أمريكا لم تعد قادرة على وقف صعود الصين
هيفاء علي
كل شيء يؤكد أن الحكومة الأمريكية قررت إبطاء النمو الاقتصادي في الصين، وخاصةً في مجال التطور التكنولوجي، ورغم أن إدارة بايدن تنفي أن تكون هذه هي أهدافها، إلا أنها أظهرت من خلال أفعالها أن رؤيتها تتجاوز هذه الأهداف المتواضعة، فهي لم تلغ التعريفات الجمركية التي فرضها دونالد ترامب على الصين في عام 2018، على الرغم من انتقاد جو بايدن لها في تموز2019. وبدلاً من ذلك، حاولت إدارة بايدن زيادة الضغط على الصين من خلال حظر تصدير الرقائق ومعدات أشباه الموصلات وبعض البرامج . كما أقنعت حلفائها، مثل هولندا واليابان، أن يفعلوا الشيء نفسه. ومؤخراً، أصدرت إدارة بايدن أمراً تنفيذياً يحظر الاستثمارات الأمريكية في الصين التي تنطوي على “تقنيات ومنتجات حساسة في قطاعات أشباه الموصلات والإلكترونيات الدقيقة وتكنولوجيا المعلومات الكمية والإلكترونيات”.
كل هذه الإجراءات تؤكد أن حكومة الولايات المتحدة تحاول وقف نمو الصين، ولكن السؤال الكبير الذي يطرحه المراقبون هو ما إذا كانت أميركا قادرة على النجاح في هذه الحملة، والإجابة هي بالطبع لا.
ذلك أن القرار الذي اتخذته الولايات المتحدة بإبطاء التطور التكنولوجي في الصين أشبه بالجنون الذي كشفت عنه العبارة المبتذلة القديمة: إغلاق باب الحظيرة بعد هروب الحصان. لقد أظهرت الصين الحديثة مراراً وتكراراً أن التطور التكنولوجي في الصين لا يمكن وقفه.
فمنذ تأسيس جمهورية الصين الشعبية في عام 1949، بُذلت جهود عديدة للحد من وصول الصين إلى مختلف التكنولوجيات الحيوية، بما في ذلك الأسلحة النووية والفضاء والاتصالات عبر الأقمار الصناعية ونظام تحديد المواقع العالمي “جي بي اس”، وأشباه المحركات وأجهزة الكمبيوتر العملاقة والذكاء الاصطناعي، أو لوقف تواجدها في هذه المجالات. وحاولت الولايات المتحدة أيضًا الحد من هيمنة الصين على السوق في مجال شبكات الجيل الخامس والطائرات التجارية بدون طيار والمركبات الكهربائية.
وعلى مر التاريخ، فشلت الجهود الأحادية أو التي تتجاوز الحدود الإقليمية للحد من صعود الصين التكنولوجي، وفي السياق الحالي تتسبب في إلحاق ضرر لا يمكن إصلاحه بالشراكات الجيوسياسية الأميركية الطويلة الأمد.
وفي عام 1993، حاولت إدارة كلينتون تقييد وصول الصين إلى تكنولوجيا الأقمار الصناعية، وها هي اليوم الصين تمتلك حوالي 540 قمراً صناعياً في الفضاء، وتطلق منافساً لـ “ستارلينك”. تم تطبيق نفس المبدأ مع نظام تحديد المواقع العالمي ” جي بي اس” عندما قيدت أميركا قدرة الصين على الوصول إلى نظام البيانات الجغرافية المكانية الخاص بها. وفي عام 1999، قامت الصين ببساطة ببناء نظام موازي خاص بها، وهو نظام “بيدو”، النظام العالمي للملاحة عبر الأقمار الصناعية، كواحدة من أولى موجات الفصل التكنولوجي الكبرى. في بعض النواحي، يعد نظام” بيدو” أفضل من نظام تحديد المواقع العالمي” جي بي اس” اليوم، وهو أكبر نظام في العالم، حيث يضم 45 قمراً صناعياً مقابل 31 لنظام تحديد المواقع العالمي “جي بي اس”، وبالتالي فهو قادر على توفير المزيد من الإشارات في معظم عواصم العالم، ويعتمد على 120 محطة أرضية، مما يمنحه دقة أكبر، ويتمتع بوظائف إشارة أكثر تقدماً، مثل المراسلة ثنائية الاتجاه. وقد حاولت دول أخرى بالفعل، عرقلة التطور التقني في الصين، ولكن جدوى.
