العرّاب 2 في جلسة النادي السينمائي والتداخل بين الأب والابن
ملده شويكاني
“هل تريد أن تقتل كل الناس؟ أريد أن أقتل أعدائي فقط”، هذا ما قاله مايكل ابن العرّاب فيتو في الجزء الثاني من سلسلة فيلم العرّاب، والذي برع المخرج فرانسيس فورد كوبولا الذي كتب السيناريو أيضاً بمشاركة ماريو بوزو بشدّ المشاهد طيلة ثلاث ساعات ونيف إلى عوالم الجريمة والمحاكمة والانتقام.
الفيلم عُرض في جلسة النادي السينمائي بالتعاون بين مؤسّسة أحفاد عشتار والمؤسسة العامة للسينما-وزارة الثقافة في سينما الكندي بإشراف المخرج وليم عبد الله.
التشابك بين زمنين
ويبدو في الجزء الثاني من العرّاب الذي أخرج عام 1974 الاقتراب أكثر من عوالم رواية ماريو بوزو 1968 الذي اقتُبس عنها في الزمن الذي تناوله المخرج بصورة مذهلة من عام 1901 إلى الخمسينيات من القرن ذاته، بالتشابك المحكم بين الزمن الفعلي الحاضر الذي يعيشه مايكل الابن-آل باتشينو- الذي يتولى إدارة إمبراطورية عائلة كورليوني مالكة الفنادق والمتسترة على القمار في الولايات المتحدة الأمريكية وغيرها من البلاد، وبين حياة الأب -روبرت دين يرو- الماضية منذ نشأته وشبابه بتقنية سينمائية مبهرة بالانتقالات المشهدية المباشرة بين حياة الأب والابن والتنقل بين المدن والأمكنة والأحياء والقطارات والمنازل دون أن يشعر المشاهد بأية صورة للتقطيع أو الإرباك، فكان بارعاً بسرد الأحداث السينمائية بروح الرواية وبما يتخللها من مشاهد تنفيذ الجرائم بصورة خاطفة وقوية.
الثورة الكوبية
تناول الفيلم بخطوطه المتشعبة واقع الإيطاليين الأمريكيين الذين هاجروا إلى أمريكا وأصبحوا مواطنين أمريكيين، ورغم ذلك يتعرّضون للتمييز والمساءلة كما تبيّن في مشاهد محاكمة مايكل في نيويورك، وتطرق إلى الثورة الكوبية والفوضى بين الثوار والسلطة، فأقحم مشاهد من هافانا موظّفة بتوثيق الأحداث التاريخية التي وقعت آنذاك.
يهود أمريكا
المحور الأساسي بالفيلم هو الصراع بين مايكل وروث اليهودي أحد أعداء مايكل والتطرق إلى اليهود، والعلاقة بين اليهود في أمريكا، إضافة إلى تنفيذ الكثير من الجرائم التي نفّذت لنجاة مايكل، ولا يخلو الفيلم من الجانب الإنساني لحياة مايكل، ومن الاحتفالات الشعبية والدينية، ولاسيما بالحيّ الإيطالي في نيويورك وظهور شخصية المطران أثناء تأديته الطقوس الدينية.
تساؤلات عن الجريمة
يدور الفيلم حول مايكل الشخصية الأساسية بالتوازي مع فيتو الأب بالعودة إلى الفلاش باك والتماهي مع الحاضر، إضافة إلى شخصية كوني شقيقة مايكل ووالدته وزوجته “كيه” وإلى مساعد مايكل ومحاميه ورجاله، وإلى أعدائه الذين قضى عليهم مايكل واحداً تلو الآخر.
الفكرة التي يركز عليها الفيلم هي ولادة الجريمة، بتساؤلات خفية، كيف تلد الجريمة؟ وما الدوافع لها؟ وكيف تنمو وتكبر وتصبح منهج حياة وسلوكاً؟ من خلال الظلم الذي تعرّض له فيتو في قريته كورليوني التي أخذ عنها اسم عائلته على يد زعيم مافيا القرية الذي قتل والده وشقيقه فدفعته والدته للهرب والنجاة، فيهرب إلى أمريكا ليعيش بداية في الحيّ الإيطالي في نيويورك.
