الثقل الجيو سياسي لسورية يتجسّد في الصين
البعث الأسبوعية- ريا خوري
مع تسارع الأحداث العالمية والتحولات الدبلوماسية الكبرى في العالم، كان لا بد أن تكون سورية من ضمن المحور الاستراتيجي في التغيرات العالمية، بخاصة وأنّها تتمتع بموقع جيو استراتيجي مهم، وموقف جيو سياسي عالمي، فجاءت زيارة السيد الرئيس بشار الأسد إلى بكين وفق هذا المحور الاستراتيجي بخاصة وأن سورية كانت وما زالت تقع على خط طريق الحرير.
اليوم تسير جمهورية الصين الشعبية على خطى طريق الحرير من خلال مشروع الحزام والطريق، وهو محاولة لتعزيز الاتصال الإقليمي واحتضان مستقبل أكثر إشراقاً، وهو مشروع ضخم من الاستثمارات العالمية والقروض يقضي بإقامة بنى تحتية ضخمة تربط الصين بأسواقها التقليدية في القارات الثلاث الآسيوية والأوروبية والإفريقية، وكانت سورية قد انضمت إلى مبادرة مشروع الحزام والطريق في شهر كانون الثاني العام الماضي 2022.
عقد الرئيس الأسد لقاء قمة مع نظيره الصيني شي جي بينغ في خانجو شرق الصين وقع خلالها العديد من الاتفاقيات الاقتصادية، كان من أهمها إقامة شراكة إستراتيجية بين البلدين التي ستصبح محطة مهمة في تاريخ العلاقات الثنائية، ونقطة فارقة في صياغة مواقف وتوازنات القوى الدولية في منطقة الشرق الأوسط، خاصة وأنّ الصين تقف تاريخياً مع الشعوب المنادية بالحرية والسلام، فعندما تعرضت سورية لأشرس هجمة إرهابية من العديد من دول العالم وقفت الصين مع سورية، ومنعت التصويت في مجلس الأمن الدولي على اتخاذ القرارات الظالمة والجائرة ضد سورية وحكومتها وشعبها. كما أنّ الصين كانت من أبرز الداعمين الأقوياء لسورية مع جمهورية روسيا الاتحادية وإيران خلال الحرب الإرهابية على سورية، والاعتداء من دول الغرب الأوروبي – الأمريكي من خلال تجميع وإرسال الإرهابيين إلى سورية ودعمهم بكل الوسائل والطرق بالمال والسلاح والتزويد اللوجستي.
حفلت الزيارة بالمزيد من الرموز والمؤشرات التي تدل دلالةً واضحة على أنّ الصين كانت ولا تزال مصممة ومعها عدد كبير من دول العالم على الاستمرار بقوتها وتحصينها، فقد وقف الرئيس الأسد محاطاً بوفد رفيع المستوى مكوّن من تسعة أشخاص في صالون ضخم جداً مزيّن بلوحةٍ جدارية ضخمة جداً تمثّل سور الصين العظيم، وقد تمّ رفع العلمين الصيني والسوري. وهذا اللقاء يندرج تحت إطار النهج الذي تسلكه الحكومة الصينية والقائم على القوة الفاعلة المستندة على المزيد من الإصرار في تحدي الولايات المتحدة الأمريكية وإملاءاتها، والمضي قُدُماً في تطوير علاقات الصين مع الدول التي أرادت لها الولايات المتحدة الأمريكية ومعها دول الغرب الأوروبي أن تكون معزولةً عن العالم، وتأتي في مقدمة هذه الدول سورية.
إن الرهان على سورية بالنسبة للصين هو رهان جيوسياسي وجيو استراتيجي معاً، وعلى الرغم من أن العلاقات الصينية مع سورية بقيت مستمرة طوال سنوات الحرب، إلا أنها أظهرتها بشكلٍ كبير وعلني في مواقفها الصلبة في مجلس الأمن، حيث استخدمت الصين حق الفيتو عدة مرات من أجل سورية لحمايتها من شراسة الغرب الأوروبي – الأمريكي الذي يسعى لافتراسها.
