الأنظار كلها متجهة نحو زيارة الرئيس الأسد إلى الصين
هيفاء علي
تشكل زيارة الرئيس بشار الأسد إلى الصين فرصة لإحداث نقلة جديدة في العلاقات الثنائية، خصوصاً وأن بكين تبدو مهتمة على نحو بعيد بتعزيز حضورها في منطقة الشرق الأوسط في سياق التنافس القائم بينها وبين الولايات المتحدة. والأنظار تتجه إلى الزيارة المنتظرة للرئيس الأسد إلى بكين، وكل التوقّعات تشير إلى أنها ستكون زيارة تاريخية على مستوى العلاقات بين البلدين، ونقطة فارقة في صياغة توازنات القوى الدولية في منطقة الشرق الأوسط، بل وربما في العالم، لجهة تحدي الإملاءات الأميركية، والمضي قدماً في تطوير علاقات بكين مع الدول التي أرادت لها الولايات المتحدة أن تكون معزولة عن العالم، وتأتي في مقدمة هذه الدول سورية.
وبحسب المحللين، فإن الرهان على سورية بالنسبة لبكين هو رهان جيو سياسي، لا يمثل الاقتصاد والثروات إلا أحد أبعاده، فدمشق بالنسبة لبكين تُمثّل استثناءً أيديولوجياً على صعيد الشرق الأوسط من حيث نمط الخيارات الفكرية والأيديولوجية المؤطرة للدولة والسياسة السورية، إضافة إلى التنوع الحضاري للمجتمع السوري، وتعدديته الثقافية والاجتماعية.
وتُعد سورية رصيداً استراتيجياً للصين، لا من حيث ثرواتها الطبيعية فقط، بل من زاوية ثقلها الجيو سياسي على صعيد الموقع الجغرافي والمكانة الحضارية، والدور الذي تؤديه في معادلات السياسة الشرق أوسطية. وقد بقيت العلاقات الصينية مع سورية مستمرة طوال سنوات الحرب، وارتقت إلى مستوى المواقف الصلبة في مجلس الأمن، حيث استخدمت بكين حق الفيتو عدة مرات من أجل سورية.
ارتكزت السياسة الخارجية الصينية تجاه سورية على تقاطع عاملي المصالح والأيديولوجيا، وهذان العاملان كانا وما زالا محدّدين أصيلين لسياسة الصين الخارجية، ولهما جذورهما في الفكر السياسي الصيني، فبين ما تشكّله سورية من أهمية جيوسياسية واقتصادية للصين، وبين سياسة الصين الثابتة والمتمثّلة في رفض التدخّل في الشؤون الداخلية للدول، وتحقيق العدالة وإرجاع الحقوق، استطاعت بكين أن تضع ملامح سياستها الخارجية تجاه سورية بانسجام تام بين تحقيق مصالحها الوطنية، والدفاع عن المبادئ التي تؤمن بها والتي شكّلت هوية خاصة للسياسة الصينية.
الموقف الصيني من الحرب على سورية كان موقفاً مبدئياً منسجماً مع مبادئ السياسة الخارجية الصينية وتوجّهاتها المتمثلة في رفض التدخل في الشؤون الداخلية للدول، لذا فقد سعت بكين إلى العمل على وقف الحرب في سورية، وطرح العديد من المبادرات التي تهدف إلى إيجاد مخرج للصراع الدائر فيها.
وقد استند موقف الصين من الحرب على سورية، إضافة إلى اعتبارات المصلحة والأيديولوجيا، إلى اعتبار سعي الصين لحفظ وتعزيز نفوذها في معادلة توازنات القوى الدولية في منطقة الشرق الأوسط، فبكين باتت أحد الأقطاب الرئيسة في العالم، وما التطور في السياسة الخارجية الصينية تجاه سورية إلا انعكاس لتصاعد مكانة الصين وقوتها.
سورية من جهتها، وإن كانت بأمسّ الحاجة لوجود أصدقاء يقفون معها في محنتها، إلا أنها تدرك تماماً مصالح الدول الأخرى وتتفهّم ظروفها، وتعي أن العلاقة معها لا يمكن أن تقاس بميزان “الربح والخسارة” فقط، فهناك بعد استراتيجي يشكّل العامل الأهم في توجهات الدول العظمى.
