مجلة البعث الأسبوعية

مقترح باستيراد سلالات جديدة ذات إنتاجية عالية الجود.. مع تراجع تربية دودة القز وصناعة الحرير.. هل يخرج المشروع الوطني من شرنقة المعوقات؟

البعث الأسبوعية – دارين حسن

خسر مربو دودة القز مهنتهم بعد توقف شركة الحرير الطبيعي عن العمل منذ أربعة عشر عاماً، فبدأ عددهم يتناقص بشكل كبير وفقدت سورية أعرق صناعة كانت تعتز بها على مدى عقود من الزمن!

ومع المشروع الوطني لإحياء تربية الحرير الذي أطلقته وزارة الزراعة ثمة تساؤل هل بدأت الصناعة حقاً.؟

تحسن وإقبال

رئيس دائرة الوقاية في مديرية زراعة طرطوس المهندس وائل حسين أشار إلى أن  محافظة طرطوس شهدت تحسناً ملحوظاً لواقع تربية دودة القز لهذا العام ، حيث شهد مركز حرير حاموش رسلان إقبالاً كبيراً للراغبين بالتربية خلال العروة الربيعية لهذا العام كونه مشروع داخلي ذو تكاليف محدودة ومردود جيد خلال فترة قصيرة، ما دفع أعداد كبيرة من المربين للسؤال عن الاكتتاب والرغبة بالعمل في هذا المشروع.

ثلاثون مربياً

وبين حسين أن عدد المربين في المحافظة يبلغ ثلاثين مربياً، تتركز التربية في منطقة الدريكيش بقرى بمحصر والبريخية وحاموش رسلان والدلبة وحميص والمعمورة وبجنة الجرد وجورة الجواميس.. كذلك في الصفصافة وقرية المزارع في بانياس.

وعن أسباب تراجع التربية تحدث رئيس الدائرة عن السعر المنخفض لثمن كغ الشرانق المنتجة وعدم تحسين السلالات المرباة محلياً والحاجة لاستيراد سلالات أجنبية لتحسين نوعية وكمية الإنتاج، إذ تبحث المديرية عن مراكز للتربية، حيث يقوم بتفقيس وتحضين وتربية اليرقات حتى نهاية العمر الثالث ثم توزيعها على المربين مجاناً، ومتابعة مراحل التربية والإشراف الفني من قبل العاملين بجميع مراحل التربية لدى المربين في المنازل، معتبراً أن المديرية صلة وصل بين المربي والمستثمر الذي يود شراء المنتج من المربي، وحل الشرانق المنتجة من قبل المربين مجاناً.

مقترحات

وقدم حسين مقترحات ورؤى لإعادة لإنعاش التربية تتمثل باستيراد سلالات جديدة ذات إنتاجية عالية الجودة واستمرار الدعم الذي تقدمه الوزارة عن طريق صندوق دعم الإنتاج الزراعي ورفع قيمته إن أمكن، وتقديم دعم عيني وتشجيعي من صواني وحوامل تربية، إضافة إلى توزيع غراس توت مجانية أو بسعر رمزي للراغبين بالقيام بعملية التربية.

عزوف المربين

بدوره عزا مدير شركة الحرير الطبيعي “المتوقفة” في منطقة الدريكيش يوسف أحمد، عزوف المربين عن التربية إلى انخفاض أسعار شراء شرانق الحرير والقص الجائر لأشجار التوت لزراعة أنواع أخرى من الأشجار أكثر جدوى للفلاح مثل الزيتون والتفاح وغيرها، كذلك انتشار أساليب السكن الحديث وعدم ملاءمتها لتربية دودة القز، والتلوث الناتج عن رش المبيدات وتأثير ذلك على نوعية الشرانق، إضافة إلى انخفاض نسبة الدعم للمربين وعدم وجود جهة ترعى مثل هذا النشاط.