كما تم تنفيذ العديد من الإجراءات التي اتخذتها إدارة بايدن ضد الصين دون النظر إلى قدرة الصين على الانتقام، وعلى الرغم من أن الصين لا تقوم فعليا ببناء العديد من المكونات التي لا يمكن استبدالها حقا من كومة التكنولوجيا الأمريكية، فإنها تدرك تماماً أهمية المواد الخام (الأتربة النادرة) والطلب (توليد الإيرادات) في تغذية النظام البيئي للابتكار الأمريكي، وهي الآن تستخدمها كوسيلة ضغط. وفي ديناميكية مبدأ العين بالعين الحالية، ستبدأ الصين في الضغط على هذين الطرفين الحاسمين من سلسلة القيمة رداً على القيود التي تفرضها الولايات المتحدة على التكنولوجيا وتصدير رأس المال.
وكان الحظر الذي فرضته الصين على صادرات الفاليوم والجرمانيوم في تموز الماضي مجرد طلقة تحذيرية أولى لتذكير أميركا (وحلفائها) بهيمنة الصين في مجال المعادن النادرة والمعادن المهمة، وعلى المعالجة الوسيطة للمواد الضرورية لمعظم التطلعات التكنولوجية الحالية والمستقبلية لأمريكا. زيادة على ذلك، تلعب الصين دور صانع الملوك في كيفية توزيع الوصول إلى موادها المعالجة، مما يحد على الأرجح من الإمدادات إلى عمالقة التكنولوجيا والدفاع الأمريكيين.
إن الفشل في أخذ القدرات الانتقامية الصينية في الاعتبار يظهر أن ليس لدى الولايات المتحدة نهج شامل ومدروس جيداً للتعامل مع الصين. كما أن التحركات الأمريكية لحرمان الصين من الوصول إلى الرقائق الأكثر تقدماً يمكن أن تلحق الضرر بشركات صناعة الرقائق الأمريكية الكبرى أكثر من الصين، التي تعد أكبر مستهلك لأشباه الموصلات في العالم. فقد استوردت على مدى العقد الماضي، كميات هائلة من الرقائق من الشركات الأمريكية. ووفقاً لغرفة التجارة الأمريكية، استوردت الشركات التي يوجد مقرها في الصين ما قيمته 70.5 مليار دولار من أشباه الموصلات من الشركات الأمريكية في عام 2019، وهو ما يمثل حوالي 37% من المبيعات العالمية لهذه الشركات. وتحصل بعض الشركات الأمريكية، لذا ليس من المستغرب أن يذهب الرؤساء التنفيذيون لهذه الشركات الثلاث مؤخراً إلى واشنطن للتحذير من أن ضوابط التصدير قد تضر بقيادة الصناعة الأميركية.
لقد اعترف صناع القرار السياسي الأميركيين على نطاق واسع أن سياسة التعامل مع الصين التي قادتها الولايات المتحدة على مدى خمسة عقود من الزمن قد فشلت، ووفق ما أشارت مجلة “فورين أفيرز”، فإنه بعد ما يقرب من نصف قرن من خطوات نيكسون الأولى نحو التقارب، أصبح من الواضح على نحو متزايد أن واشنطن أصبحت مرة أخرى واثقة للغاية في قدرتها على تشكيل مسار الصين. ولكن على العكس من ذلك، فقد اتبعت الصين طريقاً خاصاً بها، الأمر الذي خيب آمال سلسلة كاملة من التوقعات الأميركية في هذه العملية. ومن المؤكد أن سياسة المشاركة إذا كانت تهدف إلى تحويل نظام الحكم الداخلي في الصين، فقد باءت بالفشل.
وبحسب محللين غربيين، فبدلاً من التنافس التكنولوجي الخاسر بين الولايات المتحدة والصين، فإن هيكل التعاون المستدام يفيد البلدين والإنسانية على السواء، ولا يمكن تحقيق أغلب أهداف خفض الانبعاثات الغربية من دون مشاركة الصين، التي تمتلك عدداً كبيراً من براءات الاختراع والمدخلات الأساسية للطاقة الشمسية وطاقة الرياح والبطاريات الكهربائية.