الصين من جهتها وقفت مع سورية دبلوماسياً وإنسانياً، فأبقت على سفارتها مفتوحة في دمشق رغم تهديدات الإرهاب، وكانت إلى جانب الحق السوري في مجلس الأمن، ولم تتوانَ عن تقديم المساعدات الإنسانية لسورية، وخاصة في ظل انتشار وباء كورونا، وعند كارثة الزلزال التي مرت بها سورية قبل عدة أشهر.
كما أن الدبلوماسية الشعبية كانت حاضرة، وسعي الصين لتفعيل “قوتها الناعمة” استفادت منه دمشق، فلم تتوقّف الوفود الحزبية والاقتصادية بين البلدين، كما ازداد عدد الطلاب السوريين الذين يدرسون في الجامعات الصينية وعلى نفقة الحكومة الصينية.
ولكن، لم يكن من قبيل الصدفة ربما أن يقوم وزير الخارجية الصيني وانغ يي بزيارة دمشق يوم إعلان نتائج الانتخابات الرئاسية في سورية في 17/ 7/ 2021، ليكون بذلك أول المهنئين للرئيس الأسد بفوزه في تلك الانتخابات. تلك الزيارة اكتسبت أهمية كبرى، ومثّلت تحوّلاً في السياسة الخارجية الصينية نحو مزاحمة الغرب في مناطق عديدة في العالم، حيث كانت أول زيارة يقوم بها مسؤول صيني كبير إلى سورية بعد الحرب الارهابية عليها.
بعد زيارة وانغ إلى دمشق دعت بكين إلى رفع العقوبات عن سورية، وقدّمت مبادرة لحل الأزمة تضمنت احترام السيادة الوطنية ووحدة الأراضي السورية من خلال ترك الشعب السوري هو الذي يحدّد مصير بلاده وبشكل مستقل، وتسريع عملية إعادة الإعمار ورفع جميع العقوبات عن سورية وبشكل فوري، ومكافحة المنظمات الإرهابية المدرجة على قائمة مجلس الأمن الدولي.
إن استقبال الرئيس السوري في بكين سيشكّل قفزة نوعية في العلاقات بين البلدين، وعلامة فارقة في الموقف الصيني الذي يهدف للانتقال إلى نظام دولي أكثر عدلاً. ومن المفيد تعزيز وتشجيع الحوار المشترك بين رجال الأعمال السوريين والصينيين، خاصة فيما يتعلق بإيجاد حلول للمشاكل المرتبطة بإعادة الإعمار (التمويل مثلاً). والعمل على الانتقال من تعاون اقتصادي إلى شراكة اقتصادية حقيقية بين البلدين، من خلال الربط الطرقي والسككي، وربط خطوط الطاقة بين كل من إيران والصين والعراق وسورية، وهو المشروع الذي كان قد طرحه الرئيس بشار الأسد في العام 2002 كإستراتيجية لتحويل سورية إلى قاعدة لنقل الغاز، ومنطقة تجارة حرة تصل الشرق بالغرب، عبر ربط البحار الخمسة، وهو ما رأت فيه الصين إحياءً لطريق الحرير، لتشكيل أطول ممر اقتصادي رئيس في العالم، من سورية إلى الصين، وهذا يتوافق مع مبادرة الطريق والحزام الصينية التي طرحها الرئيس الصيني شي جين بينغ عام 2013.
مجالات كثيرة للتعاون بين البلدين ستحقق نتائج هامة لكلا البلدين، لكن ذلك التعاون لن يكون مرحّباً به من قبل أعداء سورية، وخاصة الولايات المتحدة الأميركية التي تمارس النهب اليومي للنفط السوري من الآبار التي تحتلها، لكن من الواضح أن الصين باتت اليوم أكثر قوة لإظهار موقعها في النظام العالمي، وخاصة بعد تصاعد التوترات بينها وبين الولايات المتحدة الأميركية، وهو ما يشكّل فرصة أمام سورية لتطوير علاقاتها مع بكين.