الجدير بالذكر أنّ سورية تشكّل أهمية جيو سياسية واقتصادية للصين، وهي متوافقة مع السياسة الإستراتيجية الصينية الثابتة والمتمثّلة في رفض التدخّل في الشؤون الداخلية للدول، وتحقيق العدالة والمساواة وإرجاع الحقوق لأصحابها، فقد استطاعت الصين أن تضع ملامح سياستها الخارجية تجاه سورية بانسجام تام بين تحقيق مصالحها الوطنية، والدفاع عن المبادئ والأسس التي تؤمن بها والتي شكّلت هوية خاصة للسياسة الصينية، فقد مارست الصين سياسة الدبلوماسية الناعمة، حيث وقفت مع سورية حكومة وشعباً دبلوماسياً وإنسانياً، فأبقت على سفارتها مفتوحة في دمشق على الرغم من الحرب الدائرة فيها، ووقفت مع الحق السوري ولم تتوان عن تقديم المساعدات الإنسانية للشعب السوري، خاصة في ظل انتشار جائحة كوفيد 19 ، وعند كارثة الزلزال المدمر التي مرّت بها سورية قبل أشهر عدّة.
وكان الرئيس الصيني شي جي بينغ قد قال في كلمته التي ألقاها أمام السيد الرئيس والوفد المرافق: “نحن نقف في مواجهة الوضع الدولي المليء بعدم الاستقرار وعدم اليقين واللا استقرار، جمهورية الصين الشعبية مستعدّة لمواصلة العمل مع سورية، والدعم القوي المتبادل بين بلدينا، وتعزيز التعاون الودّي، والدفاع بشكل مشترك عن الإنصاف والعدالة الدوليين”.
جاء ذلك في ظل التأكيد على أنَّ العلاقات بين الصين وسورية صمدت أمام اختبار التغيرات الدولية الهائلة والمتسارعة وأن الصداقة بين البلدين تعزّزت بمرور الوقت. كما كان الموقف السوري متوازياً مع الموقف الصيني، ومتوازناً إلى أبعد الحدود فقد أعرب السيد الرئيس بشار الأسد عن تطلعه لقياد الصين بــ “دور كبير وفاعل على الساحة الدولية التي تشهد تحولات وتغيرات كبيرة، رافضاً كل محاولات إضعاف الدور عبر التدخل السافر في شؤون الصين الداخلية أو محاولات خلق بؤر التوتر في بحر الصين الجنوبي أو في جنوب شرق آسيا”.
كما قال السيد الرئيس : ” هذه الزيارة مهمة بتوقيتها وظروفها حيث يتشكل اليوم عالم متعدد الأقطاب سوف يعيد للعالم التوازن والاستقرار، ومن واجبنا جميعا التقاط هذه اللحظة من أجل مستقبل مشرق وواعد. متمنياً أن يؤسّس اللقاء لتعاون استراتيجي واسع النطاق وطويل الأمد في مختلف المجالات”.
إنّ تسارع التحركات الدولية والتحوّلات الدبلوماسية الهامة على الساحة العربية قد دفع القيادة الصينية لتقوم بدور دبلوماسي كبير أدت إلى استئناف العلاقات التي كانت مقطوعة بين المملكة السعودية وجمهورية إيران الإسلامية في شهر آذار الماضي. كما شهد العام الحالي تغيرات بنيوية على الساحة الدبلوماسية السورية تمثلت باستئناف سورية علاقتها مع العديد من الدول العربية.
في الختام لا ننسى موقف الصين مما يجري في سورية، فقد زار دمشق وزير الخارجية الصيني السيد وانغ يي التي دعا خلالها إلى رفع العقوبات عن سورية، وقدّمت الصين مبادرة من أربعة محاور لحل الأزمة فيها، وقد تضمنت هذه المبادرة: احترام السيادة الوطنية ووحدة الأراضي السورية، والتسريع في إعادة الإعمار، ورفع جميع العقوبات عن سورية بشكل فوري وهو الطريق لحل الأزمة الإنسانية في البلاد، ومكافحة المنظمات الإرهابية المدرجة على قائمة مجلس الأمن الدولي، ودعم حل سياسي شامل في سورية.