستخدم لفرض السيطرة والهيمنة، وقد ظهر ذلك من خلال التقارير العديدة التي قدمها الفلسطينيون أنفسهم، ومنظمات حقوق الإنسان، والمنظمات المناهضة للاحتلال والمتخصصة بنشر انتهاكات جنود الجيش الإسرائيلي بحق الفلسطينيين في المناطق المحتلة عام 1967.

من هنا إن المقاومة في فلسطين ليست مجرد إستراتيجية لاستعادة الوطن الفلسطيني المسلوب، بل  شعور بالتحرر من اليأس، وعمل جماعي لاستعادة احترام الذات، وهذا يفسر سبب استمرار الفلسطينيين في المقاومة حتى لسنوات عديدة قادمة.

عناية ناصر