تداعيات سلبية

ومما لا شك أن تراجع التربية لها تداعيات على المربين، أوجزها مدير الشركة  بفقدان مورد كان في يوم من الأيام يشكل نسبة ليست قليلة من دخل الأسر، إضافة إلى أن الأجيال الحالية لا تعرف أي شي عن الحرير وكيفية تربية دودة القز، أي أن النشاط المتوارث عبر سنوات طويلة جدا في طور النسيان وأنه أصبح من الماضي، يضاف لذلك أن حاجة سورية حالياً تلبى عن طريق الاستيراد، ما يعني استخدام قطع أجنبي لاستيراد مادة من الممكن إنتاجها محليا وبجودة عالية، إضافة إلى إمكانية تصدير الفائض من خيوط خام أو مواد مصنعة يدخل في صناعتها الحرير الطبيعي، حيث من الممكن أن يكون رافدا كبيرا للاقتصاد الوطني، كما يساهم في التخفيف من البطالة وتأثيرها على الواقع الاجتماعي، حيث تذكر الإحصاءات أن 20% من سكان سورية كانوا يعملون في تربية دودة القز والنشاطات اللاحقة لها في بداية القرن الماضي وهذه النسبة كبيرة مقارنة بتعداد السكان في ذلك الوقت.

صعوبات وعقبات

وأشار مدير الشركة إلى قلة المربين إذ لا يتجاوز /٢٠-٢٥/ مربياً في طرطوس في أفضل الأحوال وبكميات قليلة جداً، نتيجة عدم توفر بيوض الشرانق بما يكفي لتوزيع كميات كبيرة على المربين الراغبين بذلك، مبينا أن الصعوبات التي تعترض المربين كثيرة، منها ضعف الإنتاجية نتيجة انخفاض جودة البيوض وعدم توافر أشجار التوت التي تتغذى عليها الدودة، والدعم غير الكافي للمربي، إضافة إلى عدم وجود جهة تسويقه للإنتاج كون الكميات المنتجة قليلة جدا لاتصل إلى /٥٠٠/ كغ بأفضل الأحوال، بالتالي عدم جدوى تشغيل المعمل.

 

مع وقف التنفيذ..!

أوضح مدير الشركة أن المعمل متوقف عن العمل منذ العام ٢٠٠٩ نتيجة عدم توفر المادة الأولية، شرانق الحرير، مشيراً إلى أنه تم طرح حلول بديلة منذ وقت طويل منذ العام/ ١٩٩٨/ لإنقاذ هذه الصناعة من خلال الاستفادة من أراضي أملاك الدولة لزراعة أشجار التوت في محافظات اللاذقية وطرطوس وحماه وبمساحة /٣٠٠٠/ هكتار تنفذ على مراحل لكن لم يتم التنفيذ!

مشاريع بديلة لم تنفذ…!

وبين أحمد أنه تم طرح مشاريع بديلة للمعمل مثل حاضنة أعمال تضم فندق سوق أعمال يدوية بالتعاون مع وزارة السياحة لم ينفذ، واستمر الوضع لغاية عام/ ٢٠١٥/  حيث صدر قرار عن وزير الزراعة يتضمن تشكيل فريق عمل من وزارتي الزراعة والصناعة وذلك لوضع استراتيجية عمل متكاملة لإحياء تربية دودة الحرير في سوريا تتضمن خطة عمل وبرنامج زمني، مبينا أنه تم الانتهاء من المشروع في عام / ٢٠١٧/ وتم رفعه إلى الجهات الوصائية لإقراره، حيت تمت الموافقة عليه، وطلب إلى وزارة الزراعة المباشرة بالتنفيذ حيث كان من المقرر أن يستمر المشروع من عام /٢٠١٧/ ولغاية /٢٠٢٧/ ضمن ثلاث مراحل، حيث تضمن زراعة/ ٢٩٨٧ / دونما بعدد أشجار حوالي / ٩٠٠/ ألف شجرة توت تكفي لتربية /٦٤٩١/ علبة بيوض، موضحاً أن هذه الكمية من البيوض تنتج حوالي /٢٥٠/ طناً من شرانق حرير كافية لتشغيل المعمل على مدار العام لثلاث ورديات، لافتاً إلى توجيه رئيس مجلس الوزراء أثناء زيارته للشركة بالبدء بتنفيذ البرنامج الوطني واعتبار الخطة موافقة عليها، حيث تضمنت الخطة في المرحلة الأولى إجراء عمرة للمعمل على أن يتم استبدال الآلات بعد انتهاء المرحلة الثانية.

عدم توفر الشرانق…!

عن الواقع الحالي للمعمل بين المدير أنه وخلال العام الماضي تم إجراء صيانة أولية لآلات المعمل، حيث أعيدت للعمل بانتظار موسم إنتاج العام الماضي، لكن لم يكن هناك إنتاج لشرانق الحرير، إذ تحتاج الشركة إلى كمية لا تقل عن / ٦/ طن شرانق للمباشرة بالعمل وهذه الكمية تكفي للعمل لمدة شهر فقط ولوردية واحدة لكن لم يتوفر أي كمية من الشرانق!