رجل اليد السوداء
يبدأ فيتو حياة عادية مع زوجته وطفله يعيشون حياة فقيرة، ثم يجبر الدون فانوتشي صاحب المطعم الصغير الذي يعمل به فيتو للتخلي عنه لتعيين أحد أقربائه، فيعود فيتو للعمل مع صديقه بعمليات سطو بسيطة، إلا أن يتمكّن من العمل لكنه يصطدم بداية برجل اليد السوداء زعيم المافيا في الحي الإيطالي في نيويورك الذي يعيش فيه فيتو، ويسلب جزءاً كبيراً من أموال سكان الحي كجزية، فيقرّر فيتو قتله أثناء الاحتفال الديني بمشهد طويل وشائق حينما يختبئ في درج البناء الذي يسكن فيه فانولتشي ويطلق النار عليه، ومن ثم يكسر المسدس ويخفيه بمداخن الأسطحة.
الانتقام في قريته
تكبر عائلة فيتو ويكبر عمل فيتو ويصبح موضع اهتمام بالحيّ ويؤسس شركة لتصدير زيت الزيتون تخفي وراءها الجرائم، ومن ثم ينتقم لعائلته بذهابه إلى قريته مع رجاله ومقابلة زعيم مافيا القرية الذي قتل عائلته بذريعة مباركته بتأسيسه شركة زيت الزيتون ويطعنه ببطنه بمشهد قوي وسريع، ثم يهربون مسرعين تحت طلقات الرصاص فيصاب مساعده.
ويستمر التشابك بين الأب والابن، فيركز المخرج في مشاهد عدة على علاقة فيتو القوية مع مايكل الصغير، وتكرار جملة “مايكل قل وداعاً” أثناء زيارتهم الأهل والأصدقاء، وربما تكون إشارة إلى قتل كل من يعترض طريقه.
نجاة مايكل
يتعرّض مايكل لمكائد كثيرة مثل السيناتور فيري الذي يستجوبه مع أعضاء اللجنة في المحاكمة، فيدبر له مكيدة بقتل الأنثى التي معه في أحد بيوت الدعارة التابعة لمايكل، ومن ثم تهديده فيظهر المخرج تغير موقفه أثناء المحاكمة.
كما يستطيع إخافة بيتنا نجيلي بإحضار شقيقه إلى جلسة المحاكمة وتهديده المبطن له، فيتراجع عن أقواله ثم ينتحر في مقر حماية الشهود رغم كثافة المراقبة حوله وحمايته بمشهد سيلان الدماء من جسده في حوض الحمام بعد الرسالة التي وصلته من مساعد مايكل بحماية عائلته بعد موته.
صليب البحرية
فيأتي مشهد المحاكمة ليدافع مايكل عن نفسه وعن والده بكل هدوء وينفي كلّ الجرائم والتهم الموجهة لعائلته “إمبراطورية كورليوني العظيمة” ويتحدث عن خدمته بجيش الولايات المتحدة الأمريكية أثناء الحرب العالمية الثانية، وحصوله على درع صليب البحرية، وعن خدمته أمريكا واستثماراته، فينجو مايكل من المحاكمة وينجح بتدبير مقتل روث.
انتقام في البحيرة
المشهد المؤثر بالفيلم هو تنفيد مقتل فريدو وهو في قارب الصيد في البحيرة التي على ضفتها منزل مايكل والعائلة، وهو يردّد “سلام يا مريم” ويحاول اصطياد سمكة كبيرة وعد بها أنطوني ابن مايكل. وكما أظهرت المشاهد يكتشف مايكل خيانة أخيه الأكبر وتورطه مع روث بمحاولة اغتياله بإطلاق الرصاص عليه وعلى زوجته في غرفة النوم في بداية الفيلم، إلا أن فريدو ينكر معرفته بمحاولة قتله، ورغم ذلك لا يسامحه مايكل ويؤجل الانتقام من أجل أمه وبعد وفاتها ينفذه.
خلال الفيلم يخسر مايكل زوجته كيه التي لم تعد تحتمل حياة المافيا فتجهض الجنين الذي كان صبياً ما يغضب مايكل بشدة، ويمنعها من حضانة أطفاله، ويغلق الباب في وجهها. وينهي المخرج الفيلم بلقطة مطوّلة لمايكل وهو يفكر ويتأمل.
ولتأخر الوقت تأجلت مناقشة الفيلم للجلسة القادمة بعرض الجزء الثالث والأخير من العرّاب.