ضمن الإمكانيات..!

ذكر أحمد أن وزارة الزراعة باشرت تنفيذ المشروع ضمن إمكانياتها المتاحة، وشركة الحرير بانتظار بدء عملية الإنتاج الفعلي لشرانق الحرير ليتم المباشرة بالإنتاج على أن لا تقل الكمية عن/ ٦/ طن شرانق تكفي لشهر عمل، مشيراً إلى أن لا علاقة لوزارة الصناعة بالتربية وهذه المرحلة تقوم بها وزارة الزراعة وتقدم دعم مادي، إضافة إلى تسليم البيوض مجانا للمربين، وتكمن مهمة الشركة بشراء البيوض من المربين بالأسعار التي تحدد من الجهات الحكومية وحل هذه الشرانق وبيع الإنتاج لمن يرغب.

ولفت المدير إلى أن آلات المعمل قديمة وأن أحدث آلة يعود تاريخ صنعها لعام /١٩٧٥/ لكنها ليست متهالكة، وفي حال توفر الشرانق يمكن إعادة تشغيل هذه الآلات بكلفة ليست كبيرة وبنفس الطريقة قبل توقف العمل، على أن يتم الاستبدال وفق الخطة الموضوعة لتطبيق المشروع الوطني لإحياء تربية دودة الحرير.

وبرأي أحمد فإن صناعة الحرير الطبيعي قد بدأت، ونأمل أن يتم ذلك كون هذه الصناعة من التراث السوري الأصيل وتقدم دعم مادي كبير لسكان الريف، مبينا أن وزارة الصناعة والمؤسسة العامة للصناعات النسيجية تتابع بذل الجهود لإحياء هذه الصناعة من خلال المتابعة مع الجهات الأخرى ذات العلاقة للنهوض بواقع هذه الصناعة العريقة وإعادة ألقها.

مردود مالي

من جهته عضو  اتحاد حرفيي طرطوس منذر رمضان أشار إلى أن شرانق وخيوط الحرير تؤمن مردود مالي لشرائح إضافية من المجتمع بحال توفرها، فلم يعد التالف منها يشكل أي خسارة على الإطلاق، لطالما كان وما زال السوريون مبتكرين بكل المجالات حيث حول حرفيوها الفنانين الشرانق التي تخرج منها اليرقات قبل حل خيوطها إلى لوحات فنية تحاكي الطبيعة والفن والجمال بلمستهم وإبداعهم، كما أنه تم استخدامها بتركيبة صابون الغار على يد مختصين بكميات مدروسة وبشكل علمي.

شراكة حقيقية

لفت رمضان إلى أن إنعاش هذه الصناعة العريقة يحتاج إلى شراكة حقيقية بين القطاع العام والخاص من مستثمرين وأصحاب معامل ومصدرين وحرفيين وصناعيين ومربين، كونها حلقة مترابطة تؤدي حتما إلى رسم خارطة طريق تعيد هذه الصناعة إلى أمجادها وتعيد الحياة لطريق الحرير الشهير الذي كانت منطقتنا جزء هام من تاريخه.

 

ولتشجيع هذه التشاركية أوضح رمضان أن على القطاع العام تخصيص هكتارات من الأراضي الحراجية لزراعة شجرة التوت وتقديم تسهيلات للمربين وإعادة توزيع غراس التوت للمزارعين، والاهتمام بنوعية وسلالة اليرقة وتأمينها للمربين ومتابعتهم من قبل مختصين بالخبرات اللازمة، وتقديم إعفاءات ضريبية نسبية للمصنعين لتشجيعهم بالانطلاق واعتماد هذه الخيوط الحريرية وإعادة حياكتها وتصديرها للعالم، والاستفادة من تجارب الدول التي تمكنت من الحفاظ على هذا الإرث الاقتصادي الهام.

شراكة حقيقية

ولفت رمضان إلى أن إنعاش هذه الصناعة العريقة يحتاج إلى شراكة حقيقية بين القطاع العام والخاص من مستثمرين وأصحاب معامل ومصدرين وحرفيين وصناعيين ومربين، كونها حلقة مترابطة تؤدي حتما إلى رسم خارطة طريق تعيد هذه الصناعة إلى أمجادها وتعيد الحياة لطريق الحرير الشهير الذي كانت منطقتنا جزء هام من تاريخه.